1/25/2011

تحصينات عدوى تونس.. مسكنات منتهية الصلاحية


- حمدي عبد العظيم: الدول العربية الفقيرة لا تستطيع الالتزام بوعودها

- مجدي قرقر: النظم المفلسة لن تستمر بسبب الفساد وغياب التنمية

- جورج إسحاق: الحقن المسكنة لن تفلح في تسكين الاحتقان الشعبي

- ثريا عبد الخالق: الحكام العرب المستبدون لن يكونوا "ملائكة"

- أيمن عبد الوهاب: الدعم المطلق من الحكومات يصعب تحقيقها

تحقيق: الزهراء عامر - إخوان أون لاين - 20 يناير 2011


فوبيا تخفيف العبء عن كاهل الشعوب العربية.. حالة أصابت الحكومات العربية بعد الثورة التونسية الشعبية، التي أطاحت بالدكتاتور زين العابدين بن علي، واتخذت عددٌ من الدول العربية إجراءات فورية استثنائية لزيادة الدعم، اعتقادًا منهم أن هذه الإجراءات ستنقذ الموقف وتمنع انتقال الفيروس التونسي إلى بلادها.

ففي مصر استيقظ النظام المصري فجأةً، وانفجرت ماسورة المسكنات الحكومية التي تدعي أن النظام المصري منحازٌ دائمًا للفقراء، ومنها ما جاء على لسان وزير التجارة والصناعة قائلاً: إن مصر قد تنفق ما بين ٤.٥ مليارات جنيه و٧ مليارات جنيه إضافية لدعم السلع الغذائية هذا العام ٢٠١٠- ٢٠١١م، بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، مؤكدًا أن الحكومة سترفع فاتورة دعم السلع الغذائية بالقدر الذي تضطرها إليه الأسعار العالمية.

وتابع: "إن مصرَ ستواصل دعم السلع الرئيسية، ومن بينها القمح والسكر والأرز والزيوت النباتية، لكي تضمن استقرار الأسعار المحلية واحتواء الارتفاعات العالمية، وليست لديها في الوقت الراهن خطة لزيادة أسعار السلع؛ لذلك فإن مستوى الزيادة في الدعم سينعكس على استقرار الأسعار".

وفي الكويت، قرر أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الصباح صرف منحة مالية للمواطنين، بقيمة إجمالية تبلغ ٤ مليارات دولار، وتقديم المواد الغذائية بالمجان لحاملي البطاقة التموينية من بداية فبراير المقبل حتى نهاية مارس ٢٠١٢م.

وفي سوريا، قررت السلطات هناك زيادة دعم وقود التدفئة، في تحول واضح لسياستها؛ حيث كانت تعمل على خفض الدعم عن الوقود خلال السنوات الماضية.

وأعلنت الحكومة المغربية عن دعم أسعار المحروقات المخصصة للصيد البحري، بعد الارتفاع الذي سجلته أسعار النفط في السوق الدولية، والذي اقترب من 99 دولارًا، في وقتٍ اعتمدت سعرًا وسطيًّا لبرميل النفط بـ75 دولارًا.

وفي موريتانيا، أطلقت الحكومة برنامجًا عاجلاً للتخفيف من معاناة السكان الأكثر فقرًا؛ من جرَّاء ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية، وذكر بيان رسمي أصدرته رئاسة الحكومة إثر اجتماع للجنة الوزارية المكلفة بوضع برنامج تضامن مع السكان الفقراء، أن البرنامج سيبدأ بفتح متاجر في جميع أنحاء موريتانيا لبيع السلع الأساسية بأسعار مدعومة.

وأضاف البيان إن هذا "البرنامج غير المسبوق يرمي إلى المساعدة الفورية للسكان الأقل حظًّا في مواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية من جهة، والمساعدة على استقرار أسعار هذه المواد في السوق من جهة ثانية".

وفي الأردن، وجه الملك عبد الله الثاني الحكومة إلى اتخاذ خطوات فورية وفاعلة للتخفيف من آثار الأوضاع الاقتصادية الصعبة على مستوى معيشة المواطنين وقدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية في مواجهة موجة ارتفاع الأسعار العالمية، والتي كان لها انعكاسات واضحة في المملكة.

وقررت الحكومة الليبية إعفاء السلع الغذائية المصنعة محليًّا والمستوردة من الضرائب والرسوم الجمركية وكل رسوم أخرى على المواد الغذائية لا سيما منها الأساسية، كالقمح والأرز والزيوت النباتية والسكر وحليب الأطفال.

وفي الإمارات خصصت إمارة دبي ربع ميزانيتها لاستكمال مشاريع البنى التحتية، واعتبرت الحكومة أن الموازنة تأتي في إطار "التركيز على تطبيق سياسة مالية حكيمة توفر الروافد اللازمة لمواصلة تحفيز عملية النمو الاقتصادي في الإمارة واستكمال مشاريع البنية التحتية الرئيسية فيها وتحديد مسارات الإنفاق الحكومي بأسلوب يضمن ترسيخ أسس الاستدامة المالية.

والسؤال الذي يطرح نفسه أين كانت هذه الحكومات قبل ذلك لتراعي مصالح الشعب، ولماذا تشعر بآلام هذا الشعب إلا في هذه الأيام؟، وهل هذه الإجراءات ستنجح في القضاء على حالة الاحتقان الشعبي في البلاد العربية؟، وهل ستدوم أم أنها مجرد إجراءات وقتية تزول بزوال السبب؟ وهل الشعوب العربية الآن من الممكن أن تنسى عقود الاستبداد من أجل لقمة خبز أو زيادة دعم؟

(إخوان أون لاين) طرح هذه التساؤلات على الخبراء في سطور التحقيق التالي فإلى التفاصيل:

مأزق تمويلي

الصورة غير متاحة

د. حمدي عبد العظيم

يؤكد د. حمدي عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقًا أن الحكومات العربية تحاول أن تمتص غضب شعوبها بمثل هذه الوعود، بعد أن نبهتها أحداث تونس لأهمية البعد الاجتماعي، وعلمت أن الاستماع إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هو ما أدَّى إلى انتشار المشكلات الاقتصادية في الشارع العربي.

ويرى أن الإجراءات العكسية لحالة الاحتقان التي تقررها الأنظمة إذا كانت حقيقية، من الممكن أن يكون لها تأثير إيجابي، وتقلل من حالة التذمر بعد تقليص المشكلات التي ترتبت عليها سوء الأحوال المعيشية، ولكن هذا الأمر مستبعد حاليًّا؛ لأن الدول العربية ما زالت حتى الآن في قفص الأزمة المالية.

ويضيف أن دخول الدول الفقيرة ومواردها الحالية، وخاصةً مصر لا تكفي المشروعات التنموية التي أعلنت مؤخرًا القيام بها لرفع العبء عن مواطنيها كما تزعم، مؤكدًا أن هذه الدول في مأزقٍ حقيقي وتحتاج إلى نصيب أكبر من المعونات والقروض لتوفي بالتزامها أمام شعبها في حل مشكلاته الاقتصادية.

ويشير إلى أن الدول العربية وخاصةً النفطية من الممكن أن تلتزم بوعودها؛ لأن هذه الدول غنية ولديها فائض في الميزانية بعد ارتفاع سعر برميل البترول حتى وصل إلى 100 دولار، وأنه كلما تحرك سعر برميل البترول أضيفت مليارات جديدة لميزانية هذه الدول، مطالبًا هذه الدول بعمل صناديق وبنوك للتنمية العربية لتساعد الدول الفقيرة مثل السودان وموريتانيا ومصر وغيرها.

ويشدد على ضرورة مراجعة الدول العربية لتوصيات القمم الاقتصادية السابقة، والقيام بعملية تقويم شاملة لها، وفي حالة القيام بذلك من الممكن وضع برامج محددة لتحديد احتياجات الوطن العربي، خاصةً أن الوطن العربي يأخذ 20% من نسبة البطالة العالمية، وهذه قنبلة موقوتة إن لم يفعلوا شيئًا ملموسًا فستفجر في وجه هذه الأنظمة.

حقن مسكنة

الصورة غير متاحة

جورج إسحاق

ويتساءل جورج إسحاق، المنسق العام الأسبق لحركة كفاية، قائلاً: أين كان الزعماء العرب عندما كانت تموت شعوبهم جوعًا قبل هذه الأيام؟!، لماذا لم يحملوا الأحباء على كاهلهم؟!

وهل ماتت شعورهم وأحاسيسهم والآن بدأت تحيا وتشعر بجماهيرها؟!، ولماذا لم يسعوا من قبل لِنُصْرَة هذه الشعوب العربية الثائرة المحتقنة ليلبوا احتياجاتهم؟!، مؤكدًا أن موجة التغيير قادمة لا محالة، وأن الشعوب ستثور جمعيها على هؤلاء الحكام الطغاة.

ويشدد أن هذه الحقن المسكنة التي يزعم هؤلاء الحكام أنها ستصلح ما أفسدوه خلال السنوات الماضية لن تفلح في تهدئة حالة الاحتقان.

ويرى أن الحكومات العربية ستقوم بالتضحية بجزءٍ من أموال الفساد التي صارعوا شعوبهم وحرموهم من أبسط حقوقهم لجمعها وقاموا بوضعها في حسابات سرية، "هيطلعوا اللي تحت البلاطة"- على حدِّ قوله- لإنقاذ أنفسهم، وهذه بداية نهايتهم.

تفادي العاصفة

الصورة غير متاحة

د. مجدي قرقر

ويقول د. مجدي قرقر أمين عام حزب العمل: إن هذه الحكومات تأخذ هذه الإجراءات كوضعٍ مؤقتٍ لتفادي العاصفة، وكنوعٍ من إرضاء الجماهير الكارهة لها وغير الراضية عن وجودها، مؤكدًا أن هذه الأنظمة المفلسة لن تستطيع أن تستمر في ذلك كثيرًا، خاصةً مع تدهور معدلات التنمية في البلاد العربية، بالإضافة إلى تنوع الفساد في المؤسسات والهيئات الحكومية.

ويرى أن هذه العاصفة من الممكن أن تراق، وستكون المفاجأة لهذه النظم ما لم يكن هناك إصلاح اقتصادي سريع وله أثر واضح عليها، يأتي بعده إصلاح سياسي واجتماعي.
ويتهكم على موقف الحكومات العربية الإيجابي المفاجئ، متسائلاً: إذا كانت الحكومات لديها نية حقيقية للتغيير، فهل هناك استعداد عند الطبقات الحاكمة أن تعيد النظر في توزيع الثروات وتعامل الناس سواء؟، وهل لديها الاستعداد لأن تعيد النظر في الإجراءات الديمقراطية احترامًا لرغبة الشعب، وتأتي بالحكومات التي تمثله؟!.

ضيق الأفق

وتؤكد الدكتورة ثريا عبد الخالق، أستاذ الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن القرارات التي اتخذتها بعض الأنظمة العربية فيما يتعلق باحتواء غضب الجماهير، تعبِّر عن مدى ضيق نظر وضيق أفق هذه الأنظمة في تصور حجم المشكلات التي تعاني منها دولهم، وفي تصورهم لطبيعية التغيير التي تريدها شعوبهم؛ لأنه التغيير الذي يريده الشعوب ليس انخفاض ثمن رغيف الخبز أو إعطاء معونة للمواطنين؛ للتقليل من حالة الاحتقان والغضب، معتبرةً ذلك تصورًا معيبًا لطبيعة التغيير الاجتماعي.



وتوضح أن هذه الأنظمة تتوهم أن بهذه الإجراءات من الممكن أن تغمض الشعوب عيونها عن التغيير الشامل الذي يعيد الحياة مرةً أخرى للحياة السياسية ويُوفِّر العدالة والمساواة، ويهيئ الفرص للمشاركة في أمور مجتمعهم، والتي ظلَّت لسنواتٍ تحلم به.



وتشير إلى أن الأنظمة العربية التي استمر بقاؤها لسنوات طويلة وترتَّب على هذا البقاء تعاسة وتدهور أحوال شعوبها، لا يمكن أن تكون في لحظة كـ"ملائكة" تعي بمشكلات الجماهير وتحاول أن تعدل من خططها وتكون رحيمة بالبشر، ومن الذين يشعرون بالآلام الناس، مؤكدةً أن هذه النظم تحاول أن تبرئ عن نفسها خطر الثورة، والحل إذن هي أن تتغير تلك النظم.



وتوضح أنه قبل حادث تونس كان هناك الكثير من الأحداث اليومية تمرُّ على الزعماء العرب مرور الكرام، ولا تشعر عند حدوثها أن هناك خطرًا يداهمها، وتكررت مرارًا وتكرارًا مثل العشرات الذين حددوا مصيرهم النهائي أو الشنق أو الخنق أو الحرق نتيجة الجوع.



وتشير إلى أن الشعوب تعبِّر عن ما يدور بداخلها، وتعبِّر عن رغبة دفينة في التغيير، والخروج هو رد الفعل الطبيعي لبشر يريدون العيش بالشكل المناسب.



قرارات ضارة

ويؤكد أيمن السيد عبد الوهاب، رئيس برنامج دراسات المجتمع المدني بمركز (الأهرام) للدراسات السياسية والإستراتيجية ونائب رئيس تحرير التقرير الإستراتيجي العربي، أن هذه الإجراءات الاستثنائية غير المتوقعة من الحكومات العربية ربما تأتي في خلفها أحداث تونس، ولكن تحركات الحكومات العربية بشأن عملية الدعم ترتبط بقدر أكبر بفكرة الأوضاع متدهورة لهذه البلاد، وباللحظة الداخلية في كل بلد.



ويوضح أن الأنظمة ظلَّت لسنوات عديدة تأخذ قرارات وإجراءات غير صالحة لشرائح كبيرة من المجتمع، وهذه القرارات من شأنها أنها أضرَّت ضررًا بالغًا بقطاعٍ كبير، وكان لها تأثير واضح ساهم في عملية الركود السياسي، فضلاً عن عدم وجود مؤسسات اجتماعية قادرة على إدارة المجتمع، الأمر الذي ولَّد قدرًا من الثورة والغضب.



ويؤكد أن مسألة الدعم المطلق من الحكومات مسألة في غاية الصعوبة، خاصةً أن دور الدولة من الناحية الاقتصادية أقل، وأصبحت المسئولية الاجتماعية لرجال الأعمال ومسئولية المواطنة شارك فيها (القطاع الخاص، والأهلي، والحكومة)، ولهذا لا بد أن تكون هناك مسئوليات محددة من جانب القطاعات الثلاثة حتى يمكن الحديث عن التنمية، ويجب أن يكون دور الدولة واضحًا.



وفيما يتعلق بهذه القرارات هل ستكون ضمن أولويات القمة الاقتصادية المنعقدة حاليًّا بشرم الشيخ يوضح أن القمم لا بد أن يظهر أثرها بشكلٍ واضحٍ وصريح، والتعاون الاقتصادي العربي يحتاج إلى مجموعةٍ من الإجراءات، ونوع من الإرادة، بجانب إعادة النظر في السياسات الاقتصادية.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن