لخميس, 16-09-2010 - 11:41الأربعاء, 2010-09-15 16:38 | الدستور
* رأي ورؤى
يتفاوت العاشقون في درجة عشقهم لمصر؛ فمنهم من يكتفي بمشاهدة حسنها، ومنهم من يمر أمامها وهي في شرفتها فيلوح لها بيده، ومنهم المجازف الذي يهب نفسه ووقته لحمايتها وليصد عنها كيد الكائدين وفساد المفسدين، وقد يصل هذا النوع الأخير إلي درجة الجنون فيغني لها ويتغني بها ويضحي بنفسه وماله وحريته في سبيل إسعادها.. ومن هذا النوع الأخير عدد في بلدنا غير قليل، لا ييأسون أبداً من أن تعود إليهم معشوقتهم مصر جميلة كما هي وبهية كما كانت.. ومن هؤلاء عرفت «مجدي حسين» ذلك المجنون بحب الوطن المجازف بكل شيء في حب مصرفيتخلي حتي عن الحذر المقبول بين الناس ويسبق العاشقين دائماً في عشقها بخطوة، فإذا فكر الناس فهو ينطق، وإذا نطق الناس فهو يصرخ، وإذا صرخ الناس فهو يعبر الأرض والحدود إلي غزة ليحصل علي أول حكم بالحبس لعامين من محكمة عسكرية طبعاً وليضم هذا الحكم إلي رصيده الوطني باعتباره العقاب الفخري علي حب مصر والدفاع عنها وعن أمنها القومي!.. وكنت قد عرفت مجدي حسين في برلمان 1987، وجمع بيننا موقف واحد؛ ذلك أنه كان قد تم التصويت علي تجديد رئاسة الرئيس «محمد حسني مبارك» في البرلمان المصري لأول دورة تجديدية وأعلن الدكتور رفعت المحجوب نتيجة التصويت فكانت النتيجة موافقة المجلس كله عدا أربعة أعضاء فقط من بينهم مجدي حسين وكاتب هذا المقال، واكتفي الدكتور المحجوب بإعلان هذا الرقم دون تعليق ولكن نظراته إلينا كانت تقول لنا «عارفكم يا ولاد الإيه»..وكان هذا الموقف هو الموقف الذي اكتشفت من خلاله أن لمجدي حسين «أنشف» دماغ عرفها البشر ـ في الحق طبعاً ـ واستمرت متابعتي لهذا العملاق حتي كانت معركته مع وزير الزراعة حول السياسة الزراعية التي تتبعها مصر بما في ذلك من فساد وعلاقات بالعدو الصهيوني وإلغاء لقدرات مصر الزراعية وبالذات في زراعة القمح. والصحيح أن استجوابات مجدي حسين وغيره من الأعضاء حول السياسة الزراعية ومن قبله كان المرحوم «علوي حافظ» البرلماني الرائع الذي أعلن منذ عشرين عاما أن مصر ستعاني من الجوع بسبب السياسة الزراعية، وغير ذلك كثير من النواب، انتهت استجواباتهم إلي مقابر الفقراء؛ فقد قام البرلمان بدفنها حية لكن مجدي أصر علي مواصلة الطريق وعلي اتهام الوزارة والوزير علي صفحات جريدة الشعب..فكان لتلك التحقيقات الصحفية دوي أزعج الطغاة فتم إيداع مجدي في سجن مزرعة طرة وهو إيداع متكرر لمن كان مثله...ذلك أن حرص مجدي حسين علي الجهاد بالكلمة قد شرفه بأكثر من عقوبة حتي تكررت إقامته في سجن مزرعة طرة.. وهناك أيضاً التقيت بمجدي حسين...وكان ذلك في عام 2000 علي ما أذكر، ذلك أنه قد تم إيداع مجدي حسين في حجرة صغيرة في عنبر رقم 4 ومعه الأستاذ عصام حنفي والأستاذ صلاح بديوي الصحفيان وكان الإخوان المسلمون وقتئذ ودائماً يسكنون في عنبر 3 بمزرعة طرة حتي أصبح ذلك العنبر ملكاً لهم بمضي المدة، وكانت إدارة أمن الدولة تحول بين الإخوان وبين غيرهم من النزلاء.. حتي السياسيين منهم وذلك لمنع تبادل الأفكار أو علي الأقل لمنع انتقال عدوي «الأخونة».. ومع ذلك كنا نلتقي بمجدي من الشباك الخلفي لزنزانته رغم الرقابة المفروضة. والعجيب أنك إذا استمعت إلي مجدي حسين حتي وهو في داخل الزنزانة فإنك تتخيل أن خلاص مصر مما هي فيه من بلاء قد اقترب وأن النظم الشمولية تتهاوي وأن مصر سوف تستنشق عبير الحرية والديمقراطية في اليوم التالي لحديثك معه.. وقد تعيب علي نفسك إن حدثتك حديث اليأس من شروق الشمس..ولكن الأيام قد مرت وأظهرت الأحداث صدق ما كان يقول به علوي حافظ ومجدي حسين وإبراهيم شكري وكل المخلصين الذين دافعوا عن أمن مصر القومي الذي هدده الفساد فانكشفت جرائم الرشوة واكتشف الناس حجم الفساد ثم أكلوا من إنتاج السماد المسرطن حتي تفوقنا علي دول العالم كله في الإصابة بالسرطان.
وفي النهاية فإن من المهم أن نذكر أن مجدي حسين كان واحداً من رموز حزب العمل وجريدة الشعب الذين قادوا بدايات حركة الإصلاح والتغيير في مصر هو ومجموعة من الكتاب أذكر منهم أصحاب الدكتوراه مجدي قرقر، الشافعي بشير، ومحمد عباس، ونعمات فؤاد والأستاذ محفوظ عزام، وقاد تلك الكتيبة المجاهد إبراهيم شكري والدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين رحمهم الله جميعاً.. المهم أن الحكومة لم تجد خلاصاً من هذه المجموعة الوطنية إلا بغلق الحزب وغلق الجريدة..لكن الأيام قد أثبتت أن الحزب هو الذي أغلق الحكومة.. وإذ كنت أهدي هذا المقال إلي مجدي حسين في محبسه إلا أنني أهديه أيضاً إلي حركة التغيير والإصلاح الوطنية في مصر بكل جماعاتها.
وبهذه المناسبة أسوق لكم قصة حقيقية حدثت في أحد السجون المصرية وقت الصلاة.. ذلك أن الشاويش حينما رأي ازدحام المعتقلين علي دورة المياه وكذلك علي حنفية الوضوء صاح فيهم آمراً :
«بلاش غباوة..قسموا نفسكوا..اللي دخل الدورة يتوضي...و اللي اتوضي يدخل الدورة» !!
و عجبي
* رأي ورؤى
يتفاوت العاشقون في درجة عشقهم لمصر؛ فمنهم من يكتفي بمشاهدة حسنها، ومنهم من يمر أمامها وهي في شرفتها فيلوح لها بيده، ومنهم المجازف الذي يهب نفسه ووقته لحمايتها وليصد عنها كيد الكائدين وفساد المفسدين، وقد يصل هذا النوع الأخير إلي درجة الجنون فيغني لها ويتغني بها ويضحي بنفسه وماله وحريته في سبيل إسعادها.. ومن هذا النوع الأخير عدد في بلدنا غير قليل، لا ييأسون أبداً من أن تعود إليهم معشوقتهم مصر جميلة كما هي وبهية كما كانت.. ومن هؤلاء عرفت «مجدي حسين» ذلك المجنون بحب الوطن المجازف بكل شيء في حب مصرفيتخلي حتي عن الحذر المقبول بين الناس ويسبق العاشقين دائماً في عشقها بخطوة، فإذا فكر الناس فهو ينطق، وإذا نطق الناس فهو يصرخ، وإذا صرخ الناس فهو يعبر الأرض والحدود إلي غزة ليحصل علي أول حكم بالحبس لعامين من محكمة عسكرية طبعاً وليضم هذا الحكم إلي رصيده الوطني باعتباره العقاب الفخري علي حب مصر والدفاع عنها وعن أمنها القومي!.. وكنت قد عرفت مجدي حسين في برلمان 1987، وجمع بيننا موقف واحد؛ ذلك أنه كان قد تم التصويت علي تجديد رئاسة الرئيس «محمد حسني مبارك» في البرلمان المصري لأول دورة تجديدية وأعلن الدكتور رفعت المحجوب نتيجة التصويت فكانت النتيجة موافقة المجلس كله عدا أربعة أعضاء فقط من بينهم مجدي حسين وكاتب هذا المقال، واكتفي الدكتور المحجوب بإعلان هذا الرقم دون تعليق ولكن نظراته إلينا كانت تقول لنا «عارفكم يا ولاد الإيه»..وكان هذا الموقف هو الموقف الذي اكتشفت من خلاله أن لمجدي حسين «أنشف» دماغ عرفها البشر ـ في الحق طبعاً ـ واستمرت متابعتي لهذا العملاق حتي كانت معركته مع وزير الزراعة حول السياسة الزراعية التي تتبعها مصر بما في ذلك من فساد وعلاقات بالعدو الصهيوني وإلغاء لقدرات مصر الزراعية وبالذات في زراعة القمح. والصحيح أن استجوابات مجدي حسين وغيره من الأعضاء حول السياسة الزراعية ومن قبله كان المرحوم «علوي حافظ» البرلماني الرائع الذي أعلن منذ عشرين عاما أن مصر ستعاني من الجوع بسبب السياسة الزراعية، وغير ذلك كثير من النواب، انتهت استجواباتهم إلي مقابر الفقراء؛ فقد قام البرلمان بدفنها حية لكن مجدي أصر علي مواصلة الطريق وعلي اتهام الوزارة والوزير علي صفحات جريدة الشعب..فكان لتلك التحقيقات الصحفية دوي أزعج الطغاة فتم إيداع مجدي في سجن مزرعة طرة وهو إيداع متكرر لمن كان مثله...ذلك أن حرص مجدي حسين علي الجهاد بالكلمة قد شرفه بأكثر من عقوبة حتي تكررت إقامته في سجن مزرعة طرة.. وهناك أيضاً التقيت بمجدي حسين...وكان ذلك في عام 2000 علي ما أذكر، ذلك أنه قد تم إيداع مجدي حسين في حجرة صغيرة في عنبر رقم 4 ومعه الأستاذ عصام حنفي والأستاذ صلاح بديوي الصحفيان وكان الإخوان المسلمون وقتئذ ودائماً يسكنون في عنبر 3 بمزرعة طرة حتي أصبح ذلك العنبر ملكاً لهم بمضي المدة، وكانت إدارة أمن الدولة تحول بين الإخوان وبين غيرهم من النزلاء.. حتي السياسيين منهم وذلك لمنع تبادل الأفكار أو علي الأقل لمنع انتقال عدوي «الأخونة».. ومع ذلك كنا نلتقي بمجدي من الشباك الخلفي لزنزانته رغم الرقابة المفروضة. والعجيب أنك إذا استمعت إلي مجدي حسين حتي وهو في داخل الزنزانة فإنك تتخيل أن خلاص مصر مما هي فيه من بلاء قد اقترب وأن النظم الشمولية تتهاوي وأن مصر سوف تستنشق عبير الحرية والديمقراطية في اليوم التالي لحديثك معه.. وقد تعيب علي نفسك إن حدثتك حديث اليأس من شروق الشمس..ولكن الأيام قد مرت وأظهرت الأحداث صدق ما كان يقول به علوي حافظ ومجدي حسين وإبراهيم شكري وكل المخلصين الذين دافعوا عن أمن مصر القومي الذي هدده الفساد فانكشفت جرائم الرشوة واكتشف الناس حجم الفساد ثم أكلوا من إنتاج السماد المسرطن حتي تفوقنا علي دول العالم كله في الإصابة بالسرطان.
وفي النهاية فإن من المهم أن نذكر أن مجدي حسين كان واحداً من رموز حزب العمل وجريدة الشعب الذين قادوا بدايات حركة الإصلاح والتغيير في مصر هو ومجموعة من الكتاب أذكر منهم أصحاب الدكتوراه مجدي قرقر، الشافعي بشير، ومحمد عباس، ونعمات فؤاد والأستاذ محفوظ عزام، وقاد تلك الكتيبة المجاهد إبراهيم شكري والدكتور حلمي مراد والأستاذ عادل حسين رحمهم الله جميعاً.. المهم أن الحكومة لم تجد خلاصاً من هذه المجموعة الوطنية إلا بغلق الحزب وغلق الجريدة..لكن الأيام قد أثبتت أن الحزب هو الذي أغلق الحكومة.. وإذ كنت أهدي هذا المقال إلي مجدي حسين في محبسه إلا أنني أهديه أيضاً إلي حركة التغيير والإصلاح الوطنية في مصر بكل جماعاتها.
وبهذه المناسبة أسوق لكم قصة حقيقية حدثت في أحد السجون المصرية وقت الصلاة.. ذلك أن الشاويش حينما رأي ازدحام المعتقلين علي دورة المياه وكذلك علي حنفية الوضوء صاح فيهم آمراً :
«بلاش غباوة..قسموا نفسكوا..اللي دخل الدورة يتوضي...و اللي اتوضي يدخل الدورة» !!
و عجبي
0 التعليقات:
إرسال تعليق