27-07-2001
إصلاح الناظم السياسي أم إصلاح النظام الانتخابي؟.. سؤال مهم يصور علاقة الكل بالجزء.. وبالتالي فالارتباط بين كليهما ارتباطا قويا في ظل الملاحظات التي أثيرت عقب انتخابات مجلس الشعب2000 وانتخابات مجلس الشوري2001.. والتي دارت حول سيادة المال والعملية الانتخابية.. ضعف الأحزاب السياسية بما فيها الحزب الحاكم.. غياب البرامج الانتخابية.. غلبة الرؤية المحلية للمرشحين علي الرؤية القومية.. احتكار الحزب الوطني لأغلب مقاعد المجالس التشريعية دون وجود تنظيم حقيقي له يعكس هذه الأغلبية.. تك علي الوزراء داخل قاعة المجلس وأمام مكاتبهم للحصول علي توقيعاتهم لقضاء بعض المصالح المحلية والذي كان من نتائجه الأزمة الأخيرة التي ثارت بين الحكومة ومجلس الشعب عقب الاحتكاك والسباب المتبادل بين وزير الكهرباء وأحد نواب الحزب الوطني.
وتختلف نظم الانتخابات من دولة لأخري تبعا للظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومدي التقدم الحضاري والثقافي لشعوبها ومن هنا نشير إلي مايلي:* لايوجد نظام انتخابي خال من العيوب فلكل نظام مزاياه وعيوبه* نظام الانتخاب الملائم في فترة زمنية ما قد لايكون كذلك في فترة زمنية أخري* النظام الانتخابي المناسب للمجالس التشريعية قد لايكون مناسبا للمجالس المحلية نظرا لاختلاف المعايير المطلوبة في نواب المجالس التشريعية عن تلك المطلوبة في نواب المجالس المحلية* مطلوب أن نفكر لأنفسنا بأنفسنا في إبداع النظام الانتخابي الأنسب لنا ولكن في نفس الوقت يجب ألا تكون لدنيا الحساسية من الاستفادة من خبرة الاخرين إذا تطابقت بدرجة أو بأخري مع ماقد فكرنا فيهوفي هذا الإطار إذا حاولنا الربط بين الوضع السياسي الاجتماعي في مصر والمعايير المطلوبة في نواب المجالس التشريعية فإنه يمكننا أن نخلص من هذا الربط إلي النظام الانتخابي المناسب لمصر:* مصر دولة تعاني بدرجة كبيرة من نقص الخدمات وقصور البنية التحتية خاصة خارج القاهرة.. وبالتالي فإ كافة المحافظات وكذا العشوائيات في القاهرة والاسكندرية في أمس الحاجة لهذه الخدم* في نفس الوقت.. مصر دولة مركزية قوية.. وكل السلطات مركزة في يد الوزراء.. وأبواب الوزراء لاتفتح إلا للنواب.. وإن لم تفتح فهم يتكالبون علي الوزراء داخل قاعة المجلس.. والانتخابات الفردية هي الأقدر علي فرز هذا النوع من النوا* مصر دولة تواجه كثيرا من التحديات الداخلية والخارجية التي تستدعي وجود نواب لهم رؤية كلية قومية وهو مالا يتوافر غالبا في النواب الذين تفرزهم الانتخابات الفرديةكيف نحل هذه الاشكالية.. وهل من نظام انتخابي يحل هذه المعادلة الصعبةوهناك شكلان من اشكال الممارسة الديمقراطية: الانتخاب المباشر والانتخاب غير المباشر.. والانتخاب المباشر معمول به في انتخابات المجالس التشريعية والمحلية في مصر.. والانتخاب غير المباشر( علي درجتين أو أكثر) معمول به في بعض النقابات المهنية وبات الداخلية لبعض الأحزاب المصرية كما هومعمول به في انتخابات رئاسة الولايات المتحدة الامريكية( المجمع الانتخابيودون شك فإن الانتخاب المباشر هو الاكثر اتساقا مع الديمقراطية حيث يختار الناخب بإرادته الكاملة مرشحه دون أي وسيط مما يضاعف من اهتمامه بممارسة حقوقه السياسية والمشاركة في العملية الانتخابية.
ويتميز أسلوب الانتخابات بالنظام الفردي بمايلي:1ـ سهولته2ـ معرفة الناخبين للمرشحين بشكل شخصي في ظل الوضع القائم حاليا( نائبين في دائرة صغيرة نسبي3ـ معرفة المرشح بمشكلات وحاجات دائرته الانتخابية بدقة
في المقابل يعيب أسلوب الانتخاب بالنظام الفردي مايلي:1ـ ديكتاتورية الناخب حيث يقوم اختيار الناخب لمرشحه علي عوامل شخصية ومحلية وبالتالي يكون النائب خاضعا لرغبات ناخبيه حتي وإن تعارضت مع مصالح الأمة في مجموعها ويكون همه الأول تحقيق المصالح المحلية الضيقة لأهل دائرته حتي إن مجلس الشعب أصبح كمجمع كبير لممثلالمجالس المحلية.2ـ يصبح النائب وكيلا عن ناخبيه لقضاء مصالحهم أمام الوزراء وأجهزة الدولة مما يضعف من دوره الرقابي ودوره في ممارسة حق تقديم الاستجوابات وطلبات الإحاطة لهؤلاء الوزراء الذين أدوا هذه الخدمات له ولأهل دائرته3ـ ضعف الأحزاب كلها بمافيها الحزب الحاكم لحساب المستقلين الذين يفتقدون غالبا الرؤية السياسية الواضحة4ـ غياب البرامج الانتخابية وغلبة الرؤية المحلية للمرشحين علي الرؤية القومية5ـ سهولة التدخل المباشر للتأثير علي الانتخابات وتزييفها6ـ تكريس سطوة الأبنية والتركيبات التقليدية التي تنتخب علي أصول وقواعد الانتماء القبلي أو العشائري مما يعوق التنمية الديمقراطية.. حتي إنه من الشائع تقفيل بعض القري تصويتيا للمرشحين من أبنائها وهو مالايتحقق لمرشحي المدن علي سبيل المث7ـ يصعب تقسيم الدولة إلي دوائر انتخابية صغيرة ومتساوية مما يؤدي إلي عدم تساوي مايمثلهم كل نائب في البرلمان.. فضلا علي سهولة التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية وتمزيقها لصالح بعض المرشحين والاحز8ـ كما أن صغر حجم الدائرة يؤدي إلي سهولة تدخل رجال الاعمال وشراء الاصوات بالمال أو اغتصابها بالبلطجة( سطوة المال والبلطج9ـ إهدار الأصوات.. حيث يمكن لمرشح أن يفوز إذا حقق نسبة عدد خمسين في المائة من الاصوات إضافة إلي صوت واحد في مقابل إهدار أصوات المرشح المنافس إذا حصل علي نفس النسبة منقوصا منها صوت واحد وهو مالايحقق العدالة التي تنشدها العملية الانتخاب10ـ صعوبة تمثيل بعض الجماعات السياسية( الأقباط ـ المرأ
يتميز أسلوب الانتخاب بالقائمة النسبية بما يلي:1ـ مفاضلة الناخب في هذا الاسلوب علي أساس المبادئ والبرامج السياسية والحزبية وليس علي أساس الاعتبارات الشخصية مما يؤدي إلي الارتفاع بالوعي السياسي للشعب واهتمامه بالقضايا القومية مما يؤدي أيضا إلي تقوية الاحزاب السياسية الفاعلة في الساحة2ـ يقوي موقف النواب أمام الحكومة بما يمكنه من ممارسة دوره الرقابي ودوره في ممارسة حق تقديم الاستجوابات وطلبات الإحاطة للوزراء3ـ تحجيم التدخل في تزييف إرادة الناخبين أو التأثير عليها بالمال نتيجة لكبر الدوائر الانتخابية ونتيجة الاعتماد علي التمويل الحزبي وليس التمويل الفردي4ـ إضعاف تأثير الانتماء القبلي أو العشائري والذي يعوق التنمية الديمقراطية5ـ ضمان اكبر قدر من العدالة بعدم إهدار الأصوات حيث يتم توزيع المقاعد علي القوائم حسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها6ـ إعطاء فرصة أكبر لتمثيل بعض الجماعات السياسية التي يصعب تمثيلها في ظل الانتخاب بالنظام الفردي( الأقباط ـ المرأ
في المقابل يعيب أسلوب الانتخاب بالقائمة النسبية مايلي:1ـ تحكم الأحزاب في وضع القوائم الانتخابية وقد تسء استخدام سلطتها في الاختيار والذي تحاول الأحزاب التغلب عليه بعمل مجمع انتخابي للحزب داخل كل دائرة لاختيار, ممثلي الحزب في القائ2ـ احتمال خداع الجماهير بوضع بعض الرموز التي لها رصيد شعبي علي رأس القائمة ثم تكمله القوائم بشخصيات ذات امكانية متواضعة3ـ تضييع حق الناخب في الاختيار نتيجة عدم امكانية التعديل في القائمة بالاضافة أو الحذف أو إعادة الترتيب4ـ صعوبة مهمة الناخب في الاختيار نتيجة سعة الدائرة
نحو أسلوب انتخابي أنسب لمصر
يفترض لاختيار نظام انتخابي أنسب لمصر لانتخاب مجالسها التشريعية أن يحقق المعايير التالية:1ـ التوافق مع أوضاع مصر السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتي تعرضنا لها في صدر هذا المقال
2ـ تجاوز السلبيات والعيوب السابقة التي أشرنا إليها في كلا النظامين أو تحجيمها
3ـ علينا أن نسبع بأنفسنا وبتجرد وإخلاص النظام الانتخابي المناسب الذي لايستبعد أيا من التيارات السياسية الفاعلة ولايمكن أيا منها من الاحتكار وهو شئ ممكن إذا تجردنا وأخلصنا
مما سبق يمكن أن نخلص إلي أحد نظامين يحققان المعايير السابقة:
1ـ النظام المختلط المعمول به في المانيا وهو يجمع بين النظامين الفردي والقائمة بحيث يحدد لكل منهما خمسين في المائة من المقاعد مما يضعف من إمكانية الطعن في عدم الدستورية كما حدث في حالة القائمة النسبية المشروطة وبما يؤدي إلي نجاح كلا النائبين: النائبدمي والنائب الذي لديه القدرة علي التشريع والاهتمام بالقضايا القومية الكلية, أوبمعني آخر النائب المهتم بهموم دائرته الصغيرة وذلك المهتم بهموم مصر كلها
2ـ نظام القائمة النسبية غير المشروطة بأي شرط( الانتماء الحزبي ـ تحقيق نسبة معينة علي مستوي الجمهورية ـ أن تكون القائمة مقفولة. بها كل العدد المطلوب انتخابه للدائرة... الخ) بما يسمح للمستقلين أن يخوضوا الانتخابات بقائمة أو أكثرخاصة بهم و فقط وبما يسمح لمجموعة من الأحزاب المتقاربة في الرؤي بأن تشارك في قائمة واحدة وبما يسمح بالمشاركة بعدد معين من الدوائر دون الالتزام بالمشاركة في كل دوائر الجمهورية طالما أن نظام الانتخاب لايشترط نسبة معينة علي مستوي الجمهورية.نعود فنؤكد إصلاح النظام الانتخابي وحده لن يكفي طالما لم يتحقق إصلاح النظام السياسي الذي يكفل حياة حرة كريمة وديمقراطية حقيقية كاملة غير منقوصة..
1 التعليقات:
بصراحه المدونه رائعه وكانها توثيق تاريخ حزب العمل فى ظل الهجمه على كل ما هو اسلامى
إرسال تعليق