4/01/2010

ثقافة المقاطعة ضرورة عملية وواجب شرعي في مواجهة التطبيع


دكتور مجدي قرقر*

qorqor53@hotmail.com

الثقافة بمعناها الأوسع هي " مجموع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية الخاصة، التي تميز مجتمعاً بعينه أو فئة اجتماعية بعينها وهي تشمل الفنون والآداب وطرائق الحياة والإنتاج الاقتصادي، كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات " [1]

ومن هنا فإن ثقافة المقاطعة هي أن يتأكد في وجداننا ومداركنا وممارستنا من نقاطع ولماذا نقاطعه وكيف نقاطعه وما هي حدود مقاطعته وتوقيتها وكيف ننقل هذا إلى الآخرين وكيف نشاركهم في هذا الفعل الذي جمع بيننا؟ .. ثقافة المقاطعة كفكر وسبوك وقيم وعادات تنعكس في مأكلنا وفي ملبسنا وفيما نقرأ وفيما نشاهد ونسمع.

ثقافة المقاطعة كثقافة للمقاومة

تواجه أمتنا العربية والإسلامية هجمة غربية شرسة من الحلف الصهيوني الأمريكي تستهدف شعوبها وخيراتها وهويتـها بل وتستهدف بقاءها ذاته على وجه البسيطة .. وفي مواجهة هذه الهجمة يبرز نهجان: نهج الاستسلام ونهج المقاومة .. ويظن أصحاب النهج المستسلم أنهم بهذا ينجون بأنفسهم وربما بأوطانهم رغم أنهم لا يضمنون النجاة بأنفسهم فما بالنا بالأوطان؟!!! .. وهم يتناسون عن عمد أو عن غفلة أن الحلف الصهيوني الأمريكي لو تمكن منا فإنه لن يرضى إلا بتقسيم أمتنا وشرذمتها وتقطيع أوصالها .. ثم إنه لن يرضى إلا أن نكون عبيدا على أرضنا نعمل لخيره باستنزاف خيرات أوطاننا لصالحه .. فهل تكون هذه حياة؟!!! .. وهل تكون هذه نجاة؟!!! .. ألا بئست الحياة والنجاة التي ينشدونها (ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ) [2] .. ( لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق ) [3] .. نهجان : نهج التطبيع ونهج المقاومة والمقاطعة .. فماذا نختار منهما؟!! .. ليس أمامنا إلا نهج المقاومة التي نستلهمها من ثقافتنا المقاومة في تاريخنا القريب والبعيد والتي حمت الأمة في مواجهة الكثير من الهجمات التي استهدفتها .. وفي هذه اللحظات المصيرية الحرجة علينا أن نتشبث بجذورنا التي تحمينا من الاقتلاع وقت الحاجة للثبات في معركة البقاء.

لقد تداعت ثقافة المقاومة وسطع نورها بقوة في انتفاضة شعبنا المباركة في فلسطين السليبة وفي صموده المستميت للبقاء وتجاوز ذلك بالتنكيل بالعدو الصهيوني وتهديد مصالحه وإرغام البعض منهم على الفرار من تلك الأرض التي اغتصبوها .. ومن هنا قلت الحاجة إلى استدعاء جذورنا التاريخية بعد أن استدعاها إخواننا المجاهدين وأصبحت المقاومة واقعا معاشا تضاءلت أمامه السير والملاحم وأخرجت معنى البطولة من بطون الكتب وحررته من أصفاد التاريخ حتى صار واقعا يمشي بيننا.

ولكن ماذا عن الشعوب العربية والإسلامية؟!!! .. ماذا لو تمكن الحلف الصهيوني الأمريكي من العراق الشقيق ومن بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية التي بثت حضارتها إلى العالم ما يربو على الخمسة قرون؟!!! .. تبحث الشعوب عن منفذ هنا أو هناك .. تبحث عن ثغرة في هذا الاتجاه أو ذاك .. ومن خلال هذه المنافذ والثغرات وثقوب الأبواب الموصدة تبرز بعض أشكال المقاومة وفي المقدمة منها يبرز سلاح المقاطعة كسلاح هام من أسلحة المقاومة والصمود في معركة البقاء التي أشرنا إليها .. إن كل قرش تُشترى به بضائع الأمريكان والصهاينة يتحول إلى رصاص يُقتل به الفلسطينيون .. يقول الدكتور يوسف القرضاوي لقد قلنا للحكام "اقطعوا العلاقات".. فلا يصغون إلينا، لذا فنحن نتوجه للشعوب لكي يقاطعوا المنتجات الأمريكية والصهيونية لأننا نستطيع أن نقاوم عبر المقاطعة الاقتصادية [4].

يقول البروفيسور روبرت جنسن وهو أستاذ في جامعة تكساس الأمريكية [5]: "أنا ساعدت في قتل فلسطيني اليوم وإذا كنت تدفع ضرائب للحكومة الأمريكية فأنت فعلت الشيء نفسه وإذا لم تغير أمريكا من سياستها فإن الغد لن يختلف عن اليوم" ثم يتحدث عن حجم المساعدات المالية التي تقدمها أمريكا لإسرائيل فيقول: "التقرير الذي أصدره معهد الدراسات الجنوبية يشير إلى أن الحكومة الأمريكية ضخت في السنة التي تلت اتفاقية سلام شرم الشيخ في سبتمبر 1999م ما قيمته 3.6 مليارات دولار من الأسلحة الأمريكية لإسرائيل" ويمضي في الحديث عن المساعدات المالية والعسكرية التي تقدمها أمريكا لإسرائيل فيقول: "علينا أن نتذكر أن هذه الدبابات (التي تقتل الفلسطينيين) صنعت في أمريكا واشترتها إسرائيل بأموال المساعدات الأمريكية، المقاتلات الإسرائيلية وطائرات الهيلوكبتر وطائرات إف 16 والصقور السوداء والأباتشي والبنادق الآلية وقاذفات الصواريخ والقنابل كلها أيضاً صناعة أمريكة دفعت قيمتها من ضرائبنا ويتم استخدامها لسحق المواطنين الفلسطينيين".

لقد أفتى العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ بمقاطعة التتار وعدم بيع الأسلحة لهم أو بيع ما يعينهم على قتال المسلمين وهكذا فعل صلاح الدين الأيوبي قبل موقعة حطين عندما أراد أن يوحد المجتمع المسلم ضد الصليبيين الغزاة فأصدر أوامر واضحة بعدم التعامل التجاري مع الصليبيين خاصة في مجال الأسلحة لعظم تأثيرها في المعركة.

إن الغربيين ـ يا عرب ـ يقاطعون بعض منتجات بلادهم إذا ارتفعت أسعارها للضغط على التجار لتخفيض الأسعار ويفعلون ذلك بانضباط شديد أفلا نفعل ذلك ضد من يساهم في قتل إخواننا اليوم وقد يقتلنا في الغد؟ ثم إن الأمريكان يبذلون جهوداً هائلة لمقاطعتنا… ألا ترونهم يضغطون على روسيا والصين لعدم بيع إيران أسلحة متطورة؟ ألا ترونهم يقتلون العراقيين لأنهم ـ كما يقولون يطورون أسلحة محظورة في عرف الأمريكان. محظورة على المسلمين فقط ومسموح بها لليهود وأعوانهم. أيحق لهم أن يفعلوا بنا كل هذا ولا يحق لنا أن نقاطع بضائعهم دفاعاً عن أنفسنا… نظرة عن الواقع المؤلم للأمة الإسلامية تجعل الفتاوى التي تضج منها السماء تختفي من مجتمعنا فهل نفعل؟ [6]

لقد بات معروفاً في ألف باء السياسة أن المصالح هي التي تحكم علاقات الدول فيما بينها .. ومن هذا المنطلق علينا أن نقرأ مواقف أمريكا تجاه قضايانا المصيرية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والقضية العراقية والسودانية - وفي ظل انتفاضة الأقصى الشريف، بمقولة أخرى علينا أن نتساءل ماذا تريد أمريكا منا نحن العرب؟! وماذا نريد نحن منها؟! وما هي المصالح المتبادلة التي بمقدورها - ودون المساس بالثوابت الوطنية والقومية- أن تجعل منا كعرب طرفاً ندياً لأمريكا؟! [7]

للإجابة على سؤال كهذا، جدير بنا أن نشخّص مكامن قوتنا، ومكامن قوة أمريكا باعتبارها المتحكمة بالنفوذ العالمي، والراعي الأول لأمن الكيان الصهيوني، لدينا موارد اقتصادية هائلة وعلى رأسها النفط -، ولدينا أيضاً سوق تجارية شديدة الاتساع، ولدينا مواقع جغرافية شديدة الغنى والحيوية، ولدينا ثقافة تشكل قلب الشرق وروحه.

ولدى أمريكا ما لديها من مواطن القوة والنفوذ، إذن، نحن لنا مصالح وأهداف من وراء العلاقات الندية والمتكافئة مع أمريكا، كما أن لأمريكا الكثير من المصالح والأهداف في بلادنا، هذا أمر يجب أن نسلم به وألا نتجاهله، فأمريكا لن تقف معنا لأننا أصحاب حق وحسب، وإنما ستقف معنا حين تتهدد مصالحها في بلادنا.

ثقافة المقاطعة محور مهم من ثقافة المقاومة .. وثقافة المقاومة يجب أن تسبق قرار المواجهة.

المقاطعة ضرورة عملية في مواجهة التطبيع

الإجابة ببساطة لأن العدو تبنى خيار التطبيع معنا بما يخدم مصالحه منذ كامب ديفيد 1977 ولا يمكن رفض هذا التطبيع إلا بالمقاطعة .. ثم إن الحاجة إلى المقاطعة زادت ووسعت دائرتها بازدياد الهجمة الغربية الشرسة التي يشنها الحلف الصهيوني الأمريكي على أمتنا العربية والإسلامية .. ولكن دعونا أولا نضع أيدينا على المخاطر التي تهددنا من التطبيع حتى نستطيع أن نحدد التحديات التي تواجهنا وبالتالي يمكننا تحديد أهداف المقاطعة وغاياتها وإجراءاتها بالتبعية.

يمكن إجمال مخاطر التطبيع فيما يلي [8]:

أ - الآثار السياسية:

1) الاعتراف بحق اليهود في الوجود ضمن دولة مستقلة وحدود آمنة على جزء من أقدس بقاع المسلمين

2) منع أية مطالب جادة بتحرير الأرض المحتلة وضرب أية محاولة جادة لاسترجاعها واتهامها بأنها عثرة في طريق السلام.

3) إبقاء المنطقة العربية تحت النفوذ الأجنبي وبقاء الوطن العربي مجزءا ومفرقاً (حيث يفصل الصهاينة آسيا عن أفريقيا).

4) شغل العرب عن إسرائيل في حروب إقليمية وطائفية وقومية.

5) فتح المجال لليهود في البلاد العربية لأداء الأدوار التجسس وبذر الفتن وإثارة القلاقل فيها.

6) اكتساب اليهود فعلياً لشرعية الوجود وشرعية الكيان المستقل – عربياً ودولياً.

7) الانفتاح الدولي عليهم وإقامة العلاقات سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإقرار القبول الدولي لهم.

8) تيسير سبل الحياة والبقاء والازدهار لهذا الكيان المغتصب (الاستقرار السياسي).

9) ضرب التيارات الإسلامية والوطنية والقومية ورموزها لما لها من دور جادٍّ وصادق في توعية الجماهير بخطورة التصالح الاستسلامي مع الصهاينة.

ب - الآثار الاقتصادية:

1) إلغاء المقاطعة الاقتصادية العربية وجعل البلاد العربية سوقاً للمنتجات "الإسرائيلية" التي بلغت خسائرها 100 مليار دولار حتى نهاية عام 2001م.

2) توفير سبل الاستقرار والحياة والنماء والازدهار للاقتصاد الصهيوني.

3) تقوية الوضع الاقتصادي "الإسرائيلي" بتعامل جميع شركات العالم معه وحصوله على المواد الخام من البلدان العربية القريبة وإعادة تصديرها مصنعة إليهم.

4) استثمار الطاقة النفطية العربية.

5) ترويج الأسلحة "الإسرائيلية" في البلدان العربية.

6) استثمار الثروة المائية العربية.

7) استغلال الأيدي العاملة العربية الرخيصة.

8) التغلغل الاقتصادي في العالم العربي وتحطيم وتخريب اقتصادياته.

9) إقامة شركات ومشاريع اقتصادية وسياحية مشتركة وضرب الاقتصاد الوطني والإسلامي.

ج - الآثار الثقافية:

1) محاربة القرآن الكريم بحذف ومنع تلاوة آياته الخاصة بالجهاد والخاصة باليهود من خلال تفريغ المناهج التعليمية والمنابر حتى لا يوجد أي جو عدائي لليهود.

2) منع الكتب التي تفضح اليهود وحقائقهم وتوجهاتهم ولا يعود هناك ذكر للقضية الفلسطينية لأنه أصبح هناك "إسرائيل الصديقة الشقيقة".

3) اعتبار كل مفكري العرب والمسلمين الصادقين دعاة إرهاب ومجرمي حرب ومثيري فتنة ، ومحاربة الفكر الإسلامي ودعاته ومصادرة كتبهم ومقالاتهم.

4) تشجيع الكتّاب والمؤلفين الخونة ليظهروا على الساحة ويفسدوا عقول الناس بكل غث وتافه ومزوّر وليبرروا الخيانة والتبعية للغرب.

5) سوف نكون في نظر أبنائنا وأحفادنا -إذا تعلموا ذلك- مجرمين وقتلة وإرهابيين لأننا اعتدينا على شعب مسكين عاد إلى أرضه وأخذ حقه.

6) اختراق جدران المؤسسات الإعلامية والثقافية باسم فلسفة التدفق الحر والعولمة الثقافية من خلال إجراء المقابلات والتحليلات الإخبارية بكافة أطيافها لرواد التطبيع بل والصهاينة ونشر المصنفات الفنية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية

د - الآثار الاجتماعية:

1) فتح مجالات الهجرة بشكلها الواسع للصهاينة للقدوم إلى أرضنا المحتلة والاستقرار بها وتغيير أنماط الحياة الاجتماعية.

2) نشر قيم الفساد والفحش في أمتنا العربية والإسلامية لتتحطم القيم والأخلاق والمشاعر الخيرة في النفوس.

3) ظهور كثير من المشاكل الاجتماعية الغربية وانتشارها في مجتمعاتنا كالتفكك الأسري وحوادث السرقة والاغتصاب وانتشار أمراض الحضارة الغربية من قلق وانتحار وعبادة المصلحة والمادة وانتشار الأمراض الصحية كالإيدز وغيرها.

هـ - الآثار العسكرية:

1) قتل روح الجهاد في الأمة وتدمير الروح المعنوية في النفوس،وتحطيم الأمل بإمكانية النصر على الصهاينة والرضا بالأمر الواقع ، ومحاربة العمليات الاستشهادية.

2) توجيه عملية الصراع إلى صراع إقليمي بين الدول العربية أو صراع طائفي داخلها .. أو صراع قومي بين القوميات الموجودة في العالم العربي والإسلامي.

3) فرصة ذهبية لليهود للإعداد لجولات قادمة من الاحتلال العسكري والهيمنة والتوسع لتحقيق حلم "إسرائيل الكبرى".

إن التطبيع مع هذا العدو الصهيوني الغاصب والعنصري أو التعايش معه فيه القضاء على قدراتنا السياسية والعسكرية والاقتصادية كما أنه مقبرة لهويتنا وقيمنا الثقافية والاجتماعية.

المقاطعة واجب شرعي في مواجهة التطبيع

تفاعل العلماء مع قضية المقاطعة كضرورة لمواجهة التطبيع مع العدو الصهيوني والأمريكي .. وتجاوزت فتاوى العلماء العشرات إن لم تتجاوز المائة فتوى في هذا الخصوص .. ولقد أكد الدكتور يوسف القرضاوي على ضرورة استمرار المقاطعة وعدم التهاون أو التسـاهل في أمرها لأنها فرض على الأمة في حين طالب الدكتور "محمد سعيد رمضان البوطي" الأستاذ بجامعة دمشق.. الحكومة المصرية بطرد السفير الإسرائيلي باعتبارها أرض الكنانة والأزهر، داعيا إلى قطع كافة العلاقات مع أمريكا وإسرائيل باعتباره واجبا شرعيا في ظل الظروف الراهنة .. أي أن المقاطعة في تقدير علماء الإسلام تتراوح بين الفرض والواجب [9].

يستهل العلامة الشيخ المجاهد حمود بن عقلاء الشعيبي رحمه الله تعالى في فتواه حول المقاطعة [10] بقول الله تعالى في وصف رسوله الكريم وصحابته ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار ) [11] وقوله تعالى في وصف المؤمنين ( .. أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ) [12] ثم قوله تعالى في مجاهدة الكفار (وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ) [13] .. وقوله تعالى في ثواب ذلك ( ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدوا نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح ..) [14] .. ويتطرق الشيخ الشعيبي إلى أن كل عصر وزمان له أسلحته الجهادية والحربية المستخدمة ضد الأعداء .. ومن الأساليب الجهادية التي استخدمها الرسول صلى الله عليه وسلم مع الأعداء بهدف إضعافهم أسلوب الحصار الاقتصادي وهو ما يسمى اليوم بالمقاطعة الاقتصادية ، ومن الأمثلة على أسلوب حصار النبي عليه الصلاة والسلام الاقتصادي ما يلي:

1) طلائع حركة الجهاد الأولى في سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته الأولى استهدفت تهديد طريق تجارة قريش إلى الشام شمالا و إلى اليمن جنوبا ، وهي ضربة خطيرة لاقتصاد مكة التجاري قُصد منه إضعافها اقتصاديا.

2) حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير عندما نقضوا العهد وقطع نخيلهم وحرقه فكانت المحاصرة وإتلاف مزارعهم ونخيلهم التي هي عصب قوة اقتصادهم مـن أعظم وسائل الضغط عليهم وهزيمتهم وإجلائهم من المدينة.

3) حاصر الرسول صلى الله عليه وسلم الطائف بعد فتح مكة وأمر بقطع أعناب ثقيف وتحريقها فوقع المسلمون فيها يقطعون قطعا ذريعا ، قال ابن القيم في فوائد ذلك : وفيه جواز قطع شجر الكفار إذا كان ذلك يضعفهم ويغيظهم وهو أنكى فيهم .

4) عندما أسلم الصحابي ثمامة بن أثال الحنفي رضي الله عنه قدم مكة معتمرا قبل فتحها وبعد عمرته أعلن المقاطعة الاقتصادية لقريش قائلا : لا والله لا تأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وكانت اليمامة ريف مكة ) ثم خرج إلى اليمامة فمنع قومه أن يحملوا إلى مكة شيئا حتى جهدت قريش ، وقد أقـره الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه المقاطعة الاقتصادية وهي من مناقبه رضي الله عنه

وهذه الحوادث و أمثالها تشريع من الرسول صلى الله عليه وسلم لأصل من الأصول الجهادية في مجاهدة الكفار في كل زمان ومكان.

وهذا الأمر اليوم في مقدور الشعوب الإسلامية أن يجاهدوا به ، قال تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) [15] وهو من الجهاد الشعبي النافع المثمر حينما تخلى غيرهم عن مجاهدة الكفار .. ولذا فإننا نحث إخواننا المسلمين إلى جهاد الأمريكان والبريطانيين واليهود واستخدام سلاح المقاطعة الاقتصادية المضعفة لاقتصادهم .

وإذا كانت الشعوب الإسلامية ليس لديها قوة في الجهاد المسلح ضدهم فليس أقل من المقاطعة الاقتصادية ضدهم وضد شركاتهم وبضائعهم ، قال عليه الصلاة والسلام ( جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم ) [16]

كما أحث إخواننا المسلمين إلى المثابرة في هذا الجهاد والمصابرة قال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا و صابروا ورابطوا ) [17] وأن لا يملوا أو يتكاسلوا فإن النصر مع الصبر ، وأن يجتهدوا في مقاطعة الشركات والبضائع الأمريكية والبريطانية واليهودية مقاطعة صارمة وقوية وشاملة ، قال تعالى ( وتعاونوا على البر والتقوى ) [18] وقال صلى الله عليه وسلم : ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ) [19].

وقد لمسنا ولله الحمد فيما سبق وفيما تناقلته وسائل الإعلام أثر المقاطعة الشعبية السابقة على الاقتصاد الأمريكي والبريطاني واليهودي .

وقد انتشر في الأيام الماضية قائمة ولائحة تحوي مئات المنتجات للشركات الأمريكية والبريطانية واليهودية ، فنحث إخواننا على التجاوب والتضامن مع هذه القائمة.

وأمريكا وبريطانيا وراء محاربة الجهاد في كل مكان وهم وراء دعم الصهاينة في فلسطين وغيرها ، وهم وراء دعم أي توجه لإضعاف الجهاد الإسلامي و إضعاف المسلمين ، ووراء محاصرة شعب العراق المسلم وشن الغارات اليومية عليه منذ عشر سنين ظلما وعدوانا ;وفي بيان آخر للشيخ الشعيبي وغيره من أهل العلم في الحث على مقاطعة منتجات أعداء الإسلام كأمريكا وبريطانيا وغيرهما من دول الكفر المحاربة [20] أشاروا إلى أنه كما أن بذل المال للمجاهدين جهاد فإن منعه عن الكفار إذا تقوّوا به في حربهم على المسلمين جهاد أيضاً ، بل هو مؤكد عن الأول لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وهذا النوع من الجهاد عمل به النبي صلى الله عليه وسلم .. وقد علم المسلمون في هذا الوقت مـدى عداوة أمريكا وبريطانيا وغيرهما للإسلام وأهله ، وأنها أعلنت الحرب الصليبية علينا ، فقتلت قسماً كبيراً من المسلمين ، وظاهرت على قتل آخرين ، وشردت أقواماً ، وحاصرت آخرين .. فإن احتج محتج بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقاطع اليهود الذين كانوا في المدينة فهذا كان في أول الأمر حين كانوا مسالمين لأنهم لم تظهر لهم نوايا ضد الإسلام والمسلمين ، فلما ظهرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نواياهم وخاف من شرهم وضررهم وقد نقضوا عهودهم قاطعهم وحاصر قراهم ، حتى تم هزيمتهم وإجلائهم من المدينة , وكذلك فعل صلى الله عليه وسلم مع بني قريظة لما علم خيانتهم مع الأحزاب .

ثم إن قياس حالة الأمريكان واليهود والنصارى وشركاتهم في وقتنا الحاضر على يهود المدينة الذين هم قلة بالنسبة للمسلمين ، مع أنهم لم يعلنوا الحرب قياس فاسد ، لأن الأمريكان واليهود وشركاتهم لا يفتئون يشنون الحروب على الشعوب المسلمة ، ويدعمون أعداء الإسلام في حروبهم ضد المجاهدين.

ومن المعلوم لدى الجميع أن قوام قوات أمريكا الصليبية وغيرها من دول الكفر يعتمد على اقتصادها ، ومتى ضعف اقتصادها ضعفت قوتها ، لذلك نحث جميع المسلمين على المقاطعة الشاملة لجميع المنتجات الأمريكية والبريطانية وغيرهما من دول الكفر المحاربة للمسلمين ، والبدائل عنها بحمد الله موجودة ، وفي هذا إسهام من المسلمين في جهاد أعداء الله وإضعاف لهذه الحملة الصليبية ومناصرة لإخوانهم المجاهدين .. فعلى المسلمين أن يبادروا في تجديد هذه الدعوة ، والتطبيق للمقاطعة الشاملة لهذا العدو الذي يتربص بالمسلمين الدوائر.

ويبدأ فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة فتواه [21] بأنه نجاح غير عادي أن يدرك حلفاء اليهود أن دعمهم للكيان الصهيوني يكلفهم الكثير وأن صبر العرب والمسلمين إزاء انحيازهم المكشوف لليهود آخذ في النفاد .. إن أبرز مأخذ على هذه الأمة - في هذا الظرف - هي كثرتها العددية وقلة فاعليتها وحتى هذه يمكن استثمارها وتوظيفها في الأدوار السهلة - التي تحتاج إلى أعداد كبيرة - ولا تتطلب جهدا متميزا ولا وقتا طويلا .. وعملية الهجوم على المواقع اليهودية في الإنترنت وتدميرها نموذج لمثل هذا الاستثمار .. كما أن المقاطعة للبضائع اليهودية والأمريكية هي نموذج آخر .

إن سلاح المقاطعة الاقتصادية من الأسلحة الفعالة والمستخدمة منذ عصر حصار " شعب مكة " إلى العصر الحديث "حيث تتعاظم قيمة الاقتصاد .

ولذلك استماتت الولايات المتحدة في تدمير المقاطعة العربية والإسلامية للشركات والبضائع اليهودية "وللشركات المتعاملة مع اليهود .

وبالفعل فقد تهتكت المقاطعة الرسمية وصارت أثرا بعد عين ويبدو أنه من المستبعد حدوث مقاطعة رسمية شبيهة في ظل العولمة الاقتصادية التي تسعى إلى محو الحدود التجارية بين الدول بما لا يسمح لأي دولة أن تتصرف وفق مصالحها الوطنية والقومية .. لكن الشيء الذي يمكن أن يحدث هو المقاطعة الشعبية حين ترتفع وتيرة الوعي لدى الشعوب المسلمة بحيث يختار المشتري البضائع والسلع والشركات العربية والإسلامية أو حتى أيّ بضاعة أخرى ليست أمريكية ولا إسرائيلية (صهيونية ) .

ولا أحد يستطيع أن يجبر المواطن العادي على شراء سلعة بعينها أو التعاون مع شركة بعينها أو عرض منتجات هذا المصنع أو ذاك .

وهذا ما فعله غاندي (1869-1948) بمقاومته السلبية ومقاطعته للعادات والمنتجات الأوربية وحمله الهنود على هذا الأسلوب رغم تخلفهم وعدم وجود قرار يدعمهم .. حتى آتت تلك الجهود أكلها وأعلنت بريطانيا سحب آخر جندي إنجليزي من الهند سنة 1947م .

فلماذا يتردد المسلمون في استخدام سلاح المقاطعة السلبية ليؤدي بعض النتائج أو ليشعر المسلم على الأقل بأن ثمة دورا ولو محدودا يستطيع أن يقوم به ؟ .. إنه جزء من الإنكار القلبي أو العملي السهل الذي لا يخسر فيه المرء أكثر من أن يختار بضاعة عربية أو إسلامية أو يابانية أو حتى أوربية عند الحاجة وربما تكون بالميزات نفسها وبالسعر نفسه.

يجب أن نضع المسلم العادي أمام مسئوليته المتواضعة "ونساعده على أدائها ونهتف بصدق للنجاح الذي يحققه ومن هذا الإنجاز الفردي القليل سيحفر نهر التحرير مجراه وتتحرك دوافع الإيجابية والمشاركة في ضمير الأمة وبهذا تتحول ( الصيحات الغامضة ) إلى برنامج علمي واقعي معـقول .. فهل بدأنا؟ .. أشك "وأتمنى .

وفي ظل تصاعد المجازر الصهيونية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، والتبني الأمريكي المطلق لإسرائيل في حربها على العرب والمسلمين بعد اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة أصدر سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله نداء إلى المسلمين في العالم في الثاني من رمضان 1421هـ الموافق 28-11-2000م أفتى فيه بوجوب مقاطعة البضائع الصهيونية بالمطلق، ومقاطعة كل المحلات والشركات التجارية التي تساعد الكيان الصهيوني بالدعم المادي في العالم كله، بالإضافة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية ما أمكن ذلك.. وحثّ سماحته في النداء العرب والمسلمين على الضغط على حكوماتهم للامتناع عن وضع أرصدتها في المصارف الأمريكية.. ولا يزال سماحته يؤكد على سريان هذه الفتوى حيث مازالت أمريكا وإسرائيل تمارسان هذه السياسة ضد شعوبنا العربية والإسلامية لا سيما الشعب الفلسطيني .. وختم النداء: أيها المسلمون، تذكّروا قول الله تعالى: ( وإن هذه أمتكم أمة واحدة ) [22] ، وقوله تعالى ( إنما المؤمنون أخوة ) [23] ، والحديث النبوي الشريف: ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله ).. إن الله تعالى يريد لكم العزة والكرامة والقوة والحرية، ولن يتحقق ذلك إلا بالموقف القوي الحرّ الذي يؤكد وحدة الأمة وفاعليتها في كل قضاياها الكبيرة، بالجهاد بالنفس وبالمال وبالسياسة والأمن.

ويحكم هذه القضية فتوى الأزهر الشريف:

"إن الصلح مع إسرائيل لا يجوز شرعاً ولا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم بل يجب على المسلمين أن يتعاونوا جميعاً على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها …" ومن قصّر في ذلك أو فرّط فيه أو خذّل المسلمين عن الجهاد أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار من تنفيذ مخططهم ضد العرب والإسلام وضد فلسطين فهو –في حكم الإسلام- مفارق لجماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام".

تحديات تواجه الأمة نتيجة للتطبيع مع العدو الصهيوني

بناء على ما سبق فإن التطبيع مع الكيان الصهيوني إضافة إلى الهجمة الغربية الشرسة التي يشنها الحلف الصهيوني الأمريكي على أمتنا العربية والإسلامية تضع أمامنا العديد من التحديات .. ونجتزئ هنا بعضا من هذه التحديات التي تتعلق بموضوعنا قيد البحث [25] والتي تؤدي حال التقاعس عن مواجهتها إلى فرض الهيمنة الصهيونية على المنطقة العربية من خلال :‏

‌أ) تعزيز القدرة العسكرية الصهيونية - تسليحاً وتصنيعاً للأسلحة وتطويراً علمياً وامتلاكاً للتقنية بكل أنواعها - في جميع المجالات الفضائية والجوية والنووية والبرّية والبحرية؛ وإضعاف قوة العرب وقدراتهم في تلك المجالات، وإبقاؤهم في حالتي عجز وتبعية، ومحاصرتهم، ومنع بيع أية أسلحة لهم حتى التقليدية منها - إلا في حالات ضمان كونها: لاستنزاف الثروة وليس لتحقيق أي حسم أو أي نصر في المعارك، أو لمحاربة بعضهم بعضاً. وكذلك منع حصولهم أو امتلاكهم لأية أسلحة متطورة أو تقنيَة قادرة على إنتاج ذلك النـوع من الأسلحة0‏

‌ب) رفع المقاطعة العربية عن الكيان الصهيوني وجعل عمقها الاستراتيجي اقتصادياً يمتد ليشمل الوطن العربي كله، واتخاذ أصحاب اتفاقيات : كامب ديفد وأوسلو القاهرة، ووادي عربة جسوراً للامتداد في العمق العربي بصفة وكلاء ووسطاء يخدمون من يحركهم في تلك الاتجاهات إلى أن يأتي وقت الاستغناء النهائي عن خدماتهم والتوجه نحو سياسة ترمي إلى أن يصبح الكيان الصهيوني مفتاح الازدهار الاقتصادي أو الكساد الاقتصادي، من خلال وقوف الغرب والدول الصناعية إلى جانبه، وتواطئه مع الفئات العربية المنتفعة ببيع الوطن والقضايا الكبرى، لقاء البقاء والثراء والنفوذ الأوسع .‏. ويزعم المعارضون لمنهج المقاطعة أنه لا يمكن وقف التجارة مع إسرائيل فهي جـزء من اتفاقيات السلام والمقاطعة الكاملة للبضائع الإسرائيلية تعنى انتهاكا لاتفاقية السلام وعودة لحالة اللاسلم، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على الدعوات المتكررة في الشارع المصري والعربي لطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة.

‌ج) التوجه نحو فرض النظام الشرق أوسطي مالياً واقتصادياً وسياسياً وأمنياً وحتى ثقافياً، بما يحمله ذلك من نفي للشخصية العربية الإسلامية ومقوماتها وقيمها.

وجعل أبسط الصلات والمؤسسات العربية القائمة اليوم، ومنها الجامعة العربية، بضعفها وهزال تأثيرها أثراً بعد عين .. إذ هي "جامعة الكراهية"، كما يسميها شمعون بيريس ، تلك التي يجب أن تزول ـ حسب رأيه ـ لتحل محلها "الجامعة الشرق أوسطية" حيث " لإسرائيل" مكان وموقع مستقر فيها وموقع قيادي تأسيسي، ونصيب وافر من الهيمنة الشاملة - أمنياً واقتصادياً وسياسياً.‏

‌د) تفتيت الأمة والقضاء على كل أشكال التضامن والتفاهم والتنسيق بين أنظمتها وأقطارها وحكّامها، وجعل كل قطر عربي يسعى وراء مصالحه الخاصة مثقلاً بأعباء ضعفه، وبنظرته الضيقة ومنفعته المرحلية، التي تكرس انعزاله وهزاله ومحدودية نظرته وفعاليته على المدى البعيد؛ ولا تجعله يخدم، في نهاية المطاف، سوى مصالح أشخاص وفئات لا مصالح أمة ووطن، وتكرس اعتماده على العدو الصهيوني والغرب الاستعماري في إقامة تحالفات أو تقديم أتاوات لحماية الأشخاص والأنظمة والمصالح، ولو تم ذلك على حساب الوطن والحق والانتماء والعقيدة ومصلحة الأمة وأجيالها ومستقبلها0‏

‌ه) تعزيز نمو قيم المجتمع الاستهلاكي في الوطن العربي، مما يزيد من ضعف الإنتاج الأساسي، وتدهور العلاقات الاجتماعية والأسرية السليمة، والفتك بقيم الفرد وبتماسكه الروحي وصلابته الوجدانية والنضالية. ويؤدي ذلك إلى شيوع الفساد الاجتماعي وقيمه وأساليبه وعلاقاته، ومناخه العام، الأمر الذي يقضي على الفرد والمجتمع، ويغير التطلعات والطموحات والمعايير الأساسية لما هو جيد ونظيف ومقدَّم في الحياة، وإلى ما هو نقيض ذلك في النظرة الاجتماعية .‏

‌و) تشويه معنى المقاومة الوطنية للاحتلال وجعلها إرهاباً وتخريباً وإضعاف التعاطف معها بالتالي بما يشكل عدوانا على الحق وتشويه للحقيقة واستهتار بالقوانين والأعراف الإنسانية والدولية .

أهداف المقاطعة

التحديات السابقة إن قدر لها النجاح لا قدر الله تجعل أمتنا مجتمعا متهالكا متهافتا منهارا يسوده الانحلال والسطحية والجهل والتواكل والتخلف الروحي والنفسي، وموت الطموحات والتطلعات الكبرى .. وهذا يقود إلى أن يستمر استنزافنا بإرادتنا، وجعلنا مجرد أفواه وسواعد، نخدم ونأكل، ونكون في خدمة العدو الذي يحتل مرتبة الرأس من الجسد، ويأخذ الاهتمامات العلمية والمعرفية والحضارية والتقنية العليا، بينما نبقى نلهث عند عتبة السلم في هذه المجالات 0‏

فهل يستطيع المثقفون العرب استيعاب معنى هذه المخاطر والتحديات والتصدي لها، من خلال رؤية مستقبلية وبرامج تربية وتثقيف وأداء سياسي واجتماعي واقتصادي، علمية وعملية، تهدف إلى تغيير الواقع والتحريض على السير في طريق الصمود للإغراء - مقاومة الصدمة - الابتداء من نقاط الانطلاق المفيدة والمجدية - ثم التقدم بثقة على طريق مجاوزة التخلف والضعف والإحباط، والانتقال إلى امتلاك : الإيمان والثقة والعلم والتَّقَانَة وكل الإمكانات التي تحقق مشروعاً نهضوياً ومنقذاً، وتضع حداً لمشروع الغير المناقض لمشروعنا ؟ ! [26].‏. قبل أن نجيب على هذا السؤال نحاول تحديد أهداف المقاطعة ثم ننتقل إلى مواجهة التحديات في نهاية الورقة.

المقاطعة سلاح قوى ، ولكنها رمزية تأتى الأهداف منها حسب أهميتها والتي يمكن إجمالها فيما يلي (على سبيل المثال لا الحصر):

‌أ) الأهداف السياسية : المقاطعة رسالة سياسية تعني أن الشعب العربي يرفض الوجود الصهيوني على أرض فلسطين ويرفض السياسة الأمريكية تجاه أمتنا ويعقد العزم على مقاومة الحلف الصهيوني الأمريكي .. ثم إن المقاطعة تحقيق للفعل الجماعي والتعبئة السياسية وخطوة لجمع الأمة العربية والإسلامية على قضية قومية جامعة.

‌ب) الأهداف الاقتصادية : الإضرار بالشركات الأمريكية والصهيونية اقتصاديا.. كما أن المقاطعة مع العدو من شأنها الحفاظ على ثروتنا البشرية والطبيعية وتوظيفهما الوظيف الأمثل لخير هذه الأمة.

‌ج) الأهداف الثقافية : الحفاظ على هوية أمتنا العربية الإسلامية وثوابتها القومية والتاريخية.

الأبعاد الاقتصادية لقضية المقاطعة

قدر الدكتور أحمد جويلي الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية حجم الأموال العربية المتواجدة في الخارج والمستثمرة به بنحو 2400 مليار دولار وفق عديد من التقديرات وليس 800 مليار دولار كما هو شائع. [27]

وبين جويلي أن المنطقة العربية من أكبر مناطق العالم الطاردة لأموال مواطنيها والأقل جذبا للاستثمار حيث لا تحصل من الاستثمار الأجنبي المباشر إلا على نسبة لا تتجاوز 1% من إجماليه وأن أعلى رقم من الاستثمارات قد تدفق للمنطقة العربية كان في عام 2000 وبلغ 9.5 مليارات دولار. في حين حصلت الصين بمفردها في نفس العام على 70 مليار دولار.

وقال أنه حتى الآن فإن المنطقة العربية لم تنتبه إلى أن أكثر من 50% من تجارة العالم تمر عبر الدول العربية خاصة في قناة السويس والخليج والبحر المتوسط وما يحصل عليه العرب منها لا يتجاوز رسوم مرور وخدمات ولم تقم عليها أية أعمال حتى الآن لتنمية الاستفادة منها في مجالات السياحة وإصلاح السفن وموانئ الحاويات على سبيل المثال فهناك موانئ في المنطقة العربية بمستوى متميز في أبو ظبي والكويت والبحرين واليمن وقطر وهو ما يستوجب وضع خطة عربية متكاملة لتحقيق الاستفادة منها.

وانتقد الدكتور جويلي انخفاض مستوى التجارة البينية بين الدول العربية والتي لا تزال عند 8.5 % وأنه من بين 154 مليار دولار واردات الدول العربية لا تستحوذ منها التجارة البينية العربية سوى على 14 مليار دولار فقط.

وأشار إلى أن حجم التجارة العربية على مستوى العالم لا يتجاوز 3% حيث تبلغ 398 مليار دولار صادرات وواردات في حين يصل حجم التجارة العالمية إلى 13 تريليون دولار.

وكشف الأمين العام لمجلس الوحدة الاقتصادية أن نحو 19 مليون عاطل موجودون في الدول العربية من بين 92 مليون نسمة من القادرين على العمل نتيجة عدم كفاية المشروعات والاستثمارات .

وجاء في تقرير لجامعة الدول العربية أن معدلات الاستهلاك الغذائي في العالم العربي تنمو بوتيرة تتجاوز قابلية الدول العربية على إنتاج المواد الغذائية، مما أدى إلى اعتمادها بشكل متزايد على الاستيراد .. وجاء في التقرير، الذي اعتمد معدوه على إحصاءات حكومية في التوصل إلى استنتاجاتهم، أن الدول العربية استوردت مجتمعة ما قيمته 23 مليار دولار من المواد الغذائية في عام 2000، وهو مبلغ يزيد بنسبة 20 في المائة عما كان عليه عام 1997.. وأوضح التقرير أن استيراد الحبوب مثل 40 % من جملة المواد الغذائية بينما حلت الألبان في المركز الثاني بنسبة 14 % تليها الزيوت النباتية والسكر واللحوم الحمراء .. أما مجموع الإنتاج العربي من المواد الغذائية، فقد بلغ في العام الماضي زهاء 153 مليونا من الأطنان [28].

<





24-1-2003

0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن