7/16/2011

وثيقة الأزهر وفخ العالمانيين لتضييع الهوية والأزهر وفلسطين


أبدأ بعتاب نفسي إذ اكتفيت بالمتابعة الإعلامية لردود فعل النخبة - إسلاميين وعالمانيين - على وثيقة الأزهر حول مستقبل مصر والتي قيمت في مجملها الوثيقة تقييما إيجابيا. وأحسنت الظن إزاء ذلك مفترضا أن كلا الطرفين قد توافقا لخير مصر. وبدعوة من المركز الدولي للدراسات المستقبلية والإستراتيجية لحضور حلقة نقاشية حول الوثيقة يوم الأربعاء 13 يوليو الماضي قرأت الوثيقة لأكتشف أن الأزهر قد شارك في خدعة كبيرة أعد لها رموز الإعلاميين.
تبدأ الوثيقة بإقرار من النخبة بأهمية الأزهر وضرورة الاحتكام إليه في تحديد علاقة الدولة بالدين وبيان أسس السياسة الشرعية الصحيحة، أي أن هناك علاقة بين الدولة والدين وهناك أسس للسياسة الشرعية.
وتشير الوثيقة في مقدمتها إلى الأبعاد التي ارتكز إليها الأزهر الشريف في خبراته المتراكمة ( البعد الفقهي - التاريخي - الحضاري - العملي - الريادي ) وأغفلت الوثيقة البعد الأهم الذي ضمن للأزهر مكانته وهو أن مفتاح شخصية شعبنا المصري بمسلميه ومسيحييه هو التدين.
وأحسنت الوثيقة صنعا عندما لم تعرف مصر بالدولة المدنية لأن الدولة المدنية مصطلح باهت لا تعرفه قواميس المصطلحات السياسية - والتي لا تعرف سوى مصطلح المجتمع المدني - ورغم استخدام العالمانيون لمصطلح الدولة المدنية إلا أنهم يختلفون في تعريفها فتارة يستخدمونها ضد الدينية وتارة ضد العسكرية وتارة بمفهوم الحداثة وواقع الأمر أنهم يقصدون الدولة العالمانية. أحسنت الوثيقة صنعا إذ سكتت عن الدولة المدنية ولكن ممثلي الأزهر في اللقاء الدكتور إسماعيل الدفتار والدكتور سالم عبد الجليل تورطا في استخدامه وأدخل الدكتور سالم نفسه في حقل الألغام ثم حاول الخروج منه بشرح مفهومه للدولة المدنية الذي لم يرض العالمانيين بالقطع.
تحدثت الوثيقة عن دعم تأسيس الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة ولو اكتفت بالديمقراطية لأنصفت، فهل نتخيل الدولة غير وطنية حتى ننص على وطنيتها؟ وهل نتخيل الدولة غير دستورية فلماذا نصيغ الدستور ويتوافق الجميع عليه ويستفتى عليه الشعب لإقراره؟ ثم ما هو مفهوم الدولة الحديثة وهل لم تقم دول القرون السابقة على المواطنة والمساواة واحترام القانون وإذا أبدعت الدولة الحديثة جديدا فإن الأهم هو النص عليه في مواد الدستور وليس في وصفها، أليس ما هو حديثا الآن لن يكون حديثا بعد سنوات؟ إن مصطلح الدولة الحديثة لا يقل ميوعة عن مصطلح الدولة المدنية، لو اكتفت الوثيقة بمصطلح الدولة الديمقراطية لكفى بعيدا عن المصطلحات التي تفتقد المدلول المحدد.
تتحدث الوثيقة عن الالتزام بالمواثيق والقرارات الدولية والعلاقات الإنسانية والتقاليد السمحة للثقافة الإسلامية والعربية وتتحدث عن التعايش السلمي ونشدان الخير للإنسانية كلها. ثم سكتت الوثيقة عن نصف الكوب الآخر، فكان من الواجب النص في نفس المادة على حق الشعوب في الدفاع عن أرضها وحقها في الكفاح المسلح لتحرير الأرض وهي بهذا تهدر تراثا كبيرا للأزهر الشريف في مساندة الشعب الفلسطيني بفتاويه المتكررة منذ الخمسينات كما تهدر تراث الأزهر في الكفاح المسلح الذي قاد ثورة القاهرة الأولى والثانية ضد الاحتلال الفرنسي وكان الجامع الأزهر الشريف وقتها هو غرفة العمليات التي قادت الثورة حتى أن نابليون وجه مدافعه من القلعة باتجاه الأزهر الشريف وبعد جلاء الاحتلال سلم الأزهر الراية للشعب ليثور ضد ظلم المماليك والوالي العثماني.
ولقد حاولت الوثيقة دمج المصطلحات السياسية بالمصطلحات الإسلامية الشرعية والفقهية فجاء ذلك على حساب الرؤية الإسلامية. تشير الوثيقة إلى "إعمال فقه الأولويات في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية ومواجهة الاستعباد ومكافحة الاستبداد والقضاء على البطالة" ولو ربطت الوثيقة بين مفهوم العدالة الاجتماعية ومفهوم حد الكفاية "حق المأكل والملبس والمسكن" لكان أفضل، والذي لو أنصف علماء وفقهاء الأزهر لزادوا حد الكفاية من ثلاثة حقوق إلى ستة "حق المأكل والملبس والمسكن وحق التعليم والعلاج وحق العمل".
ثم إذا بالوثيقة تضيع هوية مصر العربية الإسلامية وتتحدث عن "بناء علاقات مصر بأشقائها العرب ومحيطها الإسلامي ودائرتها الإفريقية ومناصرة الحق الفلسطيني"، مجرد بناء علاقات - وليست هوية - مع الأشقاء العرب والمحيط الإسلامي والدائرة الإفريقية - ومن هو خارج الميط الإسلامي لا داعي لبناء العلاقات معه - اندونسيا، ماليزيا، دول البلقان، الجمهوريات الإسلامية السوفيتية، وكلها خارج المحيط الإسلامي - ثم مجرد مناصرة للحق الفلسطيني. أي أن الوثيقة تضيع الهوية وتميعها وتعطي الحق لمصر بأن ترفع يدها عن القضية الفلسطينية وتكتفي بالمناصرة.
ولم تكتف الوثيقة بتضييع الهوية وفلسطين فضيعت دور الأزهر وقصرته على شئون الإسلام وعلومه "اعتبار الأزهر هو الجهة المختصة التي يرجع إليها في شئون الإسلام وعلومه وتراثه واجتهاداته الفقهية والفكرية الحديثة" وفي البند السابق لهذا قصرت الهدف من استقلال الأزهر على "استرداد دوره الفكري الأصيل وتأثيره العالمي في مختلف الأنحاء"!!!!!!، أين دور الأزهر الحضاري في المجتمع وارتباطه بقضايا الأمة؟
وإذا عدنا إلى مواد الوثيقة نجد أنها مفككة ولا يوجد نسق أو بناء فيها فهي تتحدث عن ( طبيعة الدولة - النظام السياسي - حرية الرأي وحقوق الإنسان - المواثيق الدولية - دور العبادة والشعائر الدينية - التعليم والبحث العلمي - التنمية والعدالة الاجتماعية والبطالة - علاقات مصر الخارجية - استقلال الأزهر واختصاصه ) - سمك لبن تمر هندي كما يقولون - أين البناء والاتساق في وثيقة وضعها علماء ومفكرون؟!!!!.
بدلا من تسمية الوثيقة "بيان الأزهر ونخبة من المثقفين حول مستقبل مصر" كان من الأفضل الاقتصار على تسميتها "بيان من المثقفين" أما الأزهر!!! فلا يمكن أن تمثله مثل هذه الوثيقة حتى وإن جلس عليها المثقفون أيام وأيام، إنها أقل كثيرا من الأزهر وتفتقد رصانته وعمقه الفكري.
لقد ضيعتم الهوية وضيعتم الأزهر وضيعتم فلسطين لحساب العالمانيين

1 التعليقات:

غير معرف يقول...

عمنا/د/مجدي.اولا سالم عبد الجليل هذا دفعة1991 وعمل بالاوقاف بعقد عمل لمدة7سنوات وتم تثبيته ليتبؤا خلال سنوات معدودو في عصر زقزوق وكيل وزارة مع ان دفعته مازالت مقيمي شعائر وهو الذي اخذ علي عاتقه الدفاع عن كل القرارات الفاسدة لزقزوق (محمد عفيفي)

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن