1/18/2011

معضلة الجبهة الوطنية في الأقطار العربية





نقابة الصحفيين المصرية - السبت 15 يناير 2011

وسط حشد غفير من النخبة السياسية الوطنية العربية والمصرية نظمت الجبهة العربية المشاركة للمقومة الفلسطينية يوم السبت الماضي 15 يناير 2011 ندوة مهمة حول معضلة الجبهة الوطنية في الأقطار العربية بنقابة الصحفيين المصرية تعرضت فيها لهذه القضية في الساحات الفلسطينية والمصرية والعراقية وأدار الندوة الكاتب الصحفي الأستاذ عبد العال الباقوري ونعرض هنا لكلمة المناضل الفلسطيني عبد القادر ياسين حول التجربة الفلسطينية وتعقيب الدكتور مجدي قرقر أمين عام مساعد حزب العمل المصري

ملاحظات حول التجربة الفلسطينية
عبد القادر ياسين
أغلب الظن أن النموذج الفلسطيني يصلح وسيلة إيضاح للمشهد العربي الكبير, فيما يخص معضلة "الجبهة"؛ بسبب بشاعة ما يتعرض له القطر الفلسطيني من أخطار, داخلية وخارجية, على حد سواء, في صدد "الجبهة", تحديداً.
أستطيع القطع بأن العمل الوطني الفلسطيني لم ينعم بجبهة وطنية, تستحق هذا الاسم, إلا مرة واحدة, كانت بمثابة الاستثناء الذي أكد القاعدة. وكل الفصائل التي تحمل اسم "الجبهة", لا تمت للجبهات بصلة, بل هي أحزاب. فيما عدا "فتح", التي تقصد مؤسسوها تجنب العماد الأيديولوجي في حركتهم الوليدة, ما جعلها تنظيماً فضفاضاً من جهة, ما فتح أبواب الحركة على مصاريعها لمتحدرين من أحزاب إسلامية, وقومية, ويسارية, وأفسح – بالتالي - في المجال لنشوء تيارات فكرية شتى داخل الحركة, وجدت من يتبناها, أو يرعاها من بين "الأبوات" الكبار في الحركة. لكن اغتيال كلٍ من أبو جهاد (1988), وأبو إياد (1991), وموت خالد الحسن (1994), واستبداد عرفات, أفقد "فتح" صفة الجبهة, بل حوَّلها من الحزب القائد إلى حزب القائد, قبل أن تتحول إلى "فتحات", ثم إلى حزب سلطة في خدمة أمن إسرائيل والإسرائيليين, رغم كل مقاومة وطنيي فتح.
أما أسباب الاستعصاء التاريخي للجبهة, فلسطينياً, فتعود إلى:
• هشاشة ووهن البنية الطبقية الاجتماعية, ما انعكس على تعبيراتها السياسية.
• تحكُّم المنطق الاستراتيجي بالشأن المرحلي.
• الميل لدفع التناقضات الهامشية إلى مستوى التناقض الرئيسي, على حساب التناقض مع العدو.
• المرونة في الإستراتيجية, والتشدد في التكتيك, على عكس المعروف.
• ضيق الأفق, والوقوع في أسر الحَلَقية.
• ضعف الحس التاريخي, والثقافة السياسية لدى نسبة كبيرة من القادة.
• الفهم الخاطئ للجبهة,حيث يرى البعض بأنها تتطلب تطابقاً فكرياً, بعد نقاط الاتقاء السياسية, بينما بعض ثانٍ يعتقد بأن الجبهة تتطلب اندماجاً تنظيمياً, فيما بعض ثالث يقصر أمر "الجبهة" على مجرد اللقاء نظرياً على قضايا سياسية رئيسية, نأتي إلى البعض الرابع الذي يكتفي بلقاءات الدردشة بين قادة أطراف الجبهة, والتقاط الصور التذكارية, في سياق الظاهرة الاستعراضية, التي تفشت وبائياً, في العمل الوطني الفلسطيني.
• غياب الديمقراطية عن المجتمع ككل, وداخل كل حزب وفصيل فلسطيني, مع تفاوت في الدرجة.
• صدور المواقف السياسية, في الأغلب الأعم, عن تقديرات ذاتية.
• الضعف الشديد للإرث الجبهوي الفلسطيني.
• خشية الحليف الضعيف من أن يلتهمه الحليف القوي.
• نفور الحليف القوي من فكرة حمله الضعيف على أكتافه داخل الجبهة.
• توهم البعض بأنه يحتكر الحقيقة, وحده, فيما يرفض الإسلام الحركي التحالف مع العَلمانيين في جبهة, وتحتدم المزاحمة بين منظمات الإسلام الحركي, بسبب المزاحمة على المرجعية الفكرية, والشعارات, والجماهير من جهة ثانية؛ وخشية ذلك البعض من محاسبة الحليف له عند تكويع الأول. فيما هذا البعض تجنب إلزام نفسه ببرنامج سياسي, يمكن لقاعدة جماعته أن تحاسبه, عند أي تكويع, من جهة ثالثة. وقد زاد خروج مجموعة على الخط الوطني من العقبات الكأداء أمام "الجبهة".
أما الحالات التي أعلن فيها عن قيام "جبهة" فقد طغى عليها طابع الاستخدام, دون التحالف, وأحيانا قيام تحالف الغُرم. وفي هذه الحالة يصمت الطرف الضعيف على الضيم, فيما يستمرئ الطرف القوي ممارسة الاستخدام, وتغريم الطرف الضعيف.
نأتي إلى المعارضة الوطنية, التي تمكنت, غير مرة, من تشكيل تحالفات عدة, فمن "جبهة رفض الحلول الاستسلامية" (1974- 1981), إلى "التحالف الوطني" (1983- 1985), قبل "جبهة الإنقاذ"(1985- 1991), ثم "الفصائل العشر" (1991- 1993), وأخيراً "تحالف القوى الفلسطينية" (1994- حتى الآن). وكلها وُلدت لتموت, بعد حين. بعد أن فقدت شروط الاستمرار والنجاح, حيث غاب البرنامج السياسي, وخطة العمل, والنظام الداخلي, وقيادة العمل اليومي. مما أبقى تلك الأشكال أسيرة رد الفعل لما تقترفه القيادة الفلسطينية المتنفذة. وكفى الله المعارضين الكفاح.
نأتي إلى المطلوب لتجاوز تلك العقبات؛ ويتمثل في إشاعة ثقافة الجبهة, وإجادة ممارستنا لخلافاتنا, عبر معالجتها بأناة وحكمة, وحرص, بما لا يسمح بصعود تلك الخلافات إلى مستوى التناقض الرئيسي, مع الأهمية القصوى لتواضع الواهمين بأنهم يحتكرون الحقيقة, والعمل على تأسيس جبهة حقيقية, تمتلك فرعاً, في كل حي, وقرية, ومخيم, والكف عن تضليل الذات, والضحك على الذقون, وتوفير برنامج إجماع وطني, وقيادة للعمل اليومي في "الجبهة", والاستقواء بالديمقراطية الداخلية, مضمَّنة في نظام داخلي. على أن هذا كله يظل مستعصياً مع غياب المجتمع الفلسطيني المنتج, وقبل تعافي الحاضنة العربية, ما يوفر موقفاً عربياً قوياً وموحداً, واقتناع قيادات الفصائل الفاعلة بمدى مضاء "الجبهة" والحاحها.
ولا أدري ما إذا كان يجب توحيد كل تيار, على حدة, قبل إنشاء الجبهة, أم يلحق بها, أم تسير الخطوتان بالتوازي, دون أن أزعم بأنني اكتشفت البارود.
القاهرة في 15/1/2010

فلسطين نموذجا - تعقيب على كلمة المفكر والمناضل الفلسطيني عبد القادر ياسين
د. مجدي قرقر
شرف كبير أن أكون معقبا على الورقة القيمة المقدمة من المفكر والمناضل الفلسطيني الكبير الأستاذ عبد القادر ياسين.
الجبهات تفرضها الأحداث الكبيرة على عدد من القوى السياسية والمناضلة لمواجهة خصم داخلي أو عدو خارجي أكبر من كل هذه القوى منفردة, ولكي تنجح هذه الجبهات يلزمها شروط عشر - ليست على سبيل الحصر - تطرق إلى بعض منها الأستاذ عبد القادر ياسين في ورقته القيمة وأضيف إليها بعضا من عندي.
وشروط النجاح العشرة السابقة لاستمرار الجبهات إضافة إلى عوامل الفشل يمكن تطبيقها على المشهد الفلسطيني بما يصلح كوسيلة إيضاح للمشهد العربي الكبير كما أشار أستاذنا المناضل عبد القادر ياسين, بسبب بشاعة ما يتعرض له القطر الفلسطيني من أخطار, داخلية من الخصوم وأخطار وخارجية من الأعداء.
وأظن هنا أن قضية الجبهة بين الأطراف الفلسطينية المقاومة يمكن تحقيقها بنسبة أو بأخرى ولكننا نفند هنا بعض الآراء التي يطنطن لها الإعلام وباتت الجماهير العربية تؤمن بها من أن السبب في تصاعد التحديات التي يواجهها أهلنا في فلسطين إنما يرجع للخلافات الحادة والصراع السياسي والأمني والعسكري بين فصائل المقاومة بصفة عامة وحركة حماس بصفة خاصة من جهة ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى وأن كل هذه التحديات يمكن مواجهتها إذا توافقت القوى المقاومة مع السلطة الفلسطينية, فهل هذا التوافق وهذه الجبهة يمكن قيامها؟
1) الشرط الأول خاص بوجود وجود هدف إستراتيجي مشترك تسعى كل هذه القوى لتحقيقه والوصول إليه وإذا ضاع هذا الهدف الإستراتيجي المشترك أو لم يتم الاتفاق عليه وصياغته بوضوح لم يكتب للتحالف أو الجبهة الاستمرار.
في هذا الإطار نجد انقساما واضحا بين معسكرين أو جبهتين: معسكر الاستسلام ومعسكر المقاومة. معسكر التفاوض مع الكيان الصهيوني وتقديم التنازلات تلو التنازلات حتى اختزلت القضية في تجميد الاستيطان ومعسكر المقاومة والكفاح المسلح لتحرير الأرض. ومن هنا يصعب الوصول إلى هدف استراتيجي مشترك بين هذين المنهجين ولن يحسم هذه القضية سوى استمرار العدوان الصهيوني على مقدرات ومصالح شعبنا الفلسطيني وانكشاف خداعه كما لن يحسمه سوى هذا الشعب بتوافقه على استمرار كفاحه المسلح والرجوع للميثاق الوطني الفلسطيني قبل تعديله والذي حصل على إجماع الفلسطينيين كافة في أواخر الستينات من القرن الماضي مما جعله البرنامج الإستراتيجي الشرعي الوحيد المترجم لنضال الشعب الفلسطيني لتحرير فلسطين كل فلسطين. فما بالنا بتعارض المنهجين والذي بلغ ذروته الدرامية يوم الثلاثاء ‏(15‏ مايو 2007‏) - كما يقول الأستاذ فهمي هويدي في مقاله المعنون بـ (العــار الذي شــــهدته غزة )‏ - وهو التاريخ الذي حلت فيه ذكري النكبة الأولي في سنة 8‏194, ‏‏ إذ حلقت في سماء القطاع يومئذ الطائرات الإسرائيلية وراحت تطلق قذائفها وصواريخها نحو أهداف محددة في غزة‏.‏ وفي الوقت ذاته كانت عناصر من قوات الأمن الفلسطينية تعتلي البنايات والأبراج وتقطع الشوارع جيئة وذهابا مصوبة سلاحها نحو الأهداف ذاتها في تزامن يثير الانتباه والتساؤل‏ .‏بما مثل إعلانا عن حلول نكبة جديدة أدهي وأمر‏.‏
وفي حين استنفر العالم العربي واحتشدت أغلب أنظمته وشعوبه في صف الدفاع عن القضية‏ إبان النكبة الأولي فان الموقف العربي اختلف في النكبة الثانية ما بين الذهول والفرجة‏‏ وما بين التحيز السياسي والتدريب والتمويل والتسليح بل والتآمر.
2) الشرط الثاني أن يتم تفكيك هذا الهدف الاستراتيجي إلى مجموعة من الأهداف المرحلية يتم ترجمتها إلى مجموعة من الخطط المرحلية تأخذ في الاعتبار كافة الإمكانات المتاحة والتمايزات والاختلافات بين هذه القوى, وبما يتطلب وضوح البرنامج السياسي, وخطة العمل, والنظام الداخلي, وقيادة العمل اليومي كما يقول الأستاذ عبد القادر ياسين.
وإنهاك القوى الفلسطينية في خلافاتها الداخلية وفي نضالها المتواصل لم يمكنها من تفكيك هذا الهدف الاستراتيجي لتأخذ في الاعتبار كافة الإمكانات المتاحة والتمايزات والاختلافات بين هذه القوى.
3) الشرط الثالث قبول الأطراف المختلفة من القوى المتحالفة تقديم التنازلات اللازمة تغليبا للمصلحة العامة والغاية الإستراتيجية على المصالح الآنية الذاتية الضيقة.
وهذا صحيح ولكن المعروض هنا وفقا لاتفاق القاهرة ليس تنازلات بل تركيع المقاومة وإلقاء سلاحها وتصفيتها والتنازل عن الثوابت الوطنية الفلسطينية.
4) الشرط الرابع أن يكون الاتصال بالخصم محكوما بموافقة كافة الأطراف وفي الإطار المحدد الذي يخدم أهداف الجبهة أو التحالف
ولكن ما بالنا هنا وبعض قيادات السلطة لا تكف عن تبادل الزيارات والمعلومات مع العصابة الحاكمة للكيان الصهيوني حتى أن شارون لم يجد حرجا في الثناء على دحلان في أكثر من موقف وكذا ثناء رؤساء ومدير أجهزة المخابرات الصهيونية على أداء أجهزة أمن السلطة .
5) الخامس أن تكون قيادة الجبهة قيادة جماعية مشتركة وألا ينفرد فصيل بقيادتها دونا عن الأطراف الأخرى.
ولكننا في الحالة الفلسطينية نجد أن جماعة عباس ودحلان لديها قناعة بأن السلطة وأجهزة الدولة ومواردها ملك لها فالسلطة هي التي أسستها والأجهزة هي التي كونتها‏ والموارد هي التي جلبتها .‏ ولقد رتب هذا مصالح كبري وميزات بلا حدود يصعب التخلي عنها لذا فإن جماعة عباس ودحلان رفضت الاعتراف بنتائج الانتخابات التشريعية ‏التي جرت عام 2006‏.‏ من ثم فقد أصرت علي إخراج حماس من الحكومة ومن المسرح السياسي الفلسطيني‏,‏ وهي رغبة مترجمة لرغبة‏ صهيوأمريكية التقت مع حسابات بعض الأطراف الإقليمية‏ مما يسميها البعض بمعسكر الاعتدال.‏ فكيف تكون الجبهة وسط هذا التآمر وحب السيطرة والإمتلاك.
6) السادس أن اشتراك قوى سياسية متعددة في حكومة واحدة - جبهة واحدة - يوجب على القوى المشاركة أن تلتزم في سيرها بأبطأ الخطوات لأي من المشاركين وإلا انفصل عن المشاركة فما بالنا بأن أحد الأطراف لا يبطئ الخطى بل يسير في الإتجاه المضاد.
7) الشرط السابع إجادة ممارسة الخلافات عبر معالجتها بأناة وحكمة, وحرص, بما لا يسمح بصعود التناقضات الهامشية إلى مستوى التناقض الرئيسي.
فما بالنا بالمناكفات التي تعرضت لها حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات والتي أدت إلي رفض الاشتراك في الحكومة الجديدة واستخدام الفلتان الأمني إلي جانب الحصار الخارجي وسيلة لإفشالها ومن ثم إسقاطها
8) إحكام الإستراتيجية, والمرونة في التكتيك, على عكس ما هو شائع على الساحة الفلسطينية.
9) الفهم الصحيح للجبهة على عكس ما يرى البعض بأنها تتطلب تطابقاً فكرياً, بعد نقاط الالتقاء السياسية, وعلى عكس ما يعتقد بعض ثان بأن الجبهة تتطلب اندماجاً تنظيمياً, وعلى عكس ما يرى بعض ثالث بقصر أمر "الجبهة" على مجرد اللقاء نظرياً على قضايا سياسية رئيسية, أو بعض رابع يكتفي بلقاءات الدردشة بين قادة أطراف الجبهة, والتقاط الصور التذكارية, في سياق الظاهرة الاستعراضية, التي تفشت وبائياً, في العمل الوطني الفلسطيني.
10) إعمال الديمقراطية داخل تنظيمات القوى المتحالفة وداخل الجبهة ومن هنا فإن الانقلاب على النتائج الانتخابات التشريعية ‏التي جرت عام 2006‏ يضرب في مقتل قضية الجبهة بين القوى المقاومة للاحتلال وتلك المعبرة عن السلطة الفلسطينية.


0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن