12/12/2010

لعبة ويكيلكس.. عمل مخابراتي على أعلى مستوى ----- الهدف الأساسي للتسريبات.. محاصرة محور المقاومة والصمود.. وتركيا والسودان


مجدي أحمد حسين
12 ديسمبر 2010

تسريب مئات الآلاف من الوثائق الأمريكية على موقع ويكيلكس ليس عمل فرديا لروبين هود أو أي بطولة فردية مزعومة. فعمل على هذا المستوى والحجم ويتسم بقدر عال من الخطورة لمن يقوم به لا يمكن تفسيره إلا بأنه عمل مخابراتي على أعلى مستوى. وهذا العمل يضلل هدفه الرئيسي من خلال نشر أشتات من المعلومات فى اتجاهات مختلفة وتمس مختلف دول العالم، وليس من السهل اكتشاف الهدف الرئيسي من هذا التسريب المخيف لأول وهلة. ولكن من الواضح حتى الآن أننا أمام جناح داخل السلطة الأمريكية يستهدف خلخلة الأرض من تحت أقدام إدارة أوباما ويخرجها أمام العالم بأسره بدءا من عجزها عن حماية وثائقها وصولا إلى المضمون المحرج في هذه الوثائق. أما فيما يتعلق بمنطقتنا فإن الهدف من النشر واضح للغاية, وهو إحراج النظام العربي في مواقفه المزدوجة من المقاومة اللبنانية والفلسطينية وإيران. والهدف هو الإعلان عن أن هناك جبهة عربية رسمية متراصة مع إسرائيل وأمريكا في هدف ضرب إيران وبرنامجها النووي, بل تبدي حماسا أكبر من أمريكا ذاتها في هذا الاتجاه. وقد سبق أن قلت ذلك في برنامج فضائي. منذ أكثر من عامين, فقلت أن التردد الأمريكي في ضرب إيران يعود للحسابات الأمريكية, وليس لأى ضغوط عربية. وأن أمريكا إذا قررت ضرب إيران فسيقف النظام الرسمي العربي صفا واحدا خلفها في الممارسة العملية (تسهيلات عسكرية- حصار اقتصادي) مع بعض النفاق الإعلامي, كما حدث مع العراق, بينما سيظل الإعلام الرسمي يردد أنه ضد الحرب ولكنه يحمل إيران المسئولية!!!
إذن هذا التسريب يمكن أن نحسبه على التيارات الأكثر تشددا في النظام الأمريكي (الجمهوريين) والصهاينة، خاصة وهو يأتي في توقيت عجيب. هزيمة الديمقراطيين في الكونجرس مما يمهد لهزيمة أوباما في انتخابات الرئاسة. وفي لحظة يصل فيها الشد والجذب مع إيران إلى نقطة حرجة, فنحن على أبواب جولة جديدة وقد تكون الأخيرة للمفاوضات, والعقوبات الاقتصادية تتصاعد. في وقت بدأت فيه نغمة العودة للخيار العسكري تتصاعد وقد جاءت تسريبات ويكيلكس متطابقة مع تصريحات المسئولين الإسرائيليين المتواترة عن وجود جبهة واحدة من الحكام العرب مع إسرائيل ضد خطر التشدد الإسلامي والإرهاب وضد خطر إيران. وأي محلل لا يتفاجأ بكل ما جاء في التسريبات, ولكنها بالنسبة للمواطن العربي تبدو صادمة وكاشفة لحجم الزيف والنفاق. والجناح الأمريكي المتشدد الذي يسرب هذه الوثائق لا يقصد الإحراج الشخصي لهؤلاء الحكام وهم أصدقاء لواشنطن. ولكن يقصد دفعهم لسد الفجوة بين ما يقولونه سرا وما يقولونه علنا، والأهم من ذلك سد الفجوة بين موقفهم الحقيقي والمتطلبات العملية لهذا الموقف. ورغم أن الإعلامي الرسمي العربي خاصة المصري- السعودي بالغ السوء في الهجوم على إيران, وحماس, وحزب الله -مع ملاحظة أن المصري أسوأ من السعودي-إلا أن أمريكا لا تكتفي بذلك بل تريد أن تعلن هذه الدول الحرب المقدسة على إيران. وأمريكا تحتاج قوة عسكرية من العرب، وهى مسيطرة بالفعل على قواعدها بالمنطقة، والتسهيلات التى تحصل عليها من 10 دول عربية، ولكنها تريد المشروعية العربية- الإسلامية فى حربها على إيران. بل ترى أمريكا التعبئة العربية إعلاميا وسياسيا ستكون خانقة لإيران أكثر من الحصار الاقتصادي، وأن هذا قد يدفعها للتنازل أمام مطالب أمريكا، وتتجنب أمريكا الحرب وويلاتها. ولكن من الصعب على الحكام العرب وإعلامهم أن يمارسوا الفجور أكثر من ذلك، وهذا هو دور ويكيلكس فهذه التسريبات تقول: إذا كنتم تحرصون على صورتكم أمام شعوبكم، فقد كشفنا الصورة الحقيقية، وتعالوا نتفاهم فى خطة خنق إيران!
كان أهم تعليق على وثائق ويكيلكس هو تعليق بتريوس وزير الدفاع الأمريكي حيث قال: قد تكون الوثائق محرجة.. وهى محرجة، ولكن لا أهمية لذلك فالدول التى تتعامل معنا.. ستظل تتعامل معنا لأن مصلحتها فى ذلك، فالمهم أن تكون محتاجة إلينا، وزاد الأمر وضوحا بالقول: " الحكومات تتعامل مع الولايات المتحدة لأن ذلك من مصلحتها، وليس لأنها تقدرنا وليس لأنها تثق بنا، وليس لأنها تعتقد أنه يمكن حفظ أسرارها. هناك حكومات تتعامل معنا لأنها تخشانا وحكومات أخرى لأنها تحترمنا، وغالبيتها لأنها تحتاج إلينا". وهذا الكلام قاله من قبل كثير من كتاب الإستراتيجية الأمريكيين، فأمريكا تدير علاقاتها مع العالم على أساس القوة وليس على أساس المحبة أو الإعجاب أو حتى الاتفاق فى الآراء! ولذلك فإن الجهة التى سربت هذه الوثائق لا تهتم بحكاية "الإحراج"، لأن العلاقات مع أمريكا قائمة على الإكراه والمصلحة والميثاق الغليظ، وأمريكا لديها أدوات كافية لسوق التابعين لها إلى حيث تريد فى القضايا الأساسية.
وحتى بالنسبة لحزب الله فقد كشفت الوثائق العلاقات السرية بين وزير الدفاع اللبناني والجيش الأمريكي الذى يسير طائرات تجسس فوق أجواء لبنان ويعطي المعلومات للسلطة اللبنانية (وطبعا لإسرائيل) كما كشفت الوثائق التعاون المخابراتي بين رئيس محكمة اغتيال الحريري والولايات المتحدة.
ولكن أخطر هذه الوثائق طرا، هي المتعلقة بالاقتراح السعودي -على لسان وزير خارجيتها سعود الفيصل- بأن تقوم قوة عسكرية عربية مدعومة من الجيش الأمريكي وحلف الناتو بالقضاء على حزب الله فى لبنان، وأن هذه الخطة تم إبلاغها لمصر والأردن والجامعة العربية!! وأمريكا هي التي لم تستجب لحساباتها الخاصة، ولإدراكها صعوبة تحقيق هذا الهدف.
ويسعى الأمريكان والصهاينة الآن للعبة خطرة وهي توجيه الاتهام لحزب الله باغتيال الحريري، لتفجير الساحة اللبنانية من الداخل، بعد فشلهم في القضاء على حزب الله عسكريا. ويصعب التنبؤ بمجريات الأحداث بلبنان، ولكن الأمر المؤكد أن هذه المؤامرة الجديدة ستسبب متاعب لحزب الله، ولكنها لن تحقق مبتغى الأعداء في القضاء على قوته العسكرية. ويتوازى مع ذلك تصعيد جديد ضد سوريا والمطالبة بتفتيش منشأة دير الزور المدمرة. ولم يكن من قبيل الصدفة تسريب وثيقة تتضمن أقوالا لبشار الأسد غير جيدة تجاه حماس، وهو أمر فيه تلاعب كثير لأن الكلام مبتور للغاية. إذن المحور اللبناني-الفلسطيني- السوريي- الإيراني هو الهدف الأساسي من هذه التسريبات، لإذكاء نار الفتنة بين هذا المحور وعرب أمريكا وبين كل الأطراف بعضها البعض. وقد أثمرت هذه التسريبات بشكل أولي تجاه إيران، إذ أعلن تجمع دول الخليج بيانا أكثر تشددا ضد إيران وفي محاولة مفضوحة لسد الفجوة مع التسريبات، فكرروا بعض ما جاء فيها، إذ طالبوا بضرورة أن تطلعهم الدول الغربية على المفاوضات مع إيران!!
ولو كانت أمريكا- أو التيار المتشدد داخلها- بما يكفي من القوة لما لجأت لهذه الأساليب الملتوية، التي تراهن على إحداث الفتن. والأمر المؤكد أن محور المقاومة والصمود لن يتأثر بذلك لأنه يعلم أن قوته الذاتية هي الدرع الذي يحميه، وقد عزز هذا المحور الموقف التركي الذي يزداد صلابة مع الأيام (انظر تصريحات أردوجان خلال زيارته للبنان ضد إسرائيل) ولذلك نال الجانب التركي نصيبه من تسريبات ويكيلكس. ونال السودان نصيبه بتأكيد أنه تعرض لقصف أمريكي مرتين على قوافل سلاح متجهة لحماس. وهناك كذلك محور مكمل لهذه التسريبات هدفه واضح للغاية، وهو سد الفجوة بين موقف الدول العربية (الصديقة لأمريكا) السري والمعلن تجاه الإرهاب وتنظيم القاعدة. فإعلام هذه الأنظمة يهاجم بعض ممارسات أمريكا كمعتقل جوانتنامو، وتزعم هذه الأنظمة أحيانا أنها قادرة على معالجة واستيعاب قضية الإرهاب بأسلوب أكثر حكمة من أمريكا فأرادت هذه التسريبات أن تضع ظهر هذه الأنظمة إلى الحائط حتى تعمل في إطار الخطط الأمريكية في صمت بدون أي شقشقة أو إدعاء حكمة، فقد دارت التسريبات حول أن هؤلاء الحكام أكثر قسوة على الإرهابيين من أمريكا، فطالب حكام الكويت بالتخلص من معتقلي جوانتنامو من مواطنيهم أو إلقاءهم في أفغانستان ليموتوا هناك، واقترح حاكم السعودية وضع شرائح فى أجساد مواطنيه ليتم تتبعهم إلكترونيا، وكان الرد الأمريكي أن ذلك العمل مناف للقانون!!
وكان المفترض لهؤلاء الحكام بكل المعايير أن يستقبلوا مواطنيهم ويحاولوا إعادة تأهيلهم وإعادة دمجهم فى المجتمع! أما نصيب الأسد في هذا المجال فكان للرئيس اليمني الذي طالب بالحصول على عدة ملايين من الدولارات مقابل ذلك، وهذه أول مرة نسمع عن حاكم يتاجر بهذه الصورة الفجة في مواطنيه! أما قوله -الذي ستسير به الركبان- فهو اقصفوا اليمن، وسنقول أن القصف يمني!! وقد كنا نستنتج ذلك وقد ذكرت أكثر من مرة في مقالاتي أن القصف الجوي بطائرات بدون طيار فوق اليمن هو قصف أمريكي، أما عندما نقرأ ذلك في وثيقة رسمية على لسان حاكم اليمن فهو دليل دامغ على خسة حكامنا ومدى تدهورهم وانحطاط حسهم الوطني والعجيب أنه لما سقطت طائرة أمريكية على سواحل اليمن، أعلن اليمن أنها طائرة إيرانية!!. وقد نال حكام باكستان شيئا مماثلا حيث سمحوا بقوات أمريكية مقاتلة على أرض باكستان سرا، وأن القصف الجوي الأمريكي يتم في باكستان بموافقتهم. وكذلك حكام الجزائر الذين سمحوا بطائرات تجسس أمريكية فوق أرض المليون شهيد!! بحثا عن أفراد القاعدة!! هذه عينة من حبات عقد المذلة الرسمية العربية، لأن مواجهة جماعات العنف من مواطنين داخل الدولة، هى مسئولية وطنية، وهي لا تعالج بأساليب العنف المضاد للإرهاب فحسب ولكن ببحث الأسباب العميقة وراء هذه الظاهرة، وإن خيانة هؤلاء الحكام هي أساس الظاهرة، ولكن كيف للخونة أن يعالجوا المشكلات الناجمة عن خيانتهم ؟!!
رسالة هذه التسريبات تقول لهؤلاء الحكام لتواصلوا العمل معنا (الولايات المتحدة) بدون ادعاءات وطنية أو سيادة أو حكمة، وبدون برطمة!!
*******
ومع ذلك، ورغم كل ذلك.. تظل تسريبات ويكيلكس لعبة تكشف قلة حيلة وخيبة وسائل معسكر الشر الصهيونية- الأمريكي، وهى لن تفيد أمريكا كثيرا، لأن الصراع المكشوف مع الأمة العربية- الإسلامية هو الذي سيحسم النتائج النهائية، على يد المقاومة العربية-الإسلامية، وأن الحكام العرب الموالين لأمريكا سيظلون هكذا بين شقي الرحى حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

2 التعليقات:

غير معرف يقول...

??????????

غير معرف يقول...

المفروض إن الناس تبتعد عن نظرية المؤامرة شوية مش كل حاجة نشكك فيها وايه المشكلة يكون وراء الموضوع ده عمل استخباراتى كبير هل الوثائق صحيحة أم لا المفروض نحاسب المتورطين فى التصريحات مش نحاسب اللى طلعوا التصريحات بالعكس احنا عاوزين واحد زة الراجل بتاع ويكى ليكس يطلع المستخبى انا حاسس ان المقال ده فيه مجاملة للانظمة العربية.

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن