9/30/2010

بين الإسلام والدنيوية (كتاب بقلم الدكتور / مجدي قرقر)



مـدخل

في محاولة لإجهاض المشروع الحضاري الإسلامي والذي أوشك أن يكون حقيقة بعد أن كان حلمًا يداعب الكثيرين اشتدت الهجمة الشرسة للرافضين للحل الإسلامي فسودوا الصحف والمجلات ضده وبثوا دعاواهم المسمومة من خلال أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية عاملين بهذا على طمس هويتنا الإسلامية انتصارًا لمشاريعهم التغريبية.

د. مجدي قرقر

بسم الله الرحمن الرحيم

{ إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون}
(يوسف 40)
******

إهـداء



إلى زوجتي التي عانت معي وتحملت معي وعني في سبيل الرسالة التي نؤمن بها والتي جاء هذا الكتاب مترجمًا ومعبرًا عنها... أهدي هذا الكتاب.



ندعو الله أن يتقبل عملنا هذا وأن يكون خالصًا لوجهه.





تقديم



بقلم الدكتور/ محمد عمارة



في حديث أجرته إحدى المجلات الشهرية، مع قائد إحدى الدول العربية - وهو مسلم، يحكم شعبًا مسلمًا، ليست فيه أقليات دينية- سألته المجلة عن رأيه في تطبيق الشريعة الإسلامية؟.. فكانت الإجابة التي أدهشتني.. بل وأذهلتني - وإن كنت لم أجد سبيلاً للتشكيك في نسبتها إلى هذا الحاكم المسلم.. لأن المجلة ناطقة باسم نظامه، وممولة من خزائنه؟! - ..



كانت الإجابة التي قال فيها: لا.. إن الله في السماء، ونحن في الأرض نصنع ما نشاء؟!..



وبعد الدهشة.. والذهول.. فكرت في مضمون هذه الإجابة، فاكتشفت أنها التعبير الدقيق والصريح عن كل الذي يقول به العلمانيون؟!.. فما العلمانية والعلمانيون إلا الدعوة والدعاة إلى عزل السماء عن الأرض، والكفر بالله كمدبر ومنظم وحاكم في الاجتماع الإنساني والعمراني والبشري – وإن آمن به كثير منهم كخالق للعالم والإنسان فهم يقفون بفعله، سبحانه وتعالى، عند مجرد "الخلق"، منتزعين منه، سبحانه، سلطات الحكم والتدبير والتشريع؟!..



إنه موقف كل تيارات العلمانية، وسائر مذاهب العلمانيين، ذلك الذي عبر عنه هذا الحاكم العربي المسلم بحدة كشفت وعرت "النموذج العلماني" حتى من "ورقة التوت"؟!..



فنحن إذا استثنينا "العلمانية – المادية"- التي يتبناها الماديون والدهريون الملاحدة- فإننا سنجد فيها تيارًا غالبًا يؤمن بالله خالقًا لهذا الكون وما فيه ومن فيه، ويعبد الله بأداء المناسك والشعائر الفردية.. وقد يكون منهم ورعون ومتنسكون في الشعائر والمناسك والطقوس.. ولكنهم يعزلون الذات الإلهية عن تدبير شئون العمران البشري وحكم الاجتماع الإنساني، قاصرين الحكم والتدبير في هذه الميادين الدنيوية على "العقل.. والتجريب" وحدهما؟!.. أي أنهم جاحدون للشريعة، متميزون عن المؤمنين بها، الذين يدعون إلى التدرج في تطبيقها وتهيئة المجتمع لهذا التطبيق.



وهم، هنا، إذا شئنا رأي الإسلام فيهم: مؤمنون بالله، خالقًا للكون.. وكافرون به كمدبر وحاكم في شئون الدنيا والدولة والاجتماع والسياسة والاقتصاد، وغيرها من شئون وميادين العمران.. فهم ليسوا كفارًا بإطلاق.. وليسوا بكاملي الإيمان.. إنهم مؤمنون ببعض الكتاب وكافرون ببعضه الآخر؟!..







******



والحقيقة التي لابد وأن يعلمها هؤلاء العلمانيون – ومنهم جمهور مخدوع لا يعلم هذه الحقيقة – أنهم في إيمانهم بالله، سبحانه وتعالى، قد زيفت عليهم صورة الإله!.. فنموذج الألوهية الذي يؤمنون به ليس هو النموذج الحق الذي علمنا إياه القرآن الكريم، وبينت لنا صفاته وأسماءه سنة رسولنا، صلى الله عليه وسلم..



نعم هم يؤمنون بالله.. ويعبدونه.. لكن علمانيتهم قد جعلتهم "يشركون" مع الله "طواغيت" جعلوها الحاكمة والمدبرة، دون الله، في الاجتماع البشري والعمران الإنساني.. فهم – في الحقيقة – التي لا يعلمها كثيرون منهم – صنف من "المشركين".. يسيرون على درب أسلاف لهم من القدماء، آمنوا بالله خالقًا.. وكفروا به مدبرًا وحاكمًا.. وأشركوا معه، بل وأحلوا محله وبدلاً منه، في تدبير الدولة والدنيا والعمران طواغيت جعلوا الاحتكام، في تدبير العمران، إلى مرجعياتها، بدلاً من الاحتكام إلى الشريعة الإلهية التي هي المرجعية الإلهية في حكم وتدبير الدولة والدنيا والعمران؟!..



*****



إن فارقًا كبيرًا بين "الماديين – الدهريين"، الذين يجحدون وجود الله بإطلاق.. ويقولون – كما عبر عن مذهبهم القرآن الكريم: {وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر..} – الجاثية" 24.. فارق بين هؤلاء وبين "المشركين" الذين يؤمنون بالله، لكنهم يعزلونه عن التدبير في بعض الميادين، ويشركون معه آلهة وطواغيت وشركاء يتحاكمون إليهم في حكم هذه المساحات بدلاً من مرجعية الشريعة الإلهية التي تجسد حاكمية الله وتدبيره في كل ميادين وعوالم الوجود، وفي العمران البشري والاجتماع الإنساني على وجه الخصوص..



فالتصور الوثني الجاهلي للذات الإلهية، لم ينكر وجود خالق لهذا الوجود، ولكنه وقف في تصوره لعمل هذا الخالق عند حدود "الخلق".. ثم أشرك معه شركاء آخرين في "تدبير" شئون الحياة الدنيا، كان يحتكم إليها "الوثنيون – المشركون" في السلم والحرب، والسفر والحضر، والإقدام والإحجام.. وفي كثير من ميادين الحياة والعمران.. تمامًا كما يصنع العلمانيون، الذين يؤمنون بالله خالقًا.. ثم يحتكمون، في تدبير شئون الدنيا والدولة والعمران الإنساني إلى غير الشريعة التي وضعها، والتي تجسد إرادته وتدبيره ومعاييره في حكم هذه الميادين!..



إن القرآن الكريم لم ينع على هذا التصور "الوثني – الجاهلي" إنكار الخالق للوجود.. وإنما نعى عليه الوقوف بعمل هذا الخالق عند حدود "الخلق"، دون آفاق "التدبير" في كل ميادين الوجود وسائر شئون العمران.. {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن: الله، قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون} – الزمر: 38.



ففي هذا التصور "الوثني – الجاهلي – المشرك" إيمان بالله، "خالقًا" لهذا الوجود، وعزلاً له عن "تدبير" شئون الدنيا، وإحلال "الشركاء" محله، وبدلاً منه في هذا "التدبير".. تمامًا كما هو حال التصور العلماني، الذي يؤمن بالله، خالقًا للوجود، لكنه يعزله عن "تدبير" الدنيا والدولة والعمران، مستبدلاً "العقل.. والتجريب" بالشريعة الإلهية، وذلك بدلاً من جعل "العقل.. والتجريب" سبلاً مؤمنة بهذه الشريعة، وعاملة على الاجتهاد فيها والتطوير لما فيها من فروع ومتغيرات!.. فالعلمانية تحل "العقل.. والتجريب" محل الشريعة، أي بدلاً من الله.. بينما "الإسلامية" تجعل من "العقل.. والتجريب" ومعهما "الوحي.. والوجدان" سبلاً للمعرفة، تتأزر وتتكامل في هداية الإنسان إلى سعادة الدنيا والآخرة..



فهل يعلم العلمانيون الدرب الذي يسيرون في تصورهم لذات الله، سبحانه وتعالى؟!..



وكذلك نجد الحال مع التصور "الأرسطي- اليوناني" لذات الله.. فهو شبيه بهذا التصور "الوثني- الجاهلي- المشرك".. فهو يتصور الله خالقًا لهذا العالم.. لكنه يزعم أن الله، بعد خلقه للعالم، قد ترك تدبيره للأسباب المادية الذاتية المودعة والمركبة فيه.. فعلاقة "الخالق" بالوجود – في هذا التصور- "علاقة منطقية". كعلاقة المقدمة بالنتيجة.. وليست كعلاقة الراعي المدبر لشئون هذا الوجود؟!.. فإذا جاء التصور العلماني للذات الإلهية، وآمن بالله خالقًا للوجود، وبالدين عقيدة وشعائر وعبادات.. ثم "حرر" العمران الإنساني والاجتماع البشري- في السياسة والاجتماع والاقتصاد ومناهج البحث والقيم – من "الشريعة الإلهية"، ومن ضوابط ومعاييرالتدبير الإلهي لهذه الميادين.. فإنه، في الحقيقة – رغم مرارتها – إنما يسير بأصحابه – العلمانيين – على درب "الوثنية – الجاهلية – المشركة" في تصور الذات الإلهية.. وهي حقيقة قد لا يعلمها كثير من العلمانيين؟!..



إن التصور القرآني للذات الإلهية، يتميز عن التصورات "المشركة".. فهو تصور "التوحيد"، و"الوحدانية" في أرقى وأنقى صورها.. ولذلك، فهو لا يقف بنطاق عمل الذات الإلهية عند حدود "الخلق" فقط لهذا الوجود، وإنما يجعل الله، سبحانه وتعالى، الراعي والمدبر والحاكم- بقضائه.. وشرعه – لكل شئون الحياة، وسائر ميادين العمران..



فهو "الخالق" وهو "مدبر الأمر".. {إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه، ذلكم الله ربكم فاعبدوه، أفلا تذكرون} يونس:3



وله، سبحانه وتعالى، "الخلق" و"الأمر" – أي التدبير – {ألا له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين} الأعراف:54



وهو، سبحانه، الذي "خلق".. وهو الذي "هدى".. {قال فمن ربكما يا موسى قال ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} طه:49، 50



هذا هو التصور الإسلامي للذات الإلهية.. الذي تتنكب العلمانية والعلمانيون طريقه، عندما يريدون الله خالقًا معزولاً عن تدبير شئون الدنيا والدولة والاجتماع والعمران.. ويريدون الدين عقيدة وعبادات، لا شريعة فيه ولا قانونًا يضبط دنيا الناس.. وهم عندما يتنكبون طريق التصور الإسلامي للذات الإلهية، إنما يسيرون – دون أن يدري كثير منهم – على درب "الوثنية –الجاهلية" القديمة، تستوي في ذلك "وثنية – العرب" و"وثنية – اليونان" ؟!..



تلك هي "الحقيقة المرة"، التي تضع العلمانيين في "سلة الشرك"، وإن لم تضعهم في "سلة الدهرية".. فهم، بهذه العلمانية، مؤمنون بالله "خالقًا"، وكافرون به "مدبرًا" للعمران الإنساني.. وعندما يعرض موقفهم هذا على التصور القرآني للذات الإلهية نجدهم قد آمنوا ببعض ما جاء به القرآن في هذا التصور، وكفروا – كفر جحود.. أو كفر جهل – ببعضه الآخر.. فهم ليسوا كفارًا بإطلاق.. وليسوا كاملي الإيمان.. وإنما – بإشراكهم الشركاء مع الله في حاكمية التدبير للدولة والدنيا – "مشركون"، يسيرون على درب المشركين القدماء؟!..



إن "مرارة" هذه الحقيقة قد تكون مفاجأة لقطاع كبير من العلمانيين.. لكن.. هل تسهم هذه "المرارة" في إيقاظهم من الغفلة؟.. أم يظلون في غيهم سادرين؟!..



إن "المعادن" و"المقاصد" هي معايير التمييز في هذا المقام.. ففارق بين أصحاب "الاجتهادات الخاطئة".. وبين "العملاء الحضاريين".. فولاء الأولين لوطنهم وأمتهم – والإسلام هو سياج هذا الوطن.. وهوية هذه الأمة وحصنها في الملمات وأمام كل التحديات.. أما الآخرون، فإن العلمانية هي سبيلهم إلى كسر شوكة الإسلام – حصن الأمة وهويتها – وطريق الاختراق والهيمنة والتبعية والإلحاق!..



ولقد صدق موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام "جمال الدين الأفغاني" (1254- 1314هـ ، 1838- 1897م) عندما قال: "إن المقلدين للتمدن الغربي، إنما يشوهون وجه الأمة، ويضيعون ثروتها، ويحطون من شأنها.. إنهم المنافذ لجيوش الغزاة، يمهدون لهم السبيل، ويفتحون لهم الأبواب"؟!..



فهل يفيق العلمانيون من هذا "الخسران"؟!.. خسران الدنيا والآخرة.. الذي وضعهم على طريق "التبعية للغرب" في "الحضارة".. و"التبعية للشرك" في "التصور لذات الله"؟!..



إن الآمال كبيرة في أصحاب "الاجتهاد الخاطئ".. وإن لم تكن كذلك في "العملاء الحضاريين"!..



******



وإذا كان الحوار مع المخالفين – في الرؤية الإسلامية – يتعدى حدود "الفضيلة"، إلى حيث يصبح "فريضة" على القادرين عليه تجاه هؤلاء المخالفين.. فإن ما في المكتبة الإسلامية المعاصرة من عشرات الكتب التي تتناول علاقة الدين بالدولة والمجتمع، في الرؤية الإسلامية، إنما تمثل سبل وأدوات في هذا الحوار بين الإسلاميين والعلمانيين.



وإذا كانت كثير من الدراسات التي كتبت في هذا الموضوع قد توجه بها أصحابها إلى "النخبة" و"الصفوة".. وكثير منها قد جاء كتبًا كبيرة.. فإن ميزة هذه الدراسة – التي نقدم لها – والتي كتبها الدكتور/ مجدي قرقر- .. أنها تتوجه بمنطق متميز، وحجة واضحة – وفي إيجاز وتركيز- إلى مختلف المستويات.. فللنخبة وللخاصة فيها نصيب، ولجمهور القراء فيها زاد كبير وحظ عظيم. ونحن نأمل أن تؤتي هذه الدراسة ثمرتها الطيبة، إن شاء الله.. فهي كلمة طيبة، يوجهها عقل مسلم مخلص إلى من يستمعون القول فيتبعون أحسنه. وهي، بقدر ما تفتح من سبل الرشاد أمام العلمانيين.. فإنها تقدم الحجج التي تحصن عقول الإسلاميين..







والله من وراء القصد.. منه نستمد العون والتوفيق.



دكتور/ محمد عمارة



==================================

مـدخل



في محاولة لإجهاض المشروع الحضاري الإسلامي والذي أوشك أن يكون حقيقة بعد أن كان حلمًا يداعب الكثيرين اشتدت الهجمة الشرسة للرافضين للحل الإسلامي فسودوا الصحف والمجلات ضده وبثوا دعاواهم المسمومة من خلال أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية عاملين بهذا على طمس هويتنا الإسلامية انتصارًا لمشاريعهم التغريبية.



والرافضون للحل الإسلامي فريقان.. الفريق الأول هم (الماديون) نسبة إلى المادة.. وهؤلاء هم أصحاب النظريات المادية من شيوعيين ووجوديين ولا دينيين وهؤلاء يجدون في الإسلام منافسًا خطيرًا بل يعدونه العدو الأول لهم.. وهذا الفريق ليس هو المعنى بهذه الدراسة.. والفريق الثاني للأسف أخوة لنا في الإسلام (الدنيويون) أو ما اصطلح على تسميتهم بـ(العلمانيين) وهم الذين نحاورهم في هذه الدراسة(8).







إشكالية المصطلح:



ينطق الكثيرون مصطلح (العلمانية) بكسر العين إما عن جهل وإما عن خطأ مقصود حتى ينسبوها إلى العلم.. وكأن الإسلام ضد العلم!! وهذا المصطلح ترجمة غير دقيقة للكلمة الإنجليزية (Secularism) المشتقة من (Secular) بمعنى عالمي أو دنيوني.. ولذا فإن النطق النطق الصحيح هو (العلمانية) أو (العالمانية) بفتح العين نسبة إلى العالم أو الدنيا حيث إن أساس عقيدتهم هو الفصل بين الدين والدولة أو الفصل بين الدين والدنيا لذا قد يكون من الأنسب استخدام لفظ (الدنيوية) كما ذهب إلى ذلك الأستاذ عباس العقاد فهذا الإصطلاح أدق في تصوير دعاواهم ولا يحتمل النطق الخطأ أو المعنى الخطأ بالتالي.



يقول عادل حسين.. إن الدنيوية ليست (شتيمة) بطبيعة الحال ولكنها تحديد لمنهج في الحياة الاجتماعية يعتز به أصحابه ولا ينكرونه.. والدنيوية لا تعني بالضرورة انكارًا صريحًا للدين وكفرًا بالله لكنها تعني أن هذا الجانب الغيبي وكل ما ينشأ عنه مسألة شخصية لا تدخل في تحديد العلاقة بين الناس ولا ينبغي أن نقحمها عند مناقشة قضايا المجتمع والحكم والتنمية.. إن الفرد قد يرى أن حياته في الدنيا هي معبر للآخرة أما المجتمع فلا ينبغي أن يقيم نظمه على أساس هذا الاعتقاد بل يجب أن يحصرهم في أمور الدنيا ومن هنا تكون صفة الدنيوية(2).



خلاصة القول إن الدنيويين ينادوون بالفصل بين الدين والدولة.. فهم يقصرون الدين على العبادات وعلى ما يدعو إليه الوعاظ من مكارم الأخلاق.. والمسجد عندهم لم يخلق إلا للصلاة وعلى بابه تترك دينك وأنت تلبس الحذاء.







الدنيوية.. النشأة والجذور:



وإذا كان الإسلام لا يعرف ثنائية الدين والدولة فإن الفكر المسيحي يقر هذه الثنائية ويقسم الحياة بين الله تعالى وبين قيصر.. (اعط ما لقيصر لقيصر وما للرب للرب).. إلا أن رجال الدين في أوروبا في العصور الوسطى خرجوا عن هذه المبادئ المسيحية وكونوا طبقة تسيطر وتستعلي وتضطهد وتتعصب بربطهم بين الدين والدولة واستغلالهم لمناصبهم اعتمادًا على مبدأ (الكهنوت) في المسيحية حتى إنهم اضطهدوا الفكر ونشروا الجهل والخرافة تدعيمًا لمراكزهم التي كانوا يحرصون عليها.. ومن أوروبا ومع بدايات هذا القرن انتقلت الدنيوية لبلادنا عن طريق بعض المستشرقين وبعض الدارسين العرب في أوروبا بعد أن عادوا لبلادهم.



إن ربط الدين بالدولة في أوروبا في العصور الوسطى أدى إلى انهيارها وانحطاطها ولكن ربط الدين بالدولة في عصور الإسلام الزاهرة مكنه من أن يمتد من الصين حتى الأندلس.. هذا الربط أدى إلى ازدهار الفكر وتحرير الناس من جاهليتهم حتى ازدهرت الحضارة الإسلامية على أطلال حضارة الفرس والرومان.. وتعلوا نقارن بين تركيا في ظل الإسلام وتركيا في ظل الدنيوية لندرك الفرق.. تركيا الآن غارقة في ديونها.. رئيسها سال لعابه لحفنة دولارات حتى وإن تطلب هذا الوقوف ضد المسلمين كما حدث أثناء أزمة الخليج الثانية.. تركيا في ظل الدنيوية أصبحت مركزًا للقوات الأوروبية لضرب الدولة الإسلامية.. فلنقارن بين هذه الصورة وبين تركيا عاصمة الخلافة التي أعزها الله بالإسلام.







منهج وأساليب الدنيويين:



قد يكون من المفيد التطرق في عجالة إلى أساليب الدنيويين التي ينتهجونها لدعم مشاريعهم التغريبية ومحاربة المشروع الحضاري الإسلامي.



إنهم يعلنون أنهم مؤمنون ويحترمون جوهر الدين ولكنهم ينشدون الإسلام المستنير (وكأننا نطالب بالإسلام المظلم) الذي يفصل بين الدين والدولة لينطلق العقل في إبداعه لأن التمسك بالإسلام كمنهج حياة يحول دون ذلك.



ولكن هل يكتمل إيمانهم وهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض؟!



{أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون.. أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون}.. (البقرة 85- 86).



ويتظاهرون باحترام المقدسات وأن ما ينتادون به لمصلحة الدين نفسه (وكأنهم أوصياء على هذا الدين) وغيرة منهم على جوهر الدين بعيدًا عن السياسة (وهي كلمة حق يراد بها باطل).



ويعتمدون في منهجهم على الهجوم على رموز العمل الإسلامي واتهامهم بالإرهاب والتطرف وبأنهم يوظفون الدين لتحقيق مكاسب سياسية وبهذا يقيمون حاجزًا من الكراهية وعدم الثقة بين الناس وبين هذه الرموز(6).







الرافضون للحل الإسلامي







ولقد قسم الدنيويون الأدوار فيما بينهم وتقاسموا المعاول لهدم أي إنجاز في المشروع الحضاري الإسلامي.. هذا وقد حاولنا في هذه الدراسة تجميع الشبهات والانتقادات التي يوجهونها للمشروع الإسلامي في محاولة لجمع الرافضين في سلة واحدة بعد أن نرفع الأقنعة من فوق وجوههم.







1- المرجفون:



بمعنى "المضطربون" وهؤلاء ودعاواهم كثيرة ومتفاوتة أقصاها إنكار جانب الشريعة من الإسلام وقصره على جانب العقيدة والعبادة بالمعنى الضيق(4) فإذا فشلوا في ذلك افتعلوا الشبهات الواحدة تلو الأخرى والتي سنحاول التعرض لها في بقية الدراسة.



والمرجفون بإنكارهم جانب من الدين يلغون مئات الآيات القرآنية المتعلقة بالأحكام والتي قدرها الإمام الغزالي بخمسمائة آية وخالفه ابن دقيق في هذا التقدير وقال إن مقدار آيات الأحكام لا تنحصر في هذا العدد بل هو يختلف باختلاف القرائح والأذهان وبما فتح الله به من وجوه الاستنباط حتى من الآيات الواردة في القصص والأمثال(6).



ومن هنا تتضح مغالطة الدنيويين فليست كل آيات الأحكام في التوحيد والعبادات فهناك أحكام البيع والربا والزواج والطلاق والمواريث والقصاص والحدود وأحكام السعي في الأرض فسادًا إضافة إلى أحكام القتال والجزية والخراج.. وإذا أمعنا النظر في القرآن والسنة وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين سنجد العهود والمعاهدات والرسائل والبعثات كما سنجد القضاء في المسائل المدنية والتجارية وكافة الأمور الحياتية للمسلمين ودولتهم.



حتى أمور العبادات لا يمكن فصلها عن شئون الدولة وخططها.. فتحصيل الزكاة وتوزيعها على مصارفها الثمانية مسئولية الدولة وولي الأمر.. وزكاة الركاز أو الثروات الطبيعية تصل نسبتها إلى الخمس أي عشرين في المائة.. وهذه الموارد الطبيعية هي موارد سيادية في الدول الإسلامية وتحت تصرف الأنظمة والحكومات الحاكمة.. إن حصيلة الزكاة من البترول فقط – وهو واحد من هذه الثروات الطبيعية – يصل إلى ثلاثين مليار دولار سنويًا لو قامت الدول الإسلامية بإخراج الزكاة الخاصة به.. هذه الحصيلة يمكن أن تكون عونًا لأطفال الحجارة وللشعب المسلم المجاهد في البوسنة والهرسك.. ويمكن بها مواجهة المجاعات التي تهدد دول الإسلام في بنجلاديش والصومال.. ويمكن أن نوجهها إلى الدول الأفريقية والآسيوية المسلمة التي تعجز عن مواجهة إغراءات حملات التبشير.. ثم إنه يمكن بها تحرير الدول الإسلامية المدينة من هيمنة الدائنين.. إن هذه الحصيلة ملك لكل المسلمين في كل ديار الإسلام.. هل يمكن لدنيوي أن ينكر أن هذه من أمور الدولة والتي نظمها الإسلام؟ وهل تفرض دولتهم الدنيوية مثل هذه الزكاة؟ أي فصل هذا الذي ينادون به بين الدين والدولة؟.. لكنهم المرجفون..!!



وعندما يعجز المرجفون عن الواجهة تجدهم يتخبطون.. هذا أحدهم يعلن (أنا لست من دعاة فصل الدين عن الدولة كما أنني أعتقد أن كل دين هو دولة.. ولكن السؤال هو.. هل السياسة جزء من الإسلام؟.. وفي وجهة نظري أن السياسة نشاط من الأنشطة التي تمارسها الشعوب أو تمارسها الجماعة المسلمة ولكنه ليس هو الوجه الأساسي والرئيسي ويجب ألا نعتبره جزءًا من الإسلام)(5).. حتى وإن اتفقنا معه في أن السياسة ليست هي الجزء الأساسي والرئيسي؟ فهل يعني هذا أنها ليست جزءًا من الإسلام؟ أم أنه من الضروري أن تكون الوجه الأساسي والرئيسي حتى يعتبرها جزءًا من الإسلام؟!!.. يعود فيضيف (إن النظام السياسي الإسلامي لم يكن صحيحًا وثبت لنا فشله لأنه كان جزءًا من التاريخ ولا يجوز لنا أن نغير الوضع التاريخي وأن نقدم نظامًا حديثًا يلائم العصر الحديث ويتفادى الأخطاء القديمة).. وبعد هذا اللغط يتساءل في موضع آخر (ما المقصود أن السياسة جزء من الإسلام؟ وهل يعني ذلك أن السياسة ركن من اركان الدين أم يعني أن السياسة جزء من التاريخ الإسلامي؟).. وحتى يستريح المرجفون نجيب بأن الإسلام دين ودولة.. والسياسة تدخل في النسيج الإسلامي بحيث لا يمكن فصلها فهي في القرآن والحديث والسنة والسيرة وفي التاريخ الإسلامي(6).



يقول الدكتور محمد عمارة(7).. والدولة رغم أنها ليست فريضة قرآنية ولا ركنًا من أركان (الدين) إلا أنه لا سبيل في حال غيابها إلى الوفاء بكل الفرائض القرآنية الاجتماعية والواجبات الإسلامية الكفائية التي يقع الإثم بتخلفها على الأمة جميعًا.. فوجوب (الدولة) إسلاميًا راجع إلى أنها مما لا سبيل إلى أداء الواجب الديني إلا به ومن هنا تأتي علاقة (الدولة) وعلاقة (السياسة) بـ(الدين) في نهج الإسلام!.. إنها (واجب مدني) اقتضاه ويقتضيه (الواجب الديني) الذي فرضه الله على المؤمنين بالإسلام.







2- المتحفظون:



وتحفظهم على الحكومة الدينية (الثيوقراطية) بمعنى حكم رجال الدين والذين يستمدون سلطاتهم من الله رغم أن نظرية الحق الإلهي قد انتهت وحلت محلها نظرية أن الشعوب أو الأمم هي مصدر السلطات.



والإسلام لا يعرف الحكومة الدينية بهذا المعنى.. لا يعرف الحكومة المفوضة من الله والتي لها حق اتخاذ القرار بسلطان الدين لأن الإسلام لا يعرف الكهنوتية وليس فيه رجال دين وإنما فيه علماء دين متخصصون في علوم الدين.. أكثر من هذا فإن الإسلام لم يشترط في حاكم المسلمين أن يكون أكثر الناس معرفة بعلوم الدين أو أكثرهم تدينًا وسماحة أخلاق.. بل إن كثيرين من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا لا يقلون تدينًا أو ورعًا عن أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي.. وهكذا كانت القاعدة الإسلامية تعيين الأكفأ والقدر على العمل بصرف النظر عن شدة الورع أو كثرة التدين إمتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم (من ولي من أمر المسلمين شيئًا فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله).. ويضيف الدكتور عبد القادر عزيز(3).. يكفي أن نستمع لرأي الإمام ابن تيمية في كتاب (السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والراعية) وهو يقول (الواجب في كل ولاية الأصلح بها، فإذا تعين رجلان أحدهما أعظم أمانة والآخر أعظم قوة قدم أنفعهما لتلك الولاية وأقلهما ضررًا فيها.. فيقدم في إمارة الحروب الرجل القوي الشجاع وإن كان فيه فجور على الرجل الضعيف العاجز وإن كان أمينًا).



إذن فالإسلام لا يعرف الحكومة الدينية ولكنه يعرف الحكوة الإسلامية.. وهي أن يحكم المجتمع المسلم طبقًا للمبادئ الإسلامية.. لا كهنوت في الإسلام.. بل شريعة تحكم الجميع وعلماء المسلمين وكذلك الحكام ليسوا بمعصومين.



يقول الدكتور محمد عمارة(11).. بديل الدولة الدينية هي الدولة اللادينية وبديل الدولة المدنية هي الدولة العسكرية.. القضية أن كل إنجاز بشري هو مدني.. حتى المسجد والكنيسة مؤسسات مدنية لم ينزل بها الوحي.. والقضية الخلافية هي المرجعية.. الدولة في كل النظم مؤسسات مدنية يبدعها الناس ويضعها البشر.. والقضية الخلافية التي يدور حولها الجدل والمناظرة هي مرجعية الدولة المدنية.. هل هي القانون الوضعي فتكون الدولة المدنية علمانية تفصل الدين عن الدولة أو أن يكون القانون هو الشريعة الإسلامية وحاكمية السماء لهذه الدولة – انتهى الدكتور عمارة – وهنا فإننا نعتقد أن نموذج الدولة الأخيرة هو نموذج للدولة المدنية الإسلامية.



ورغم توضيحنا السابق بأن الإسلام لا يعرف حكم رجال الدين ولا يعرف الكهنوتة، فإننا نود أن نسأل لماذا لا يقر الدنيويون بالسلطة لبعض علماء المسلمين مع أنهم يقرون بالسلطة لرجال الجيش والشرطة والمخابرات وحكومات التكنوقراط؟ أليس ذلك دليلاً على أنهم يغلبون هوى نفوسهم؟ ثم هل كان رسول الله رجل دين أم رجل دولة حينما خاض سبعًا وعشرين غزوة وسير ثماني وأربعين سرية دفاعًا عن النفس والمال والدين؟ وهل كان رجل دين أم رجل سياسة حينما ذهب إلى الأسواق وراسل الملوك والرؤساء وعقد المعاهدات؟ ألم تنفذ الحدود بأمر منه وتحت إشرافه؟(8).



لا كهنوت في الإسلام.. وعلماء المسلمين وكذلك الحكام ليسوا بمعصومين فهذا أول الخلفاء الراشدين أبو بكر الصديق يخطب غداة مبايعته بالخلافة (أيها الناس.. إني وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وإن أخطأت فقوموني.. أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم). أين إذن الحكم بالحق الإلهي الذي يتحفظون عليه؟









3- المتحججون:



ودعاوى هؤلاء أيضًا كثيرة فهم بين متحجج بغياب النموذج وبين من يحتج على الإسلام ببعض النماذج وبين متحجج بتعدد المذاهب الفقهية الإسلامية.







(3-1) المتحججون بغياب النموذج (المحرفون للتاريخ):



وهؤلاء يتساءلون أين الفترة التي يحكم فيها بالدين الصحيح طوال ألف وأربعمائة عام؟.. إن واحدًا في المائة من هذه الأعوام ناصرت الدعوة للدولة الدينية وتسع وتسعين في المائة ناصرت ما ندعو إليه وهو الدولة المدنية(11).. (نلاحظ هنا استمرار مغالطتهم في وصف نموذج الدولة الإسلامية بالدينية ونموذج الدولة العلمانية بالمدنية)..



هؤلاء الدنيويون كما يقول الدكتور محمد عمارة(11) يستقون معلوماتهم من حكايات "ألف ليلة وليلة".. إنهم يدعون أن التاريخ الإسلامي كان ظلامًا بعد الخلافة الراشدة باستثناء سنتين ونصف لعمر بن عبد العزيز وتسعة شهور من الخلافة العباسية.. ويضيف د. عمارة.. إن كل العلوم الإسلامية شرعية ومدنية بنيت على الخلافة الراشدة.. كل تيارات الفكر الإسلامي لم تنشأ إلا بعد الخلافة الراشدة.. كل المذاهب الفقهية لم تنشأ إلا بعد الخلافة الراشدة.. كل ما نتيه به على الدنيا وما تتلمذت عليه أوروبا والغرب واستخدمته في النهضة لم ينشأ إلا بعد الخلافة الراشدة.. من الذي يقول إن تاريخ هذه الأمة كان ظلامًا؟.. العلماء.. المفكرون.. الفتوحات.. نشر الإسلام.. نشر العربية.. كل هذا الثراء عرفناه بعد الخلافة الراشدة.. فقط الذين يرجعون إلى ألف ليلة وليلة هم الذين ينظرون هذه النظرة إلى التاريخ الإسلامي.







(3-2) المتحججون ببعض النماذج:



ويظن هؤلاء أنهم قد ضربوا الإسلام في مقتل.. فيتساءلون.. أي إسلام تنشدون؟ إسلام النميري في السودان أم إسلام الخميني في إيران أم ضياء الحق في باكستان؟.. ألا ترون أن الحل الإسلامي قد فشل في هذه الدول فلماذا تطالبون به؟



ونود أن نسألهم.. هل لديكم مؤهلات الحكم حتى تسارعوا بإطلاق الأحكام؟.. ثم حتى وإن افترضنا صحة حكمهم في بعض هذه التجارب أو كلها.. من الذي قال إن هذه الأنظمة حجة على الإسلام.. إن الإسلام يحتج به ولا يحتج عليه.



وإذا كان هؤلاء المتحججون مخلصي النية ولا يضمرون للإسلام شيئًا فلماذا لا نكون موضوعيين ونستفيد من هذه التجارب في تطبيق وتأصيل الحل الإسلامي بدلاً من هدمه.



والمتحججون يكيلون بكيلين.. إذا فشلت بعض النظريات المادية أو المذاهب صاروا يلتمسون الحجج والمعاذير لها.. وإذا جانب الحل الإسلامي بعض الصواب في بعض الدول رفعوا له السكاكين.. لقد فشلت تجربة عبد الناصر الاشتراكية فالتمسوا لتجربته العذر بأن المحيطين به هم الذين أضروا به.. ولقد فشل السادات في نظريته الانفتاحية فاتهموا القطط السمان بأنها كانت وراء ذلك وسقطت الشيوعية بعد ما يزيد على السبعين عامًا فقالوا إن العيب في التطبيق وليس في النظرية.. أما الحل الإسلامي فإنهم يتعجلون الحكم حتى وإن لم يطبق إلا منذ سنتين أو ثلاث.. وإذا جانب الحل الصواب فإنهم لا يلقون بالتبعة على أصحاب التجربة بل يلقون بالتبعة على الإسلام ذاته..







(3-3) المتحججون بتعدد المذاهب الفقهية (المشككون):



وهؤلاء جاوزوا سابقيهم في التطاول فيسألون.. أي إسلام تريدون؟.. إسلام مالك أم أبي حنيفة أو إسلام الشافعي أم ابن حنبل؟..



وكأن الإسلام أكثر من إسلام.. ورغم سوء النية في تساؤلهم إلا أنه لا مانع من التوضيح:



* إن الأئمة متفقون في غالبية الأحكام وإن اختلفوا في بعض التفاصيل والهيئات فهذا دليل على عظمة الإسلام وصلاحيته لكل زمان ومكان.. (إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة).







* ثم إنهم من القوم المطففين كما قلنا والذين يزنون بميزانين ويكيلون بمكيالين فإذا اختلفوا في تفسير القوانين الوضعية فهو حلال.. بل ويقنن هذا الاختلاف فهناك المحاكم الجزئية ثم هناك الاستئناف.. وهناك واضعوا الدستور وهناك المحاكم الدستورية.. ولكنهم في حالة الاختلاف في تفسير القوانين الوضعية يغضون الطرف وفي حالة اختلاف الفقهاء في بعض التفاصيل يفتحون عيونهم على آخرها لرصد أي تقصير في الحل الإسلامي ليشبعوه تشكيكًا وانتقادًا.







ثم إننا نتساءل.. ألا يختلف أساتذة القانون الوضعي في تفسير هذا القانون؟.. ثم ألا يختلف الفنيون فيما بينهم من أطباء ومهندسين ورجال الجيش والاستراتيجية؟







* يستشهد الدكتور محمد صلاح الصاوي(6) بقول أحد الماركسيين.. يقول مكسيم رودنسون الكاتب اليهودي الفرنسي (الحقيقة إن هناك ماركسيات كثيرة بالعشرات والمئات.. ولقد قال ماركس أشياء كثيرة.. ومن اليسير أن نجد في تراثه ما نبرر به أية فكرة!!).



وهنا نود أن نسأل.. لماذا تحللون عشرات النظريات والمناهج داخل المدرسة الوضعية الواحدة وتستكثرون علينا وجود عدة أئمة من المسلمين.



من هنا تتضح حقيقة المتحججين أو المشكيين إذا تحرينا الدقة.. إنهم يريدون أن يقولوا إن الإسلام غير متفق عليه وأن تطبيقه على مدار التاريخ قد أثبت فشله الذريع وإخفاقه التام وأن تطبيق الإسلام يرجع بنا إلى عهود الظلام(6).. إذن فالمطلوب أن نخلع رداء الإسلام.. ولكن أي رداء نلبس؟ رداء العم سام أو رداء الرفقاء الحمر أم لا رداء على الإطلاق؟



لقد قالها أحدهم.. فليتفق الإسلاميون فيما بينهم أولاً وأنا هنا من المنتظرين وعندما يتفقون فأنا معهم عندئذ.. إنه مجرد تسويف.. (اذهب أنت وربك فقاتلاً إنا ها هنا قاعدون..) حتى وإن اتفق كل علماء الأمة.. حتى وإن اتفقت كل التيارات الإسلامية فإنهم سيظلون على شكهم يتحججون ويشككون ويتشككون.. {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} (121) الأنعام.. نعوذ بالله من هذه العاقبة.







4- المسوفون:



ويزعم هؤلاء أن تطبيق الشريعة يحتاج إلى تأن وصبر وروية حتى يمكن إعداد المجتمع إعدادًا كافيًا لتقبل أحكام الشريعة.



إن هذا الإدعاء مجرد مسكن حتى ينسى الجائع آلام بطنه فيكف عن طلب الطعام.. ثم إن هذا الإدعاء لا يعني إسقاط الدعوة بقدر ما يعمل على تعميقها ومد نطاقها.



يجب أن نعد المجتمع أولاً.. هكذا يقولون.. مثلهم من يدع المريض ليشفى وحده بدون دواء.. وتعالوا نفحص المريض حتى نضع أيدينا على مكمن الداء والخطر.. ويمكن إجمال أمراض المجتمع التي تعرض لها الدكتور علي حسنين(4) فيما يلي:



1- أمراض في العقيدة: مدعو النبوة – الاستعانة والنذر لغير الله – الجماعات الخارجة عن الإسلام – التفريط أو الغلو الممنوع في الدين.



2- أمراض سياسية: الوجودية – الشيوعية – الماركسية – المذاهب الوضعية في نظام الحكم والإدارة.



3- أمراض اقتصادية: الربا – التضخم – ضعف الإنتاج – قلة الدخول – الفقر.



4- أمراض اجتماعية: التفكك الأسري – الاغتصاب – بيوت الدعارة – إسفاف الإعلام.



وعندما نقول إن الحل الإسلامي هو الدواء لكل هذه الأمراض يأتي جهابذة المسوفين فيقولون (لايمكن تطبيق الحل الإسلامي قبل تحقيق العدالة الاجتماعية) رغم أن العدالة الاجتماعية لن تتحقق إلا في ظل الإسلام.









5- المتدرجون:



وهؤلاء ينادون بالتدرج ولكن ليتهم ينتقلون من مرحلة النداء إلى مرحلة التطبيق.



منذ عشرات الأعوام وهم ينادون بالتدرج ولا يتدرجون.. تسألهم أين برنامجكم للتدرج في التطبيق؟ لا تحظى منهم بغير الشعار.. تسألهم ماذا اتخذتم من خطوات؟.. يقولون (علينا ببناء الفرد.. ابدأ بنفسك وأسرتك أولاً).. وكأن بناء الفرد يتعارض مع الحل الإسلامي ولا يمكن أن يسير متوازيًا معه.. تسألهم ما هو حصاد ثلاثين أو خمسين عامًا من التدرج؟.. هنا يصيحون في غضب (عليك بالصبر والأناة..!!).



إن المناداة بالتدرج في تطبيق الشريعة دون خطوات عملية وبرنامج للتطبيق ما هو إلا تسويف لتعطيل الشريعة والوقوف ضد الحل الإسلامي.



إن مجتمعنا رغم وجود بعض المرتدين والمنافقين فيه إلا أنه مجتمع مسلم وليس كالمجتمع الجاهلي في مكة.. ثم إننا نتزوج ونطلق ونرث ونورث ونوصي بمقتضى كتاب الله وسنة رسوله وكل هذا يفند حجة التدرج؟.. ورغم أن الكاتب ليس مفوضًا بالحديث من قبل التيار الإسلامي إلا أنه يستطيع أن يزعم أن الكثير منهم لا يعارض التدرج إذا توافرت النوايا المخلصة وأخذت خطوات فعلية في هذا الطريق.







6- القاعدون:



ويدعي القاعدون أن القوانين المطبقة حاليًا تتفق مع الشريعة بنسبة 95% ويمكن تنقيتها من مواد قليلة تخالف الشريعة حتى إن المستشار محمد سعيد العشماوي كتب يقول (إن الدعوة لتطبيق الشريعة هي دعوى بدون داع وصيحة لا مبرر لها). هكذا حسبوها.. ولكن بعضهم ذهب لأكثر من هذا بأن الشريعة مطبقة بنسبة 99%.. أما كيف حسبوها وبأي مقياس فإنهم لا يستطيعون جوابًا.. يحاول المستشار محمد سعيد العشماوي الإجابة(5): فيقول (إن الشريعة تعني المنهج ويوجد فارق بين أحكام الشريعة والفقه ورغم هذا فلفظ الشريعة يستعمل الآن ليفيد معنى الفقه.. إن أحكام الشريعة الواردة في القرآن الكريم تتضمن أحكامًا في الأحوال الشخصية يعني الزواج والطلاق والمواريث وكلها مطبقة، وحكم واحد في المدني في تحليل البيع وتحريم الربا، وأربع عقوبات فقط هي حد السرقة وحد الزنا وحد القذف وحد الحرابة وقطع الطريق والحد الأخير هو بذاته العقوبة الموجودة في القانون المصري وهي الأشغال الشاقة المؤبدة أو الإعدام.. وبهذا يكون عندنا ثلاث عقوبات فقط غير مطبقة وهي (حد الزنا وحد السرقة وحد القذف).. هكذا حسبها المستشار العشماوي.. ولكن حتى وإن وافقناه على أن الشريعة غير الفقه فمن قال أن الشريعة ملزمة والفقه غير ملزم خاصة إذا أكدته السنة والإجماع.. على أى حال فلقد اعترف المستشار العشماوى بعدم تطبيق حدود الزنا والسرقة والقذف وسكت عن عدم تحريم القانون الحالى للتعامل بالربا بل وتقنينه لها .



إن زعم القاعدين بأن القوانين المطبقة تتفق مع الشريعة زعم باطل فهناك قوانين برمتها تخالف الشريعة مثل : قانون العقوبات ـ الحدود والقصاص ـ القوانين التى تسمح بتعاطى وجلب وتداول الخمور ـ القوانين التى تبيح الميسر ـ القوانين المنظمة لدور اللهو ـ المواد التى تبيح الربا فى القانون المدنى ـ الاتفاقات التى تبيح القروض وفوائدها ... كما أن القوانين الحالية سكتت عن كثير من الأمور باعتبارها مباحة مثل : الإعلام الهابط ـ اللهو الماجن ـ العرى ـ السفور ـ الاختلاط(8).



نأتى إلى دعوى القاعدين أن القوانين الحالية يمكن تنقيتها من مواد قلية تخالف الشريعة .. هكذا .. فبعد أن قطع مجلس الشعب المصري فى دورة 1979 شوطًا كبير فى تقنين الشريعة اختفت هذة القوانين فى مكتب رئيس المجلس السابق د. رفعت المحجوب وأنكر معرفته أو علمه بهذه القوانين ودعى إلى أن يكتفى بتنقية القوانين الحالية متبنيًا دعوة القاعدين.. ورغم أن هذه الدعوة لتنقية القوانين الوضعية مما يخالف الشريعة هى مجرد تلفيق وترميم لا يمكن الموافقه عليه إلا أنها أيضا لم تحظ باهتمام أى من المجالس السابقة.



ونود هنا أن نسأل القاعدين.. ألم تذهبوا إلى مؤتمرات مجمع البحوث الإسلامية؟ ألم تقرأوا توصياته؟ ألم تسمعوا عنها؟ لقد طالبوا بتحكيم شرع الله فى مؤتمرات 1963، 65، 66، 68، 71، 1977... وإذا كانت الشريعة مطبقه بالفعل فلماذا أجهدت هذه المؤتمرات نفسها طوال ثلاثين عامًا؟(6).. كما أن الحكم فى قضية تنظيم الجهاد أقر صراحة ( بأن أحكام الشريعة الإسلامية غير مطبقة فى مصر).



إن القاعدين من فقهاء السلطة يغيبون وعى الأمة ويكتمون ما أنزل الله لذا يحذرهم القرآن { إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنًا قليلا أولئك ما يأكلون فى بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم }..(174 البقرة )



فليقعد القاعدون وحدهم كما يحلو لهم.. ولكن التيار الإسلامى يجب ألا يكون مع القاعدين حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولا.

7ـ المبرمجون:



ويهتم هؤلاء المنادين بالحل الإسلامى بأنهم لا يقدمون برنامجًا تفصيليًا لحل المشكلات(11).



إن الأزمة التى تواجه الأمة ليست أزمة برامج وتفصيلات بقدر ما هى أزمة إدارة سياسية وأزمة قيادة واعية مسلمة .



حاش لله أن نقارن مع شريعته شئ ولكن الحركات الأيديولوجية التى يتغنى بها الدنيويون لم تعن إلا بالأيديولوجية أو العقيدة (فى مصطلحاتنا الإسلامية) والمبادئ العامة.. فالثورة الفرنسية رفعت شعارات (الحرية ـ الإخاء ـ المساوة) .. والشيوعية لم تهتم إلا بالمبادئ العامة.. ولذا فإن الدنيويين يكيلون بكيلين ففى الوقت الذى يطالبون فيه الإسلامين بتقديم برنامج فإنهم لا يلزمون أنفسهم بهذا حتى إن (ماركس) عندما أرسل ببعض الخطابات لأحد أصدقائه متضمنة بعض البرامج التفصيلية عاد وتنكر لها ووصف هذا بأنه نوع من الرجعية(6).



وحتى لا يساء الفهم فإن التيار الإسلامى لا يهرب من صياغة برامج تفصيلية إلا أنه يعتبر هذا شيئًا غير مطلوب مرحليًا خاصة وهو بعيد عن مقاعد الحكم ولكن المطلوب هو تقديم إطارات عامة للقضايا المختلفة خاصة فى ظل غياب المعلومات الكاملة .



ثم إن أغلب المشكلات الموجودة حاليًا مرتبطة بالمناهج والأساليب الوضعية التى تتخذها حكومتنا الدنيوية.. أى أنه ليس مطلوبًا من التيارات الإسلامية تقديم حلول وبرامج تفصيلية لمشاكل لم تتسبب فيها فى ظل مجتمع غير إسلامى .



إن أسلوب القطعة أو أسلوب الترميم أسلوب مرفوض لذا فإن التيارات الإسلامية ومنها حزب العمل ـ على وجه الخصوص ـ لن يتم إلا فى ظل مناخ إسلامي فأي حلول يقدمها التيار الإسلامي حاليًا هى حلول جزئية ومرحلية وما هى إلا مجرد مسكنات حيث إن الحل يجب أن يكون شاملاً فليس من المقبول أن تحل مشاكل الشباب بعيدا عن التعليم والإسكان والبطالة وغيرها... وغاية القول إن أسلوب القطعة مرفوض ولا يصلح إلا كمسكن ولفترة مرحلية (9).



وإذا افترضنا صحة اتهام السادة المبرمجين فلماذا لا يدلون بدلوهم ويساعدون فى وضع البرنامج ماداموا مسلمين ومفكرين؟!.. وإذا كانوا غير متحمسين فلماذا لا يدعون المتحمسين من المجتهدين لوضع هذا البرنامج بدل من تضييع وقتهم فى معارك جانبية معهم ؟..(8)



ورغم كل ما سبق فإن حجة المبرمجين غير صحيحة فلقد انتهى مجلس الشعب المصري عام 1982 من بعض قوانين تقنين الشريعة (المعاملات المدنية- العقوبات والحدود والتعزيرات – التجارة البحرية)..(4).. إلا أن مشروعات هذه القوانين قد ضاعت أو ضيعت في درج مكتب الدكتور المحجوب رئيس المجلس السابق.



حقيقة المبرمجين أنهم يحاولون استدراج التيار الإسلامي إلى الدخول في تفاصيل ليست لها قداسة المبدأ.. فإذا وجد البرنامج وسألتهم هل ستلتزمون؟.. يقولون نناقش أولاً.. وبعد ذلك يرفضون باعتبار أن هذا من قبيل الاجتهادات البشرية في فهم النصوص ولا يكونون بذلك خارجين عن الإسلام.. بل وكسبوا كثيرًا من الوقت.









8- الوكلاء (حماة الأقليات):



وهم يتحدثون عن الأقليات وكأنهم قد حصلوا على توكيلات منهم للدفاع عنهم.. يقول أحدهم (لا يقبل أحد منا أن ينقسم هذا الوطن وأن يشعر فريق من المواطنين قل أو كثر بالخوف من أن يحكم بعقيدة الآخرين ويشعر فريق آخر بالزهو للحكم بعقيدته)(11).. ثم يضيف (نحن لا نعرف سوى هوية المواطنة).. هؤلاء الوكلاء يتباكون على وحدة الوطن ولكنهم في حقيقتهم يسعون لشق صف الأمة وهدم وحدتها.



يقول الدكتور محمد يحي(10) (يدهشنا العلمانيون باستنادهم المطلق إلى حجة الوحدة الوطنية فهم ورثة العلمانيين الغربيين الذين حاربوا المسيحية حربًا مريرة.. لقد أنكروا كتبها المقدسة ووصفوها بالأساطير وسخروا من عقائدها الرئيسية بل وشككوا في وجود مؤسسها نفسه وأعلنوا حربًا شعواء على كل قيمها وأخلاقها وطاردوا كهنتها في كل مكان بنزعة تعرف في التاريخ الأوربي الحديث باسم العداء للإكليروس) ويضيف (إن المسيحيين بالنسبة للعلمانيين ليسوا أكثر من ورقة تستخدم للإثارة لحساب المرتدين الكفار من اللادينيين).



لقد تفنن مدعو حماية الأقليات في ابتداع الشبهات فهم يلقون في روع المسيحيين أن حقوقهم في المواطنة لا يمكن ضمانها في ظل الحكم الإسلامي.. وهذا قول مردود عليه فلقد تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الأقليات غير الإسلامية في مجتمعه حتى مع اليهود والمشركين وهم أشد الناس عداوة ولم يكرههم على اعتناق الإسلام ووسعتهم معاهدته على أن لهم حرية العقيدة والتدين وأن ليهود المدينة ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.. ثم إنه صلى الله عليه وسلم تزوج مارية القبطية واستوصى بأقباط مصر خيرًا فإن لهم عهدًا ورحمًا كما أنه قد قال: "من آذى ذميًا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته فأنا خصمه يوم القيامة".. ونحن نعلم جميعًا كيف قضى عمر بن الخطاب للقبطي ضد ابن عمرو بن العاص قائلاً له اضرب ابن الأكرمين وقائلاً لعمرو "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"(1).



وإذا سقطت شبهة الدنيويين السابقة يسارعون بالإضافة (كلا إن حقوق الأقليات في المشاركة السياسية والاجتماعية لا يمكن ضمانها إلا في ظل نظم دنيوية).. وهو قول لعمري غريب بدليل أن النظم الغربية الدنيوية (الوضعية) لم تنصف أبدًا الأقليات العرقية أو الدينية.. ولنتأمل في وضع الزنوج في أمريكا ووضع المسلمين في الدول الشيوعية قبل سقوطها.. ولننظر في وضع الأيرلنديين في بريطانيا ولنمعن النظر في وضع الأقليات المسلمة في بورما والهند والفلبين.



وهنا يأتي السادة الوكلاء من الدنيويين إلى حجتهم الأخيرة فيدعون أنه لا يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية أو الحكم بما أنزل الله لأن هذا يمثل مساسًا بحقوق هذه الأقليات في المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.. ولأن هؤلاء الوكلاء حريصون على الإسلام حرص أخوة يوسف على يوسف فإنهم يخشون أن ترفض هذه الأقليات تطبيق الشريعة فيثير هذا كثيرًا من الفتن والاضطرابات.. يا له من حرص ويا لها من طيبة قلب!!.. ولكنه قلب أسود يحقد على الإسلام.



وهنا سنفترض حسن نية السادة الوكلاء أو المفوضين – رغم عدم تأكدنا من ذلك – ونسألهم.. هل تتخلى الأغلبية عن هويتها ودينها ومقدساتها طلبًا لمرضاة الأقلية؟ أليس هذا نوعًا من الاستبداد؟.. ثم هل تقبل الديمقراطية التي تتشدقون بها هذا الاستبداد ؟.. ما رأيكم في لو أن الأقلية المسلمة في أمريكا أو حتى في الفلبين أو الهند طالبت الأحزاب الحاكمة بالتخلي عن برامجها لتطبيق الحل الإسلامي؟ أجيبونا يرحمكم الله.. قطعًا لن يجيبونا.



نعود فنسأل ما هو أقصى ما تطالب به الأقليات المسلمة في هذه المجتمعات؟.. ربما يطالبون بتأمين حقوقهم وأن يعيشوا وسط هؤلاء آمنين على دمائهم وأموالهم وأعراضهم.. ربما يطالبون بالسماح لهم بتأدية الفرائض.. أو حتى خروج صوت الأذان لخارج المسجد، ولكن حتى هذا الطلب الأخير سيرفضونه.. ولكن لماذا نسأل ونفترض ونجيب؟.. لماذا لا ننظر للواقع؟.. هل يستطيع المسلم الأمريكي مثلاً أن يتزوج أكثر من واحدة؟.. قطعًا لا يستطيع لأن قانونهم المسيحي أو الوضعي يحرم عليه ذلك.. في المقابل نجد أن الشريعة الإسلامية تمكن لهم أن يطبقوا شرعهم في مسائل الأحوال الشخصية فيما بينهم.. نعود فنسأل.. هل يستطيع المسلم الأمريكي أن يطالب المحاكم الأمريكية بتطبيق قواعد الميراث الإسلامية؟.. ثم إذا طلق المسلم الأمريكي زوجته هل يعطيها النفقة الشرعية أم أنه سيضطر لأن يعطيها نصف أمواله عند الطلاق احترامًا للقانون الأمريكي؟.. ورغم أن السادة الوكلاء حماة الأقليات مفتونون بالغرب إلا أنهم في هذه النقطة لا يفتنون ويحرضون الأقليات على الاعتراض على تطبيق شريعة الأغلبية.. أليس هذا نوعًا من الاستبداد؟



ومازال السادة المفوضون حماة الأقليات يشككون.. إذن فلنسوق لهم شهادة بعض أصدقائهم من المستشرقين لعلهم يصدقون.. يقول أحدهم ويدعى دوجوا فار (إن من أسباب سقوط الدولة العثمانية هو مبالغتها في إعطاء الحرية المذهبية للأمم المسيحية التي خضعت لها مما ساعدها على الانفصال).. ويقول بطريرك أنطاكية واسمه ماركوس (أدام الله دولة الترك خالدة إلى الأبد.. فهم يأخذون ما فرضوه من جزية ولا شأن لهم بالأديان.. سواء أكان رعاياهم مسيحيين أو يهودًا أو سامرة)(6)



يستشهد الشيخ صلاح أبو إسماعيل(1) بكلمة الأنبا شنودة التي ألقاها أمام الرئيس السادات يوم وضع حجر الأساس لمستشفى مار مرقس وهو يقول (إن غير المسلمين لم ينعموا بحقوقهم كاملة إلا في العصور التي ازدهر الحكم بالشريعة الإسلامية) ثم برهن الأنبا شنودة على ذلك بقوله (كان عمر يقضي بين علي بن أبي طالب ويهودي فقال عمر اجلس بجانب خصمك يا أبا الحسن حتى ننظر في القضية.. فعرف الغضب في وجه على فقال عمر إنها المساواة يا أبا الحسن بين الخصمين في مجلس القضاء فقال علي: ما غضبت لتحقيق المساواة وإنما لانعدامها فقال عمر وكيف ذلك فقال علي بن أبي طالب دعوتني بالكنية وقلت يا أبا الحسن والكنية تكريم وناديت الخصم بالاسم المجرد فلم تسو بيني وبينه حين أعطيتني من التكريم ما لم تعط خصمي).. والفضل ما رددته ألسنة من غير ملتنا.. (انتهى كلام الشيخ صلاح).. والشهادة من من؟.. من البابا شنودة بابا الكنيسة القبطية والمدافع عنها.. وأمام من؟.. أمام الرئيس السادات والمردد لمقولة (لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة) والذي سجل في كتابه (البحث عن الذات) أن مثله الأعلى مصطفى كمال أتاتورك.



يتضح من هذا أن الدنيويين يحرضون الأقليات ضد الأغلبية لزعزعة الاستقرار لغرض في نفس يعقوب قد أوضحناه.. إذن فهم يريدونها فتنة غير مبررة يزكون نارها.. ولكن نار الفتنة ستحرق الجميع فهل من مدكر؟ أم أن الأقفال مازالت على قلوبهم والغشاوة مازالت على عيونهم.





9- المغرضون (المتشدقون بالرحمة):





وهؤلاء يدعون أنهم رحماء وفي المقابل فنحن القساة غلاظ القلوب..



لهذه الدراسة مناسبة تتعلق بهذه الجزئية.. في عام 1988 كان لنا حوارات مع بعض الإسلاميين والدنيويين وكنا نرفع شعار تطبيق الشريعة لأننا نفهم الشريعة بمفهومها الشامل ولكننا كنا نفاجأ بالدنيويين يردون علينا (إذن أنتم تريدون قطع يد السارق وجلد الزاني).. هذا هو مفهوم الشريعة عندهم لذا فقد وجدنا أن المناداة بـ(الحل الإسلامي) لا يحتمل اللبس الذي يحتمله (تطبيق الشريعة) عند البعض.



المغرضون كما قلنا إما بسوء نية وإما لفهمهم القاصر يقصرونها على موضوع الحدود.. في المقابل فإننا عندما ننادي بتطبيق أو تحكيم الشريعة فإننا نقصد معناها العام بالتماس شرع الله في كل مناحي الحياة.. نقصد بتحكيم الشريعة (أن نرضى بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً) نقصد العمل على تحقيق مقاصد الشريعة كلها لتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها.. والمقصود هنا كل المصالح بأقسامها المختلفة:



أ‌- الضرورية (الدين – النفس – العقل – المال – العرض).



ب - حاجية (البيوع – سائر المباحات).



ج - تحسينية (ليكتمل بها كمال الأمة.. وهى إذا فقدت لا يختل نظام المجتمع ولا تصعب الحياة ولكن لا يظهر المجتمع والمسلمون بالمظهر اللائق بهم).



غاية القول أننا نفهم الشريعة على أنها نظام متكامل للحياة والحكم.. ولكن السادة المغرضين مصرون على موقفهم فيضيفون: إن الحدود والقصاص من العقوبات البشعة التى لا تتلائم مع مدنية هذا العصر لأن نظريات علم الإجرام والعقاب الحديثة تنظر إلى مرتكب الجريمة على أنه مريض يستحق الرحمة والعلاج لا مجرم يستحق العقاب .



وفى البداية وقبل أن ندخل فى حوار مع السادة المغرضين نسألهم.. هل أنتم مسلمون؟.. فإذا أجابوا بالإيجاب نسألهم أليس الله رب العالمين هو الذي قرر هذه العقوبات؟.. أليس الله هو الخالق وهو أدرى بخلقه؟.. فإذا عادوا وجحدوا ففي إسلامهم شك وننتقل معهم إلى الحوار العقلانى وندعو لهم بالهداية .



بماذا يستدل المتشدقون بالرحمة؟ بالنظريات الحديثة فى علم الإجرام؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍!.. إذن فهي نظريات والنظريات غير ثابتة وقابله للتغير والتبديل وقد سبقتها نظريات وسيتلوها نظريات طالما وجد الإنسان على وجه البسيطة.. ورغم هذا سنناقش نظرياتهم.. إن الله سبحانه وتعالى عندما شرع هذه العقوبات وهو الذى سوى النفس وألهمها فجورها وتقواها راعى العوامل النفسية التى تدفع مرتكب الجريمة إلى ارتكاب جريمته.. لذا فقد واجهها الشارع بالعوامل النفسية التى تقابل هذه العوامل وتتغلب عليها .



يسأل الدكتور محمد صلاح الصاوى: لماذا يسرق السارق؟.. ليحصل على المال لينفقة ويظهر بمظهر الوجهاء .. لذا فقد حذرة الشارع بأنه إذا سرق فسيقطع يده وستقل قدرته على الإنفاق ولن يتمكن من الظهور بمظهر الوجهاء لأن أثار العقوبة ستظل عالقة بيدة تحذر الناس منه (6).. وفى المقابل فإن الإسلام لا يقف فى وجه الكسب الحلال.



ما الذى يدفع الزانى إلى الزنا؟.. أليست الرغبة فى المتعة الحرام؟.. إذن فقد قابلها الشارع بعقوبة غليظة تصيب بدنه كله كما عمت المتعة الحرام بدنه كله (6).. وفى المقابل فإن الإسلام ينظم الغريزة ولا يكبتها ويحث على الزواج صيانة للأعراض وتحفظًا من اختلاط الأنساب وانتشار الأمراض.



إذن فالحدود فى الإسلام ليست عقوبات فقط ولكنها روادع وزواجر للناس كما أنها متنوعة ومناسبة لنوع الجريمة وحجمها.. فإذا كانت العقوبة هشة رخوة فإن مريد الحرام يوازن بين ما يتحقق له من جريمته وبين العقاب الذى ينتظره(6) .. وإذا كانت العقوبة هشة فإن مرتكب الجريمة يعتاد الإجرام حتى إن بعضهم يعود إلى ارتكاب جريمته عشرات المرات .



عند هذا يردد خصوم الإسلام من المغرضين شبهة أن الحل الإسلامى سيحول غالبية المجتمع إلى مجموعة من المعوقين والمشوهين نظرًا لانتشار الجريمة والتنامي المستمر فى معادلاتها.. يقولون كيف نقطع ربع أيدي المجتمع مثلاً وكيف نرجم أو نجلد نصفة؟.. وفي هذا القول مبالغة فى تصوير الواقع حيث يصور المجتمع على أنه عصابة من اللصوص والقتلة والسكارى والزناة.. وكما قلنا إن مجرد الإعلان عن تطبيق هذه العقوبات سيهبط بمعدلات الجريمة بدرجة كبيرة لأن هذه العقوبات ما هي إلا روادع وزواجر قبل أن تكون عقوبات.



إن تطبيق الحدود فى عهد الملك فيصل وطوال سنوات حكمه اقتصرت على قطع يدي اثنتين فقط فى طول المملكة السعودية وعرضها وكان مقابل هاتين اليدين قطع دابر السرقة من المملكة.. وفى المقابل فقد نشرت وكالة التحقيق الفيدرالية الأمريكية تقريرًا عام 1983 أوضحت فيه أن هناك جريمة كل ثلاث ثوانى فى الولايات المتحدة.. وأشار التقرير إلى أن هناك جريمة قتل كل سبع وعشرين دقيقة وجريمة اغتصاب كل سبع دقائق (وجريمة زنا كل لحظة بالطبع) وسرقة كل سبع وستين ثانية وسرقة سيارة كل إحدى وثلاثين ثانية وجريمة سطو كل عشر ثوان وسرقة أمتعة صغيرة كل خمس ثوانى(6).. فالفرق إذا بين المجتمع الإسلامى والمجتمع الغربي هو الفرق بين الشريعة والقانون أو الفرق بين العقيدة واللاعقيدة حتى نكون أكثر إنصافا.



إن القوانين الوضعية في المجتمعات الغربية لا تقضي على السرقة بل إنها تشجع مريدي الإجرام على التمادي فيها.. وليت السارق يقتصر على السرقة بل إن السرقة في أغلب الأحوال تكون مصحوبة بحوادث الاغتصاب والقتل حتى أن أغلب حوادث القتل فى أمريكا تكون ناجمة عن السرقات.



ثم إن الدين الإسلامى دين عملى لا يعرف السجون.. فالمجرم أو الجاني يقام عليه الحد وينخرط فى المجتمع يعمل مثله مثل غيره.. إنه نوع من السفه أن ننفق على المجرم ونبنى له السجون فيكون قد أضر بالمجتمع مرتين.



ثم إن هذه الحدود لها صورتها الدقيقة التى تضمن عدالة التطبيق ويحكم ذلك المبدأ الإسلامى (درء الحدود بالشبهات).. وهنا يتنطع المغرضون ويقولون (مادامت هذه الشروط صعبة التحقيق إذن فلا داعى لتطبيقها).. هنا يرد عليهم الدكتور على حسنين(4) (وماذا عن الاعتراف؟.. أم أنكم تفترضون أن أصحاب الضمائر الحية قد أنقرضوا).



ونود هنا أن نسأل المتباكي من الأولى بالبكاء عليه وطلب الرحمة له.. مرتكب الجريمة أم الذي أضير بها؟.. القاتل أم المقتول؟.. الوحش الآدامى أم التى انتهك عرضها؟.. اللص أم المجتمع الذى أضر به؟..







10ـ المتطورون (أنصار التحديث .. أدعياء المعاصرة):



وهذا الفريق يفلسف لشبهته بأن الحياة تتطور ولا ثبات فيها وفى المقابل فإن أحكام الشريعة ثابتة ولا مجال فيها للتجديد. هكذا يفلسفون وظنوا أنهم قد كسبوا ضد الإسلام جوله.. لذا فإنهم يعودون إلى ضلالهم القديم بأنه من الخير للإسلام أن يبقي عقيدة فى الصدور وشعائر فى دور العبادة وتترك أمور الحياة للقوانين الوضعية التى تستلهم واقع الحياة المتجدد.



ما من شك أن أحكام الشريعة منطقة مغلقة لا مجال للتطوير أو التجديد فيها وهو ما يتعلق بأصول العقيدة والأخلاق فهذا لا مجال فيه لتغيير أو تجديد.. فالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله لا مجال للاجتهاد فيه على سبيل المثال.. أما الفروع الجزئية والتفاصيل والذى لم يرد فيه نص من الكتاب أو السنة فهذه فى أغلبها تتسم بالمرونة والتجدد وهى ما تسمى (منطة الأدلة الظنية) ونادرًا ما تجد فيه (أدلة قطعية محكمة) ولقد أرادها الله كذلك فالله أدرى بخلقه والله أدرى بتطور الحياة من هؤلاء المتطويرين.. وهنا يكون مجال الاجتهاد ومجال الاختلاف.. واختلاف الفقهاء رحمة واسعة كما يقولون .



ثم نأتى لقطعه بأن الحياة فى تطور مستمر ولا مجال فيها للثبات.. وهذا الأمر على إطلاقه هكذا غير صحيح.. فالحياة فيها سنن واضحة لا تتغير ولا صلة للإنسان فيها، وفيها أحوال متجدده هيأ الله خلقه لها.



هناك أمور ثابته للحياة واجهتها الشريعة بأحكام قطعية محكمه ..



فميل الإنسان لاشباع غريزته أمرثابت لم يتغير منذ بدء خليقته ومن هنا كان حكم الشريعة ثابت لا يتغير وهو (تحليل الزواج وتنظيمه والحث عليه وفى المقابل تحريم الزنا ومعاقبة مرتكبيه).. أمر ثابت فى الحياة يقابله حكم قطعي محكم فى الشريعة.. ومن الأمور الثابتة أيضًا حب الإنسان للمال لذا فقد حلل الله الكسب الحلال وتنمية المال وحرم السرقة لما بها من أضرار لباقى العباد.



اذهاب الخمر للعقل أمر ثابت ومن هنا كانت الشريعة أحكام ثابتة لا تقبل التغير لمقابلة هذه الثوابت .



فإذا كان السادة المتطورون يريدون الاجتهاد والظنيات لتحقيق مقصد الشريعة في مصلحة العباد فإننا معهم فى هذا بشرط أن يكون هناك ضوابط للاجتهاد وأن يمارس من أهله ولا يخرج على الأدلة الشرعية وبشرط أن يتوافر فيه حسن النية وسلامة المقصد وإلا كنا محرفين لشرع الله. إن الله لطيف بعباده وحاشا له أن يكلف عباده ما لا يطيقونه وهو أدرى بخلقه وهو يريد بعباده اليسر ولا يرد بهم العسر. ونود أن نحذر الإخوه المتطوريين من المسلمين لأن تشكيكهم في وفاء الشريعة بحاجيات الإنسان هو تشكيك في الخالق عز وجل واتهام له – تعالى شأنه عن إفكهم – بالجهل والظلم وعدم الحكمة وفي هذا خروج عن الملة(6) .. فليحذر الإخوة الخوض في هذا إذا كان هناك بقية من إسلام.. وليحذروا المجادلة بحجة التجديد في الثوابت والقطعيات التي حسمها الشارع في نصوص محكمة.. وليحذر علماء المسلمين من الخضوع لأهواء هؤلاء بحجة التجديد والتطوير في شرع الله.. فإنهم للأسف قد يقولون بمبدأ المصلحة.. (أينما كانت المصلحة فثم شرع الله).. وهو قول صحيح بشرط ألا تتعارض المصلحة مع ما ورد فيه نص أو حديث أو إجماع.



الحقيقة إن السادة المتطورين – نسأل الله أن يعافينا ويعافيهم – يجدون في الشريعة كبحًا لجماح أهوائهم وأن أحكام الشريعة تقف حجرًا عثرة في وجه دعاة العربدة والتحلل لذا فإنهم يتهمون الشريعة بالجمود لأنها لا تتساير مع شهواتهم وأهوائهم إن السادة المتطورين لا يتعدون مجموعة من السكارى والفاسقين والمرابين وأصحاب الفن الرفيع (أقصد الخليع).. كما أنه من السادة المتطورين من تطور من الجنس الأول والثاني إلى الجنس الثالث (المتخنثاتون) حتى تكون جمع مذكر ومؤنث في آن واحد.







11- المتحررون والتقدميون:



يدعون أن النظام الإسلامي يعيبه الكبت.. وإذا كانوا يقصدون بالكبت الحجر على العقول ومنعها من التأمل والإبداع فهذا محض كذب أو افتراء لأن الإسلام يحث على طلب العلم ويحث على إعمال العقل والتفكير في خلق السماوات والأرض.



وإذا كانوا يقصدون بالكبت كبت الغرائز بمعنى أن الإسلام يقف ضد إشباع الغريزة والتنفيس عنها فهذا كذب آخر لأن الإسلام ينظم الغرائز ويهذبها ولا يكبتها وإلا لما أحل الله الزواج وتنمية المال وحث على حسن معاملة الأبناء والآباء.



أما إذا كانوا يقصدون بالكبت زجر النفس ونهيها عن الهوى والمحرمات فهذا صحيح ولا يصح الإسلام إلا به ونحن من أنصار الكبت.. وإلا فليجبنا المتحررون ماذا فعلت تلك الحرية؟.. حرية الانحلال ماذا فعلت بأوربا؟.. لقد فقد الإنسان معنى الإيمان فهو يعيش في شقاء نفسي لا ينجو منه إلا بالانتحار أو المخدرات(6).



يدعي السادة التقدميون أن الإسلام يعود بنا إلى عصور الرجعية.. نسألهم ماذا يقصدون بالرجعية.. إذا كان المقصود الانغلاق على بعض الأقوال الباطلة والعقائد الدخيلة والتي عرفتها الأمة في عصور الانحطاط والركود من كهانة وتواكل ودروشة وتقييد للفكر.. إذا كان هذا هو المقصود فإن هذا مرفوض ومنكر لأن الفرق التي تتبنى مثل هذا الفكر وبال على الدين.. أما إذا كان المقصود بالرجعية الاقتداء بالسلف الصالح في طلب الحق والاستفادة مما تركوه وهو ما يسمى (سلفية المنهج وعصرية المواجهة)(6).. إذا كان هذا هو المقصود فإننا نؤمن بهذا ونحن أول الرجعيين.. إذن فليس كل ما تعلق بالماضي مذموم ولا كل ما تعلق بالحاضر محمود بل العبرة بموافقة الشرع.. إذن فلنحذر اللعب بالألفاظ ولنسم الأشياء بمسمياتها.. فهذا الذي يسمونه فنًا ما هو إلا فجور وما يسمونه تحرر وتقدمية ما هو إلا حرية الفسق.



إنهم ينادون بالتحرر.. فإذا كان المقصود التحرر من عبودية كل شيء إلا العبودية لله فهذا ما ينادي به الإسلام ونحن معهم من الأحرار ونؤمن باستنكار سيدنا عمر (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟).



أما إذا كانوا يقصدون بالتحرر التحرر من العبودية لله والتحرر من تكاليف الأحكام والشرائع فهذا هو الخسران المبين.. إذا كانوا يقصدون التحرر من الدينونة لله فهذا دونية وانحطاط وليس تحررًا.. إنها عبودية للهوى وانقياد خلف الغرائز.. إنهم يقصدون بالتحرر تبرج المرأة.. يقصدون ممارستها البغاء مع من تشاء مادامت قد بلغت سن الرشد (18 عامًا).. هكذا تقول قوانين الغرب الوضعية التي يفتنون بها.. يقصدون بالتحرر إباحة الخروج عن الإسلام (الردة).. يقصدون الجرأة على المقدسات وإشاعة الرذيلة.. وإذا ارتفع صوت يعيدهم إلى رشدهم ألهبوا ظهره بالسياط واتهموه بمصادرة حرية الفكر وقتل طاقة الإبداع.



ثم إنهم يزيدون بأن الإسلام ضد التقدم والمدنية.. إذا كان المقصود بالتقدم تنشيط حركة البحث العلمي والتفكر في آيات الله واكتشاف أسرار التقنية فهذا يحث عليه الإسلام.. أما إذا كان المقصود نبذ التراث الإسلامي وتوظيف منجزات التقنية في الإغراء بالفواحش وإشاعة الفساد والكسب الحرام فهذا ما يرفضه الإسلام.



المنجزات العلمية في حد ذاتها لا هوية لها ولا جنسية ولا حكم في ذاتها بحل ولا بحرمة.. ولكنها إذا وظفت في المباحات كانت مباحة وإذا وظفت في الواجبات كانت واجبة وإذا وظفت في المحرمات كانت محرمة وهكذا(6).. جهاز الفديو على سبيل المثال إذا عرض فيه أفلام الرذيلة فهو حرام.. وإذا وظف في العوة إلى الإسلام فهو من الواجبات وإذا استخدم في تعليم العلم الدنيوي أو الترفيه البريء فهو من المباحات.. وهكذا.







12- المحرفون:



وهؤلاء يحرفون الكلم عن موضعه.. يقول المستشار محمد سعيد العشماوي في تفسير المادة الدستورية (الإسلام دين الدولة).. (معنى قيام الدولة على الإسلام أن يكون الإسلام مرعيًا في أعمال الدولة وأنشطتها وألا تكون مؤسسات دينية خارجة عن نظام الدولة نفسه.. والمؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية تعد من أجهزة الدولة ومؤسساتها.. فيعين رؤساؤها بواسطة رئيس الدولة كما أنها تمارس نشاطها وفقًا لقوانين الدولة غير مستقلة في ذلك عنها).. وهو بهذا يعكس الوضع.. فبدلاً من أن تستقل المؤسسات الدينية حتى يمكن أن تجتهد وتوجه وتفتي فيما يغيب عن الدولة وعن المسلمين بعيدًا عن هيمنة الدولة حتي يكون اجتهادها بعيدًا عن أي تأثير لأن الإسلام هو المرجع طبقًا للدستور فإن سيادة المستشار يدعو إلى تحكم الدولة في تلك المؤسسات الدينية إسلامية كانت أو مسيحية.. وإذا كانت المؤسسات المسيحية في مصر لها استقلاليتها عن الدولة فهل يدعو سيادة المستشار إلى هيمنة الدولة عليها؟.. وإذا كان لا يدعو إلى ذلك فلماذا يستكثر على الأزهر أن يكون مستقلاً عن الدولة بأن يكون شيخ الأزهر على الأقل بالانتخاب بدلاً من التعيين؟.. ويستمر المستشار في تفسيراته فيقول (إن الدستور لا يقصد الربط بين نظام الحكم والإسلام.. فالدولة ليست هي نظام الحكم).. وهنا نسأله.. إذا لم يكن نظام الحكم من أهم مهام الدولة في نظر السيد المستشار فماذا تكون مهام الدولة في نظره؟







يضيف المستشار العشماوي (إن ما يمكن تطبيقه من أحكام التشريع الإسلامي مطبقًا بالفعل وعطلات الدولة هي بذاتها الأعياد والمناسبات الدينية الإسلامية) وتأكيدًا لما ذهب إليه فإنه يستشهد بالغرب كعادة الدنيويين (وكل دول العالم الغربي تقوم بالفعل والواقع على المسيحية دين غالبية المواطنين فيها. فعطلاتها الأسبوعية والسنوية هي بذاتها الأعياد والاحتفالات المسيحية).. وطبقًا لهذه الرؤية فإن الدول التي تكون عطلتها الأسبوعية يوم الجمعة تكون دولة إسلامية وتلك التي عطلتها يوم السبت تكون يهودية.. ولكن ما رأي سيادته إذا غيرت انجلترا أو إيطاليا عطلة نهاية الأسبوع من الأحد إلى الجمعة؟.. ترى هل تتحول بهذا من المسيحية إلى الإسلام؟.. إنه التحريف الذي يحول الإسلام إلى (إسلام العطلات الرسمية الدينية).



13- المتحججون بالعنف:

وهؤلاء يصرخون.. نحن لم نر من التيار الإسلامي إلا إسالة الدماء وتمزيق الأشلاء والسطو على المحلات العامة وتهديد القانون وتمزيق الوطن بالفتن.. إذا كانت هذه هي البدايات فبئس الخواتيم(11).

يرد الدكتور محمد عمارة(11).. نحن ضد العنف.. لكننا يجب أن ندين عنف الدولة أيضًا.. من الذي يقول أن عنف الفرد أو الجماعة يوازي عنف الدولة.. الدولة عندما تمنعني من أن يكون لي حق التفكير والتعبير والتنظيم فهذا عنف ما بعده عنف وكل ما ترونه من العنف أنياب وأظافر للحركة الإسلامية عندما وضعت على المحرقة..

هنا يعاود الدنيويون اعتراضهم.. أليس التنظيم السري جزءًا من فصائل الإخوان.. وهل يدينونه اليوم أم لا.. ويستمر في تنطعه فيتحدث عن الأربعينيات هل مقتل النقراشي ومقتل الخازندار هي بدايات الحل الإسلامي الصحيح؟(11).

يجيب المستشار مأمون الهضيبي(11).. نحن نفخر ونتقرب إلى الله بالجهاز السري.. الجهاز الخاص أو السري هو جيش أعد أصلاً لكي يحارب الإنجليز في القناة ولقد ساهم بالفعل في جلاء الإنجليز ودماء شهدائنا مازالت موجودة هناك.. ثم هذا الجيش الذي ذهب إلى فلسطين بغير إكراه وبغير أن تجنده الحكومة لقد أريق دمه وأزهقت روحه ضد اليهود في فلسطين.. أما النقراشي فلقد حل جماعة الإخوان المسلمين وألقى القبض على المجاهدين العائدين من فلسطين.. ورغم هذا نحن لا نبرر قتل النقراشي كما أننا قد أدنا قتل الخازندار.. ولكن إذا جاء من يخرج عن الطوع ويرتكب حادثة يصبح جميع الإخوان إرهابيين...!!

نعود فنكرر.. التيار الإسلامي ضد العنف المضاد.. وضد أن ينسب عنف بعض التيارات إلى التيار الإسلامي كله.



14- المتعلقون بالفروع:

وهنا يرفع‍‍ البعض شعار الاشتراكية في مواجهة الإسلام مع أن الإسلام أول من طبق العدالة الاجتماعية بمفهومها الصحيح.. ولكن بقدر ما يقترب الإسلام من مفهوم العدل الاجتماعي بقدر ما يبتعد عن الاشتراكية العلمية التي عفا عليها الزمان وأثبتت فشلها في عقر دارها.. وهناك من يرفع شعار (الديمقراطية هي الحل) في مواجهة الحل الإسلامي ليس حبًا في الديمقراطية بقدر ما هو نكاية في الحل الإسلامي.. بدليل أنهم حتى عهد قريب كانوا يتغنون بالدكتاتورية ويهددون بالمعتقلات والسجون.. وبافتراض حسن نواياهم فإن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية لأن الشورى مبدأ أصيل في الإسلام.. ثم هم يرفعون شعارات الوطنية والعروبة والاستقلال والحرية وحقوق الإنسان.. مع أن الإسلام يستوعب كل هذا.. فلماذا نتعلق بالفروع والأهداب ونترك الأصل.

إن هذه الأفكار والتوجهات التي يتبناها المتعلقون بالفروع لا تتعارض مع الإسلام ولكنها جزء من كل وتحتاج إلى مساحة أكبر ربما نتعرض لها في دراسات أخرى.



خاتمة

ونود أن نؤكد للسادة الدنيويين أن الدليل على استجابة الشعب لبرنامج الحل الإسلامي.. أن أغلب الحركات الإسلامية في مصر وخارجها تبنت برنامج الحل الإسلامي وخاضت به انتخابات الاتحادات الطلابية والنقابات المهنية والمجالس التشريعية وكان لها الغلبة، بفضل الله وباقتناع شعوبنا المسلمة بضرورة الحل الإسلامي.

ولا يسعنا في النهاية إلا أن ندعو لأنفسنا ولرافضي الحل الإسلامي {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين}..

صدق الله العظيم.

******



المراجع



1- صلاح أبو إسماعيل،1987، "اتقوا الله في مقدساتنا ولا تلعبوا بالنار" جريدة الأحرار – القاهرة – 20 أبريل 1987، ص4

2- عادل حسين، 1989، "الدنيويون فقدوا أعصابهم!" جريدة الشعب – القاهرة – 11 أبريل 1989، ص4

3- د. عبد الغفار عزيز، 1989، "الإسلام السياسي بين الرافضين له، والمغالين فيه"، دار الحقيقة للإعلام الدولي – القاهرة، ص9– 29، 302.

4- د. علي حسنين، 1985، "ورقة ثقافية.. حتى لا تظل الشريعة نصًا شكليًا"، الزهراء للإعلام العربي – القاهرة ص23: 39، 123.

5- مستشار. محمد سعيد العشماوي، 1990، "حوار مع جريدة الأحرار"، جريدة الأحرار – القاهرة – 16 يوليو 1990، ص5.

6- د. محمد صلاح الصاوي، 1990، "قضية تطبيق الشريعة بين المبدأ ودعاوى الخصوم"، بيت الحكمة – القاهرة، ص83: 183، 219.

7- د. محمد عمارة، 1987، "قضايا إسلامية.. الدين والدولة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة، ص11: 65، 242.

8- د. مجدي قرقر، 1989، "الرافضون للحل الإسلامي"، جريدة الشعب – القاهرة 7 مارس 1989، ص12.

9- د. مجدي قرقر، 1992، "حوار مع صوت الشعب"، جريدة صوت الشعب – القاهرة – 19 يناير 1992، ص6.

10- د. محمد يحي، 1985، "ورقة ثقافية.. في الرد على العلمانيين"، الزهراء للإعلام العربي- القاهرة، ص41: 69، 105.

11- ندوة، 1992، "مصر بين الدولة الدينية والمدنية"، مجلة أكتوبر – القاهرة – 19 يناير 1992، ص35.

1 التعليقات:

my culther يقول...

من أجمل ما قرأت بخصوص تطبيق الشريعة الأسلامية

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن