5/06/2014

الإسلاميون يتحفظون على تجريد "ظلال" قطب

لجينيات.

الإثنين 5 رجب 1435 هجرى - 5 مايو 2014 ميلادى

صلاح الدين حسن
سيد قطب يحتل تفسير الظلال للشهيد سيد قطب أهمية كبيرة اكتسبها من حجم الذيوع والانتشار الذي حظي به ، وخاصة وسط شرائح كبيرة من جمهور الإسلاميين الذين تعلقوا بأفكار قطب ومقولاته والتي شكل رصيد تجربته في الثبات أمام سطوة السلطة عنصراً مهمًّا لإكسابها الشرعية والمصداقية.
الظلال الذي يعتبر العمل الأضخم والأبرز لقطب يعد مدونة شاملة لأفكاره وطروحاته، فما من فكرة أو إشكالية أنتجها قطب في مرحلة المحنة التي مر بها إلا وتجد لها أصداء وتوابع في الظلال، ولا يكاد يختلف أحد حتى ممن يعارضون الكثير من أفكار قطب حول القيمة الأدبية الرفيعة والأسلوب البلاغي الرائع الذي خط به صفحات وسطور الظلال.
وفي هذا السياق تأتي فكرة د.أيمن الجندي والتي طرحها من خلال موقع "إسلام أون لاين.نت" ودعا فيها إلى تجريد الظلال بحيث يتم تكثيف الأضواء على بلاغية وإنسانية الظلال ويتم تنحية الأفكار الخلافية التي تتسم بالحدة والغلو، توجهنا بدعوة تجريد الظلال إلى إسلاميين من اتجاهات مختلفة تكاد تشكل كل خريطة الطيف، وقد جاءت المواقف في غالبها الأعم رافضة للفكرة وحتى من تفهم الدعوة ولمح فيها بعض الفوائد اشترط حضور الظلال بكليته وأن يكون الفرز على هامش الظلال وألا يتم إزاحة بعض أفكار قطب وتهميشها عبر عملية التجريد.
الإخوان: دعوة مرفوضة
كان من المهم والضروري استطلاع آراء من داخل جماعة الإخوان المسلمين نظراً للعلاقة العضوية التي ربطت قطب بالجماعة؛ ولأن الظلال يعد في طليعة الأدبيات التي كانت تتربى عليها الأجيال داخل أروقة الإخوان ومحاضنها التربوية، وقد اخترنا أحد الشخصيات التي عاصرت سيد قطب وهو جمعة أمين القيادي التربوي في الجماعة بالإضافة إلى د.عبد المنعم أبو الفتوح القيادي الذي يصفه الكثيرون بالانفتاح والجرأة في طرح الأفكار الإشكالية، وينتمي أبو الفتوح إلى الجيل الوسيط في جماعة الإخوان، وبرغم ما قد يبدو من اختلاف في المواقع وزاوية النظر بين أبو الفتوح وأمين إلا أنهما اتفقا إلى حد كبير في الحاصل النهائي في الموقف من فكرة تجريد الظلال، فقد رفض جمعة أمين الدعوة ليس لأن آراء قطب معصومة بل لأنه ليس من حق أي مفكر أن يتدخل  في رأي مفكر آخر أيا ما كان الهدف من ذلك وإن كان من حقه نقده لا سيما إن كان هذا النقد مبنيا على دليل.

   
د. عبد المنعم ابو الفتوح
فقال جمعة أمين: "لا أحد يمنع أحدا من التعليقات على أي مما يقوله مفكر، وما أكثر ما كتب الشيخ القرضاوي في هذا الأمر، وله باع في نقد كتابات سيد قطب في بعض جوانبها، ولم ينقص الرجل حقه لكن لم نسمع عالما جليلا مثل القرضاوي يقول سأعيد كتابة الظلال وأستبعد ما يختلف عليه في فكر قطب".وعبر أمين عن غضبه وانفعاله خلال حديثه لنا، وأكد أنه "ليس من حق أحد أن يقترب من الظلال فذلك ليس من شأنه؛ لأنه ملك صاحبه، لكن من حق أي ناقد أن يكتب ما يريد وينسبه لنفسه ويسميه أي شيء آخر غير في ظلال القرآن".وكرر أمين "ليس من حق عالم أو مفكر أن يتدخل في فكر عالم أو مفكر آخر بالحذف أو بالتعديل، لكن من حقه أن يتدخل بالهوامش فهو يكتب الأصل ويعلق عليه بما يراه".واستشهد أمين بموقف "الأئمة الكبار مثل أبو الحسن وأبو يوسف -صاحبي أبى حنيفة- اللذين لم يفعلا ذلك مع أبى حنيفة وهما تلميذان له، لكن علقا على بعض ما اختلفا عليه معه وبقي المذهب على ما هو عليه إلى الآن وهما تلميذان له".وأضاف مستنكرا: "لم نسمع عن أديب ومفكر يلغي أصل كتاب؛ لأنه أصبح جزءًا من التاريخ يبقى علما ومجالا للحوار والنقاش".وشدد أمين على عدم قبوله للفكرة، وقال: "لا أحد يقبل الموافقة على هذا الأمر فلطارح الفكرة أن ينتقد؛ لأن هذا حقه خاصة إذا أكده بالدليل، ويكون هذا رأيه الذي يجب أن يحترم، ولكن ليس من حق أحد أن يغير في الظلال ولا حتى فقرة واحدة؛ لأن هذا منسوب لسيد قطب ولا يجوز لأحد أن يغير فيه مطلقا، ولم يحدث في التاريخ أن يعيد أحد أفكار أحد تحت نفس الاسم".
أما عبد المنعم أبو الفتوح فاعتبر أن ما يقال عن إعادة كتابة الظلال "غير منطقي" بل اعتبره "أمرا مضحكا"، وإن أقر مراجعة الأفكار ونقدها من حيث المبدأ "وهذا تم فعلا ويتم لكن لو تم حذف شيء فماذا أقول وقتها؟ هل هو كتابه أم كتابة سيد قطب؟".
الجماعة الإسلامية: مقبول بشرط
 الجماعة الإسلامية من أكثر الحركات الإسلامية تأثرًا بسيد قطب، بل إنه كان أحد الروافد الأساسية التي تغذت منها الجماعة واعتمدت عليها في تجربتها الأولى في صياغة أدبياتها.
القيادي في الجماعة الإسلامية عصام دربالة وصف هذه الدعوة بأنها "جيدة ومشكورة"، لكنه يرى أن "ما كتبه أي كاتب حق له أن يحافظ عليه، لكن من حق الآخرين أن ينقدوه فحق الكاتب أن تترك كتاباته كما هي، وحق الناس أن يقرءوا هذه الكتابات بما فيها من صواب ومن خطأ، وحق النقاد وأصحاب الفكر القادر على التقويم أن يقوموا بتصفية هذه الأمور وإبانة الجوانب المضيئة فيها، والتحذير من الأمور التي يمكن أن يساء فهمها أو ينظر إليها بمنظور غير صحيح"، ومن هذا المنطلق يرى دربالة أنه "يمكن أن يتم فرز المجوهرات وفي نفس الوقت يشار إلى النقاط التي أدت إلى الاختلاف مع قطب"، ولأن "قطب قامة فكرية عظيمة إلا أنه يجتهد ويخطئ ككل البشر"، ومن ثم "فالواجب علينا أن نظهر جوانب الصواب وجوانب الخلل في هذه الأطروحة أو تلك لكن بأدب جم".

 
 عصام دربالة القيادي فى الجماعة الإسلامية
ويلخص دربالة رأيه بقوله: "لكي تكتمل الفكرة المطروحة لابد ألا تقتصر على مجرد إظهار الجواهر، لكن يجب أن يتبعها من باب الأمانة العلمية تبصير الناس بالأمور التي يمكن أن يختلف مع الشيخ قطب فيها؛ وبالتالي نكون أعطينا لكل ذي حق حقه أعطينا للكاتب حقه في أن تطرح فكرته، كما أراد وأعطينا للقارئ حقه في أن يتعرف على جوانب الأمور المختلفة الإيجابية والسلبية وأعطينا أولي البصيرة والنقد الحق في أن يقيموا هذه الأمور بالمعايير المهنية الصحيحة".
قرقر: سيحدث خلل
ويقدر مجدي قرقر الأمين العام المساعد لحزب العمل المصري فكرة تنقية الظلال من "متفجراته"، لكنه يرى أنه لا بد أن يترك لكل قارئ أن يقرأ "قطب" بمنظوره الخاص، لكن "من المفيد أن يقرأ الباحث أو الدارس أو المتصفح في كتاب الظلال سيرة الشهيد سيد قطب بجوار الظلال حتى يعرف الظروف التي كُتب فيها الظلال"، ويقر قرقر أن الظلال يحتاج إلى توضيح وتفسير "فالظلال يحتاج إلى ظلال"، وتلح هذه الفكرة عند قرقر كلما قرأ الظلال فهو يشعر كأنه "في زمان صعب وقديم"، ويشجع دعوة تجريد الظلال بشكل عام؛ لأننا وفق رأيه نحتاج إلى رؤية نقرأ فيها الظلال وسيد قطب "الروح الآدمية والشاعرية التي كتب بها الظلال هذا الذي يبعث في النفس سكينة كبيرة ويرتقى إلى آفاق عالية".
 البشري: لا أفهم الفكرة

أما المؤرخ والمفكر المستشار طارق البشري فقد أبدى اعتراضه الشديد على الفكرة وتساءل: "أنا لا أفهم هذا، فكيف نعيد قراءة مفكر كتب وانتهى الأمر.. المفكر لا بد أن يفهم كلامه وفقا لما قصده لا وفقا لم يريده مفكر آخر"!.
 المؤرخ والمفكر المستشار طارق البشري
وبدا المستشار البشري شديد التمسك بموقفه وقال بلغة حاسمة: "الإسلام والمسلمون ينحازون إلى فكر المواجهة عندما يكون هناك عدو يتربص بهم، ولكن بمقارنة فكر حسن البنا مع فكر قطب سنجد أن فكر البنا كان فكر انتشار، أما فكر قطب فهو فكر خندقة وفكر محارب يحافظ دائما على الحدود الفاصلة بين أنصاره وأعدائه، والفرق بينهما هو الفرق بين فكر السلام وفكر الحرب" ويشدد البشري على "أنه ليس علينا إلا أن نحلل كلامه ونسعى إلى توظيفه.. كيف نسكت عن كلام لم يقله قطب وأننا نقول إنه لم يقله"؟.
السلفيون مسألة صعبة
لا شك أن تنقية الظلال ممكنة ولكن هذه مهمة شاقة جدا هكذا يقول الشيخ عبد المنعم الشحات (الداعية السلفي)، ويستشهد الشحات على صعوبة ذلك بقوله: "من تدبر في مختصرات "مدارج السالكين" لينتزع منها ردود ابن القيم على الهروي، وليس لكي ينتزع منها بعض أقوال ابن القيم نفسه يجد أنه لم يفلح في المحافظة على أسلوب ابن القيم إلا عبد المنعم صالح العزي فيما نعلم، فما بالنا بمن يحاول انتزاع جزء من أفكار الكاتب الأصلية".
ويرى الشحات "أن الأفضل لصاحب الدعوة أن يوصي بطبع كتاب في بيان أخطائه معه، وأن يظل تداوله مع ذلك قاصرا على طلبة العلم".
ولكي تكون الفكرة واقعية وتؤتي الأكل المرجوّ منها يقترح الشحات أن "يقوم الكاتب بكتابة تفسير جديد يستلهم فيه طريقة سيد قطب مع مراجعة كتب التفسير السلفية، وحبذا لو ضم إلى ذلك فوائد ترابط الآيات التي تتكلم في الموضوع الواحد عبر القرآن كله من "أضواء البيان" وبعض اللفتات التربوية من تفسير السعدي مع إعادة تنقيح النواحي المتعلقة بالإعجاز التشريعي والعلمي وفق الدراسات الأكثر تخصصا في هذا الباب".
ويحث الشحات على وجوب ملاحظة أن "الكلام عن كتاب ما يختلف عن الكلام عن كاتبه فقد يلزم في الثاني استيفاء جميع كتبه والنظر إذا ما كان قد حدث عنده تغير في اتجاه أم لا؛ وبالتالي فالحديث عن الظلال المطبوع المتدوال بغض النظر عن القول بأنه كان في طور التنقيح كما يذكر ذلك البعض".
ويخلص الشحات إلى أن "الحاصل أن في الكتاب فوائد مشوبة بمضارّ مما يجعل الاستفادة منه مقصورة على طلاب العلم المتمكنين من قضايا الاعتقاد لا سيما مسائل الإيمان والكفر وبشرط الاطلاع على ما كتبه أهل العلم في بيان أخطاء الظلال".
إسلام أون لاين

0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن