1/27/2014

تطوير فاروق حسني للمتحف الإسلامي الذي جعله لا يصمد في مواجهة تفجير عن بعد




دراسة قديمة عن المتحف الإسلامي الذي طالته يد الغدر بالتدمير
نشرت الدراسة بجريدة الشعب في 25 ديسمبر 1999 & 20 مارس 2000

فضيحة جديدة لفاروق حسني
بدء التخريب في المتحف الإسلامي
دار الكتب تجور على المتحف الإسلامي في مشروع وزير الثقافة
مشروع تطوير دار الكتب يهدد المتحف الإسلامي بالانهيار
مظلات وبرجولات سريالية أعلا المتحف الإسلامي !!
الحكم بوقف مشروع باب العزب يتطلب إعادة النظر في كل مشروعات الوزير
بحكم المحكمة : تطوير الأثر غير مستساغ عقلا أو منطقا أو قانونا
من الذي يتحمل مسئولية المبنى استشاري البدروم والدور الأول أم استشاري الدور الأرضي ؟!!!
متى يتحرك المثقفون لإنقاذ آثار مصر ؟

دكتور مجدي قرقر
*****
الوزير والمثقفون .. كر وفر
منذ أن تولي السيد / فاروق حسني مسئولية وزارة الثقافة والمثقفون في حالة استنفار دائم فما أن يتداركوا مصيبة بمنع وقوعها أو تحجيمها أو إطفاء الحريق قبل أن يقع إلا ويفاجئهم السيد الوزير بمصيبة أخرى : سرقة بعض الآثار من المتحف المصري ، سقوط حجر من كتف أبو الهول ، مشروع هضبة الأهرام ، مشروع محكى القلعة ، حريق المسافر خانة ، ضياع سور صلاح الدين الأيوبي تحت نفقي سيارات الأزهر ، مشروع باب العزب ، الألفية الثالثة ووضع الهريم الماسوني على قمة الهرم الأكبر .
ولقد غلب على الكثير من مشروعات السيد الوزير وجود الفنادق والبوتيكات والملاهي إعمالا لشعاره " الثقافة تجارة " وفي رواية أخرى " شطارة " ، وتحقيقا لرغبات السادة السائحين في "كباية شاي ساعة العصاري" .
وإضافة لمفاجآت السيد الوزير فقد شهد عهده ضياع الكثير من الآثار المصرية والقبطية والإسلامية تحت وطأة الإهمال والنسيان والتعدي عليها بالسكن أو الاستغلال الضار أو بالغرق في المياه الجوفية والاختفاء خلف تلال القمامة أو تحت وطأة الترميم الخاطئ في أحسن الأحوال حتى تحول الكثير من آثار مصر إلى أطلال .
ولم لا ؟! .. ولم لا وقد تحولت وزارة الثقافة إلى وزارة المهرجانات ؟! : مهرجان المسرح التجريبي ، مهرجان القاهرة السينمائي ، مهرجان الإسكندرية السينمائي .. إلى آخر المهرجانات التي لا تحضرني الآن .
وهكذا فإن عربات إطفاء المثقفين جاهزة دائما ، ورغم هذا فما أن يشرعوا في إطفاء حريق إلا ويفاجئهم السيد الوزير بحريق آخر وفي مكان غير متوقع مما اضطر المثقفين إلى توزيع الأدوار فيما بينهم وتقسيم أنفسهم إلى نوبتجيات وكثيرا ما ينجحوا ولكنهم كثيرا أيضا ما يخفقوا .. كر وفر .. وفي هذه المعارك سقط شهداء ، يحضرني منهم الآن الأستاذ عبد الرحمن الشرقاوي والدكتور أحمد قدري رحمهما الله .
***
مشروع تطوير دار الكتب !!
وآخر مشروعات السيد الوزير ما يسمى بـ " مشروع تطوير دار الكتب " والمقصود تطوير المتحف الإسلامي بباب الخلق لصالح دار الكتب .. والمشروع لم يخرج إلى النور بعد فالوزير يتحين الفرصة ليفاجئ الأعداء من المثقفين الوطنيين - والمثقفون في وضع الاستعداد الدائم فلم يعد يشغلهم إلا متابعة كوارث الوزير للحد منها .
***
المتحف الإسلامي .. نبذة تاريخية
تعود فكرة إنشاء المتحف الإسلامي إلى نهاية القرن الماضي (أصبح الآن القرن قبل الماضي فقد كتب المقال في نهاية القرن الماضي ديسمبر 1999) ليكتمل البناء في عهد الخديوي عباس ليحوي التحف الإسلامية ودار الكتب وكان المبنى يحمل اسم " دار الوثائق العربية " ثم تغير الاسم إلى " متحف الفن الإسلامـي " .
ومبنى المتحف من الحوائط الحاملة - لا يحتوي على أعمدة خرسانية - ويتكون من ثلاثة أدوار - بدروم وأرضي وأول - ويشغل المتحف الإسلامي دور البدروم والدور الأرضي بينما تشغل دار الكتب الدور الأول .
كان المبنى أشبه بالمخزن منه إلى المتحف حيث لم تمتد له يد الصيانة أو الترميم لمقتنياته منذ إنشائه حتى قيام هيئة الآثار المصرية بذلك في عهد المرحوم الدكتور أحمد قدري وانتهت منه في مايو 1983 وشملت أعمال الصيانة ترميم الحوائط وطلاء الواجهات من الخارج والقاعات من الداخل وتغيير النوافذ الزجاجية مع المحافظة على طابعها التاريخي وتركيب بلاطات رخامية لأرضيات القاعات مع تركيب وزرات رخامية عند التقائها بالجدران كما تم تجديد شبكات الكهرباء ووضع أحدث نظم إضاءة للمعروضات مع وضع نظام للإنذار المبكر والإطفاء .. ونلاحظ هنا أن أعمال الصيانة لم تقترب من العناصر الإنشائية أو المعمارية بالتغيير أو الإزالة أو الإضافة كما ينوي السيد فاروق حسني وهو ما سنوضحه في هذه المقالات.
كما تم ترميم المقتنيات الأثرية ترميما دقيقا وإعادة عرضها وتنسيقها على أحدث الأساليب المعمول بها في المتاحف العالمية وتم عرض الكثير من المعروضات على حوائط وأسقف المبنى كأنها جزء أصيل من عناصره ومكوناته .
لم يكتف الدكتور أحمد قدري بذلك بل أضاف قاعتين كبيرتين من دار الكتب بالدور الأول إلى المتحف الإسلامي وتم تخصيص أحدها لعرض أنواع النسيج منذ فجر الإسلام وحتى العصر الحديث وكذا بعض السجاد .. وبزيادة مساحة العرض تم الإفراج عن العديد من التحف التي ساءت حالتها بسبب التخزين فتم ترميمها وعرضها وإنقاذها من التلف .. هذا على عكس السيد فاروق حسني الذي يرغب في نقل المتحف الإسلامي بكامله - إلى مبنى صغير في القلعة بعيدا عن منطقة الآثار الإسلامية ولا يصلح كمتحف - لصالح دار الكتب التي بني لها مبنى كبير على كورنيش النيل !!
لم يكتف الدكتور أحمد قدري أيضا بذلك فقام بضم محطة البنزين المجاورة للمتحف والتي كانت تشكل خطرا يهدد هذا الأثر القومي وتم إنشاء حديقة متحفية مكانها - بعد تعويض أصحابها - تتوسطها فسقية أثرية إسلامية كانت بمخازن الآثار الإسلامية بمدرسة ومسجد السلطان حسن وتم تركيبها وإحاطتها بقطع أثرية من مخازن المتحف مع إنشاء بيت للهدايا لبيع المستنسخات الإسلامية وإنشاء دورات مياه وكافيتريا ومقاعد بالحديقة - خارج المتحف - لتكون متنفسا لزائري المتحف وسكان المنطقة المحيطة ، أما الجهة المطلة على ميدان باب الخلق فقد تم إنشاء حديقة صغيرة معلقة .
هذا ما أضافته هيئة الآثار للمتحف الإسلامي في عهد الدكتور أحمد قدري وهذا ما يريده فاروق حسني بالمتحف الإسلامي : تقليص مساحته أو نقله إلى مبنى صغير في القلعة .. يشير الأخ العزيز الأستاذ علي القماش في كتابه الجديد "مخطط ضياع الهوية وتدمير الآثار الإسلامية" إلى شهادة لعالم الآثار عبد الرؤوف علي يوسف حول واقعة حضرها بنفسه عام 1955 في عهد وزير التعليم كمال الدين حسين عندما تحدث معه وكيل دار الكتب في اقتراح نقل المتحف الإسلامي فكان تعليق كمال الدين حسين " ننقل دار الكتب ولا ننقل الآثار ونعرضها للخطر ولا يمكن أن أخرب المتحف وأنقل الأعمدة والنوافير وغيرها من الآثار" .. هذا زمن رجال يعرفون قيمة الآثار وهذا زمن فاروق حسني .
*****
مشروع تطوير دار الكتب !!
نعود إلى مشروع تطوير دار الكتب - المتحف الإسلامي - ويهدف المشروع إلى تطوير الدور الأول المخصص لدار الكتب بعد ضم قاعتي النسيج والسجاد الخاصتين بالمتحف الإسلامي إلى فراغ دار الكتب .. وكأن دار الكتب تابعة لوزارة الثقافة والمتحف الإسلامي تابع لوزارة التموين !! أو أن الدار بنت الست والمتحف ابن الجارية !! .. أو كأن دار الكتب " مسكينة يا ولداه " ليس لها هذا القصر المشيد بكورنيش النيل .
يتمثل المشروع في استغلال الدور الأول فوق الأرضي بالكامل لصالح دار الكتب بعمل تغييرات كبيرة وتخليق دور مسروق - ميزانين - على مستويات مختلفة مع حذف بعض العناصر وإضافة عناصر أخرى كثيرة بتكوينات لا تتلاءم مع الأثر وإنشاء فراغات أعلى سطح المبنى من مظلات وبرجولات تخالف السمت المعماري والأثري للمبنى .. هذا هو الملخص .. أما عن تفاصيل الكارثة ففي عدد قادم .
*****
التصميم بالقطعة
ما رأي السيد / فاروق حسني وهو وزير فنان ويهتم بأناقته بدرجة كبيرة فيمن يعهد إلى شخص ما لشراء جاكيت له ثم يعهد لشخص آخر لشراء بنطلون يلبسه مع الجاكيت ؟ أظنه سيرفض تماما هذا التخبط فما باله إذا تم هذا دون أي تنسيق بين الشخصين متعهدي الشراء ؟ وإذا كان السيد / فاروق حسني يرفض هذا المنهج فلماذا قام بتجربته في المتحف الإسلامي ؟! 00 لقد أعطى مسئولية ما يسمى بتطوير دار الكتب ( الدور الأول وضم له دور البدروم خصما من حصة المتحف الإسلامي ) لأحد المهندسين الشباب 00 معماري / أحمد مصطفى ميتو ويساعده أحد الاستشاريين الإنشائيين 00 وأعطى مسئولية ما يسمى بتطوير المتحف الإسـلامي ( الدور الأرضي بين الدورين السابقين ) للاستشاري المعماري / سيد الكومي ويساعده أحد الاستشاريين الإنشائيين 00 جاكيت لدار الكتب وبنطلون للمتحف الإسلامي يتناسبان مع بعضهما البعض أو لا يتناسبان 00 إضافة إلى ما سبق فما هو تأثير ما سيجري من أعمال بفراغ دار الكتب ( الدور الأول ) على فراغ المتحف الإسلامي ( الدور الأرضي ) ؟ وما تأثير تلك الأحمال الإضافية على أساسات المبنى ؟ 00 هذه قضايا لا تهم السيد الوزير بدرجة كبيرة 00 ولكن هل يجيبني سيادته من الذي يتحمل مسئولية المبنى استشاري البدروم والدور الأول أم استشاري الدور الأرضي ؟!!! 00 ولأنه لن يجيب نقول إن المسئولية ستضيع وسينهار المبنى كما انهارت الفيلا في مسلسل ضياع الهوية " أرابسك " للمبدع / أسامة أنور عكاشة عندما حاول أصحابها مزج الحضارة الغربية بالفرعونية بالإسلامية أثناء تطويرها 00 وبالمناسبة الانهيار لا يشترط أن يكون انهيارا كاملا بل يمكن أن يكون انهيارا جزئيا بهبوط المبنى أو ظهور الشروخ والتميلات0
***
المشروع الكارثة !!
عرضنا لملخص المشروع الكارثة أما التفاصيل فكما يلي :
أولا فراغ دار الكتب بالدور الأرضي :
¨   إنشاء ميزانين أو دور مسروق ( سندرة وكأننا في محل ترزي !!! ) على معظم مسطح الدور مما يؤثر على ارتفاع الدور ( يقسم الارتفاع إلى نصفين ) ويجعله أشبه بالمباني السكنية. ومن المعلوم بداهة أن المساحات المفتوحة تحتاج إلى ارتفاعات كبيرة.
¨   تنفيذ أرضية الميزانين من الحديد وهي خامة غريبة بكل المقاييس عن خامات الإنشاء الأصلية وعن معروضات المتحف الإسلامي أو حتى دار الكتب !!
¨   حذف وإزالة الكثير من الحوائط الداخلية أو أجزاء منها وكذا بعض العقود حتى يمكن انشاء الميزانين وتحقيق الاتصال بين أجزاءه المختلفة .. ولأن المبنى حوائط حاملة فإن هذا ينذر بالخطر على سلامة المبنى وإن لم يؤدي إلى انهيار المبنى كليا فهو بالقطع سيتسبب في انهياره جزئيا بظهور بعض الشروخ والتنميلات والترييح ( الهبوط ).. كما إزالة بعض العقود سيؤثر بالسلب على السمت المعماري للمبنى.
¨   إنشاء بعض السلالم الحديدية لربط فراغ دار الكتب بفراغ الميزانين وربط كل ذلك بسطح المبنى .. وهذه السلالم الحديدية بأشكال وأنماط غريبة لا تتناسب مع السمت والوظـيفة المعمارية للمبنى .. كما أن وصول هذه السلالم لسطح المبنى يستلزم تكسير بعض أجزاء السقف النهائي لعمل فتحات للسلالم ( قمة الرقة والنعومة في التعامل مع الأثر ).
¨   تجميع توصيلات الخدمات ( أسلاك وأنابيب وخلافه ) داخل أنبوب معلق ضخم وشفاف يخترق فراغ دار الكتب .. والأنبوب له شكل سريالي أشبه بمنزلقات الأطفال والمراجـيح، ربما استلهمها المصمم من منزلقات الملاهي ومراجيح العيد .. وهو ما لا يتمشى مع سمت العمارة الإسلامية للمبنى اللهم إلا إذا وجد المصمم علاقة وطيدة بين منزلقات ومراجيح عيد الفطر أو الأضحى والعمارة الإسلامية !!!0
¨   إنشاء قاعة محاضرات في فراغ المنور الممتد إلى دور المتحف الإسلامي .. وبالتالي لا داعي لتهوية المتحف أو إضاءته ( هو يعني كان تابع لوزارة الثقافة ؟!!! )

ثانيا السطح :
¨          إنشاء قاعة مقفلة للإطلاع .
¨          إنشاء قاعة مقفلة للكافيتريا وأماكن الجلوس ( وبالطبع سيلزم الكافيتريا صرف خاص بها ).
¨          إنشاء برجولات بأشكال مختلفة وبارزة ( يحسب أنه في حديقة عامة ) .
¨          اختراق بلاطة السطح ببعض السلالم الحديدية لتحقيق الاتصال بين فراغ دار الكتب والبرجولات والقاعات العلوية .

ثالثا الدور الأرضي والبدروم :
¨          إعادة تشكيل مدخل المتحف بالدور الأرضي .
¨          استخدام بدروم المتحف الإسلامي لمعدات وماكينات تكييف دار الكتب .

رابعا الجراج أسفل الحديقة المتحفية :
هذا وسيتم إزالة الحديقة المتحفية بالكامل لإنشاء جراج متعدد الطوابق تحت الأرض (موضة ) من أربعة مستويات تحت الأرض بعمق لا يقل عن اثني عشر مترا أسفل منسوب الشارع وبما قد يؤثر على مبنى المتحف .. ولا ندري إذا كان سيتم إعادة الحديقة المتحفية أم لا ؟!!.. الرسومات التي تحت أيدينا لا تشير لذلك !!!
***
وماذا عن الموافقات والتراخيص والتعاقد ؟؟
وبمحاولة استخراج التراخيص اللازمة لهذا الهدم والإنشاء رفض حي الموسكي منح الترخيص دون موافقة المجلس الأعلى للآثار .. وبالعرض على اللجنة الدائمة في نهاية يوليو 1999 وافقت على المشروع شريطة أن يتم الحفاظ على السمات الأساسية للمبنى دون أي تغيير .. ( ولا ندري كيف وافقت اللجنة على المشروع الذي غير من طبيعة المبنى تماما ؟ .. سؤال يحتاج إلى توضيح ).. وعليه فقد اشترط حي الموسكي الحصول على رسومات معتمدة عليها موافقات صريحة .. وعندما عادت الكرة إلى المجلس الأعلى للآثار طالب بضرورة تعديل الرسومات بما يحقق اشتراطات اللجنة الدائمة ( والتي سبق لها موافقة مشروطة !! حاجة كده بين بين ) .. بالرجوع إلى دار الكتب والوثائق القومية رفضت إجراء أي تعديلات .. تم الوصول إلى حل توفيقي باستخراج رسومات للرخصة على أن تحقق الاشتراطات والضوابط المطلوبة أثناء التنفيذ سياسة الأمر الواقع ورغم هذه الحدوتة الطويلة فإن التراخيص قد اعتمدت فكيف اعتمدت رغم مخالفة الرسومات لأبجديات العمارة ولا أقول لأبجديات الحفاظ على الأثر ؟!0
ومادام كل ما سبق قد شابه هذه الشبهات فإن التعاقد لم يكن أحسن حالا ولعلنا في مقال قادم نتعرض للتعاقد الذي تم مع شركة أوراسكوم والذي تم ترسية المشروع عليها بمبلغ سبعة وخمسون مليون جنيه.
***
الأثر يصان أو يرمم ولا يطور !!
المشروع كما أشرنا تحت مسمى " مشروع تطوير دار الكتب بباب الخلق " كما تقول اللوحات المعمارية وكما تقول مقايسة المشروع .. ونود أن نشير هنا إلى حيثيات الحكم التاريخي بوقف مشروع باب العزب في  الدعوة القضائية المرفوعة من الأستاذ علي القماش الصحفي بجريدة الشعب والأستاذ جودة العزب المحامي .. تقول الحيثيات :
" إن الآثار هي رموز الحضارات المتعاقبة وتعتبر من الأموال العامة وهي صفة لصيقة بها على الدوام ولا تملك أي سلطة في الدولة أن تزيل عنها هذه الصفة .
والمحافظة على الروابط من الأهمية لأنها تعني المحافظة على الشعب المصري ذاته ، وأنها ليست في حاجة إلى تشريعات لحمايتها .. وأية قواعد مقررة لحمايتها تشكل جزءا من قواعد المشروعية العليا في المجتمع ومن ثم فإن المحافظة على تلك الروابط من أي خطر يهددها فرض عين على كل مواطن مصري .
إن الأثر يجب أن يوظف في غرض واحد فقط ، وهو أن يبقى الأثر لذاته رمزا للحضارة التي أنتجته ، فالآثار لا تعني تلك البقايا المادية التي ترمز للحضارة التي أنتجتها فهي ليست أحجارا صماء وإنما لكل أثر وجود حي يعكس صور حياة الإنسان في عصر الحضارة التي أنتجته ، ومن ثم يجب عدم الإخلال بالطابع الأثري والعبق التاريخي لكل مبنى أثري ، كما يجب المحافظة على كل المعاني والقيم التاريخية الرفيعة واحترام حقائق التاريخ في كل منطقة أثرية ولا يجوز اختراقها بمبان من خارج عصرها وانتهاك حرمتها .
إن استعمال كلمة تطوير الأثر غير مستساغ عقلا ومنطقا وقانونا ، لأن هذه الكلمة تعني الإضافة أو الانتقاص ، أي التغيير في الموقع الأثري ، وهذه الأعمال من الأمور المحرمة على هيئة الآثار وغيرها ، وقد اختصت بحماية الآثار ، ويجب أن يقتصر مفهوم التطوير على توظيف أحدث الوسائل العلمية في الحفاظ على الأثر ذاته باعتبار أن التطوير العلمي والتقدم التكنولوجي لا يعرف النهاية .
فتطوير الأثر لا يعني الإضافة إلى الأثر بالزيادة أو الانتقاص من حجمه ، وإنما يجب الإبقاء عليه بوضعه الطبيعي ، كما أنتجته حضارته .. كما لا يجوز اختراق منطقة الأثر أو جرحها بمبان خارجة عن عصرها حتى ولو كانت فيها محاكاة لهذا الأثر ، فالمنطقة الأثرية ليست للترويح وتقديم الخدمات .
إن أي حصيلة مالية مهما بلغ مقدارها تنعدم قيمتها أمام تشويه أي أثر ، ولا يعوض فقد أي أثر ، فطمس أي أثر يعني ضياع جزء من تاريخ مصر ، ومن ثم فإنه يجب ألا يترتب على تطوير المناطق الأثرية إضافة الجديد إليها ، وإلا ترتب على ذلك العبث بآثار مصر ، وإنما يجب حمايتها والمحافظة عليها وعدم السماح بتدهورها وعدم الإخلال بطابعها الأثري حتى يتحقق لكل زائر هذا الإحساس بجلال التاريخ .
إن نصوص قانون حماية الآثار قد خلت تماما من كلمة تطوير ، وإنما أناطت بالهيئة فقط الإشراف على جميع ما يتعلق بشئون الآثار ، ويقتصر نطاق عملها على حفظ وصيانة الأثر وأن تبذل أقصى جهدها للحفاظ عليه ، وأن تمنع كل ما من شأنه المساس بالأثر باتباع أحدث الطرق العلمية في عمليات الترميم .
ومن المؤسف أن يأتي العدوان على آثار مصر من هيئة الآثار المؤتمنة على المحافظة عليها .. إن الآثار أمانة في عنق الشعب المصري ، وهو الحارس على هذه الآثار ويجب عليه أن يحافظ عليها ليسلمها للأجيال المقبلة مصانة ، فالتاريخ لا يرحم أي جيل يتهاون في تاريخه ." .. انتهى الاقتباس من حيثيات الحكم التاريخي في قضية مشروع باب العزب .
***
بعد هذا الوضوح.. هل يتحرك مثقفو مصر ؟!
إن السيد فاروق حسني ومستشاريه قد قرءوا الحكم السابق بعناية .. ولكنهم كعادتهم سيراوغون.. سيدعون أن مبنى المتحف ليس أثرا .. وعندما تدمغهم الحجة سيراوغون بشكل آخر.. سيدعون أن المشروع للصيانة وليس التطوير .. وهنا نتساءل ماذا يعني إضافة دور مسروق داخل الدور القائم ؟! ماذا يعني العبث بالحوائط الحاملة بما يهدد المنشأ بالانهيار ؟! ماذا يعني إضافة السلالم الحديدية وعمل فتحات كبيرة في السطح لها ؟! ماذا يعني إضافة برجولات ومظلات على السطح ؟! ماذا يعني قفل الباثيو ببلاطة خرسانية وتحويله إلى قاعة للقراءة ؟! .. إن كل هذا يعد خروجا صارخا على أحكام المادة رقم 2. في القانون رقم 117 لسنة 83 بشأن حماية الآثار والتي تحرم البناء في المناطق الأثرية والتاريخية ، وكذا حرم تلك المناطق والمناطق المتاخمة لها ، ولكن فاروق حسني تفوق على الجميع في خرق القانون بالبناء داخل الأثر نفسه وليس في منطقته أو حرمه أو حرم المناطق المتاخمة له .. ناهيكم عن مخالفته للمادة رقم 42 فقرة ( ب ) والتي تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات ولا تزيد عن سبع وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه لكل من هدم أو أتلف عمدا أثرا أو مبنى تاريخي أو شوهه أو غير معالمه أو فصل جزءا منه أو اشتك في ذلك .. وقبل كل هذا وذاك مخالفته للدستور الذي أقسم على احترامه عند توليه لمنصبه الوزاري .. هذا الدستور الذي أكد على حرمة الآثار وأن حمايتها واجب على كل مواطن فما بالنا بالوزير المسئول.
إننا نتوجه بالنداء إلى مثقفي مصر أن يتصدوا لهذا الوزير وللتخريب الذي يقوم به حماية لآثارنا فهي ملك لنا جميعا وملك للأجيال القادمة والحفاظ عليها فرض كفاية على مثقفي الأمة وإلا أثمت الأمة جميعا فلنتحرك لصد هذا العدوان وإلا كنا غير جديرين بهذه الحضارة التي نستظل بظلها .. لك الله يا مصر ولله الأمر من قبل ومن بعد.

25 ديسمبر 1999 & 2. ديسمبر 2000

0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن