د. مجدي قرقر
نبدأ نفس البداية بالتأكيد علي رفضنا - في
حزب العمل وفي التحالف الوطني لدعم الشرعية - للانقلاب وكل الآثار المترتبة عليه
وفي مقدمتها اللجنة الخاصة بتعديل الدستور - لجنة التعديلات الدستورية الانقلابية
- سواء كانت لجنة العشرة أو لجنة الخمسين. وأن كتابة وتعديل الدستور يجب أن يتم فى
ظل مناخ مستقر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا دون أن يكون فيه طرف متغلب حتى تصل إلى
حد أدنى من التوافق وهو ما لا يمكن تحقيقه الآن في ظل بيئة مليئة بالكراهية وانقسام
مجتمعي حاد، وفي ظل اغتصاب للسلطة باستخدام القوة الجبرية ضد الشعب والمستندة إلى
حشود وعتاد القوات المسلحة التي هي بالأساس ملك للشعب وللدفاع عنه.
ونركز هنا على تعديلات لجنة التعديلات
الدستورية الانقلابية - التي أسموها "اللجنة القانونية العشرية" التي اكتفت
بتوجيهات قادة الانقلاب وبالمقترحات المقدمة لها من الأحزاب الديمقراطية المنقلبة
على الديمقراطية بتأييدها ودعمه للانقلاب، هذه الأحزاب التي يدللونها باسم
"الأحزاب المدنية" والتي تفقد مدنيتها بالانقلاب على الدستور. ولن نتطرق
إلى لجنة الخمسين الانقلابية - لجنة عمرو موسى - إلا بعد ظهور منتجها النهائي.
أهم ملامح التعديلات التي أشرنا إليها في مقالاتنا
الثلاث السابقة كما يلي:
أولا - قضية الهوية: يكذبون ويصدقون كذبهم
1) اقترحت اللجنة
تعديلات الدستور وهي غارقة في اللحظة وصدقت الإشاعات التي أطلقها الانقلابيون
اتهاما للدكتور مرسي - رئيس الجمهورية المنتخب - بأنه يتنازل عن الأراضي المصرية
فأضافوا للمادة الأولى للدستور (جمهورية مصر العربية دولة مستقلة ذات سيادة، وهى موحـدة
لا تقبل التجزئة، ولا يُتنازل عن شيء منها).
2) وقامت اللجنة
العشرية الانقلابية بحذف عبارة (ويعتز بانتمائه لحوض النيل والقارة الأفريقية وبامتداده
الآسيوي، ويشارك بإيجابية فى الحضارة الإنسانية) لأن هناك حساسية من الامتداد
الأسيوي.
3) استجابت لجنة
العشرة للحساسية المرضية لدى الكثير من العلمانيين من الإسلام وقامت بإلغاء المادة
219 الشارحة للمادة الثانية، وفي ظني المتواضع أن المادة 219 قد توسعت في تفسير
المادة الثانية مما قد يضيق من تفسير الشريعة للكثير من القضايا والمستجدات
المعاصرة التي تحتاج مساحة أكبر من الاجتهاد. وفي ظني المتواضع أن إلغاء المادة
219 ليس هو الخطر الأكبر، ولكن الخطر الأكبر هو وجود المادة الثانية ووضعها على
الرف ومسح التراب عنها كل فترة وعدم تفعيلها تفعيلا حقيقيا منذ إقرارها بإضافة
الألف واللام لكلمة مصدر في تعديل عام 1980.
4) كما أن الخطر
الأكبر هو عدم استقلال الأزهر وتبعيته الدائمة لسلطان الحاكم، ولو وجد العلماء
الثقاة المستقلون ما جرؤ حاكم مستبد وما جرؤ كاره للإسلام على مخالفة الشريعة أو
تهميشها. إن ضمانة الحفاظ على الشريعة وتطبيقها هي في تدين الشعب وفي وجود العلماء
الثقاة المستقلون الذين لا يغريهم ذهب المعز ولا يخيفهم سيفه.ومن هنا اقترحت
اللحنة تعديل المادة (4) لتكبيل الأزهر وتحجيمه. رغم أن المادة الأصلية كانت معيبة
ولا تضمن استقلال الأزهر وشيوخه إلا أن تعديل اللجنة العشرية الانقلابية زادتها
سوءا استجابة للحساسية المرضية لدى الكثير من العلمانيين الكارهين للإسلام. ولعلنا
أدركنا هذا في موقف شيخ الأزهر في موالاة قادة الانقلاب وموالاة حسني مبارك وحزبه
الفاسد من قبل، كما أن هيئة كبار العلماء لم تتمكن من أخذ موقف معلن مغاير لموقف
الشيخ نظرا لعدم استقلالية هيئة كبار العلماء.
ولم تكتف لجنة العشرة بتضييع الهوية الإسلامية بالمفهوم الحضاري - الذي
شارك في بنائه مسلمو ونصارى مصر على السواء - وتغليب الحرية غير المنضبطة بقيم
وأخلاق المجتمع وطهارة اليد ورفض الفساد فتكرمت باقتراح حذف المواد التالية لتضييع
التاريخ والجغرافيا واللغة، وهي أهداف تغريبية لسحق الهوية المصرية:
5) حذف المادة 12 -
"تحمى الدولة المقومات الثقافية والحضارية واللغوية للمجتمع، وتعمل على تعريب
التعليم والعلوم والمعارف ". وهو ما يتعارض مع المادة الثانية التي تنص على
أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة ولكنه التغريب الذي وجد التربة الصالحة
في ظل الانقلاب.
6) وضمانا لتخلف مصر
اقترحت التعديلات إلغاء "المجلس الوطنى للتعليم والبحث العلمى" والذي
"يختص بوضع استراتيجية وطنية للتعليم بكل أنواعه وجميع مراحله، وتحقيق التكامل
فيما بينها، والنهوض بالبحث العلمى، ووضع المعايير الوطنية لجودة التعليم والبحث العلمى،
ومتابعة تنفيذ هذه الاستراتيجية" .
ثانيا - إلغاء
دور المجتمع في حماية الأسرة والمرأة
1) إلغاء دور المجتمع
في الحرص على الطابع الأصيل للأسرة المصرية (مادة 10) إكتفاء بدور الدولة لأن
العلمانيين صوروا دور المجتمع بدور جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،
واكتفى التعديل بترسيخ الدولة لقيم الأسرة الأخلاقية دون النص على حمايتها وفقا
للنص الأصلي.
2) النص في المادة
(11) الخاصة بالمرأة على "ومساواتها بالرجال فى ميادين الحياة السياسية والاجتماعية
والثقافية والاقتصادية" وهذه قضية القضايا عندهم والتي لا يرفضها التيار
الإسلامي ولكنها الهواجس وأزمة الثقة رغم أن الدستور ينص على الحقوق المتساوية لجميع
المواطنين ذكرا كان أو أنثى.
ثالثا - فوبيا
الدين والأخلاق
ونظرا للحالة المتفاقمة وازدياد حدة مرض "فوبيا الأخلاق
والدين" سواء كان دينا إسلاميا أو مسيحيا وتغلب قيم الحرية غير المنضبطة بقيم
وأخلاق المجتمع وطهارة اليد ورفض الفساد فلقد تكرمت اللجنة باقتراح حذف المواد
التالية:
1) ترعى الدولة
الأخلاق والآداب والنظام العام، والمستوى الرفيع للتربية والقيم الدينية والوطنية،
والحقائق العلمية، والثقافة العربية، والتراث التاريخى والحضارى للشعب؛ وذلك وفقا
لما ينظمه القانون. (مادة 11)
2) تُحظر الإساءة أو
التعريض بالرسل والأنبياء كافة. (مادة 44)
رابعا - التستر على الفساد
والمفسدين وضمان استمراره
ولم تكتف لجنة العشرة الانقلابية بحذف
المواد التي تؤكد على حماية القيم والأخلاق فاقترحت تعديلات ترعى وتحمي الفساد:
1) حذف المادة الخاصة
بإنشاء المفوضية الوطنية لمكافحة الفساد (204)..وكأنهم يتسترون على الفساد ويريدون
له أن يترعرع في بيئة الانقلاب!!
2)
التستر على الفساد والوساطة والمحسوبية بتعديل
المادة (64) والتي تنص على "العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، ...........". بحذف
عبارات " تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص"
، " وتتيح الدولة الوظائف العامة للمواطنين على أساس الجدارة، دون محاباة أو
وساطة، ومخالفة ذلك جريمة يعاقب عليها القانون" فليهنأ مؤيدو الانقلاب بعدم
المساواة وانعدام العدالة وتكافؤ الفرص والتوسع في الوساطة والمحسوبية.
3) حذف المادة (107)
والتي تنص على حق عضو مجلس النواب أو مجلس الشورى فى الحصول على أية بيانات أو معلومات
تتعلق بأداء عمله فى المجلس بما يسهل من دور نواب المجالس التشريعية في الرقابة
وكشف المفسدين.
4) ولأننا نريد قطع
دابر الشرف ورعاية الفساد اقترح حذف المادة (205) والتي تنص على: "يتولى الجهاز
المركزى للمحاسبات الرقابة على أموال الدولة، والجهات الأخرى التى يحددها القانون"
.
5) حذف المادة 227 التي
تحدد مدة ولاية محددة لكل منصب غير قابلة للتجديد أو لمرة واحدة فقط. وفي هذا
إصرار على استمرار الفساد ودليل إصرار من السلطان على أن يظل ذهب المعز وسيفه في
يده "يمنح ويمنع" بأن "يمد ويقيل" .
6) وليس التستر على
الفساد فقط بل وعلى التزوير أيضا بحذف دور المحكمة الإدارية العليا بالفصل فى الطعون
على قرارات المفوضية الوطنية للانتخابات المتعلقة بالاستفتاءات وبالانتخابات النيابية
والرئاسية ونتائجها، ودور محكمة القضاء الإدارى في الفصل في الطعون على انتخابات المحليات.
وبهذا يعود مجلس "سيد قراره" مرة أخرى بعد طول انقطاع.
وليهنأ المفسدين بفسادهم فليس هناك رقابة
لنواب البرلمان وليس هناك رقابة للجهاز المركزى للمحاسبات والمفوضية الوطنية
لمكافحة الفساد تم وأدها قبل أن تولد، إضافة إلى شيوع الوساطة والمحسوبية والمد
للأحباب بعد سن التقاعد والتستر على تزوير الانتخابات وعودة مجلس "سيد
قراره" .
خامسا - التنكر لثورة 25 يناير
1) حذف المادة 213 الخاصة
بإنشاء الهيئة العليا لحفظ التراث بتنظيم وسائل حماية التراث الحضارى والعمرانى
والثقافى المصرى، والإشراف على جمعه، وتوثيقه وصون موجوداته، وإحياء إسهاماته فى
الحضارة الإنسانية. وتعمل هذه الهيئة على توثيق ثورة الخامس والعشرين من يناير
وثورات مصر فى العصر الحديث.
2) حذف المادة (232)
والتي تمنع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات
الرئاسية والتشريعية لمدة عشر سنوات من تاريخ العمل بالدستور.
هل نحتاج بعد هذا إلى التأكيد أن الانقلاب
العسكري هو ثورة مضادة تتستر على الفساد والمفسدين المحسوبين على نظام مبارك وتنقض
على ثورة 25 يناير المباركة التي يتمسحون بها.
سادسا - تحلل الدولة من
التزاماتها وتنكرها للعمال والفلاحين والبدو
والحكام الجدد الحاليون أو المنتظرون لهم
أولوياتهم التي تعلوا فوق مصالح الشعب، ومن هنا تتحلل الدولة من التزامات فرضها
عليها دستور 2012 فاقترحت:
1) حذف المادة ( 8 )
في دستور 2012 والتي تنص على كفالة الدولة لوسائل تحقيق العدل والمساواة والحرية، وتيسير
سبل التراحم والتكافل الاجتماعى والتضامن بين أفراد المجتمع، وضمان حماية الأنفس والأعراض
والأموال، وتحقيق حد الكفاية لجميع المواطنين.
2)
إلغاء فقرة المادة (64) التي تنص على
". وتكفل الدولة حق كل عامل فى الأجر
العادل والإجازات، والتقاعد والتأمين الاجتماعى، والرعاية الصحية، والحماية ضد
مخاطر العمل، وتوافر شروط السلامة المهنية فى أماكن العمل؛ وفقا للقانون" .
ثم إلغاء حق العمال في الإضراب بإلغاء الفقرة الأخيرة في المادة.
3)
حذف المادة 69 والتي تنص على أن "ممارسة الرياضة حق
للجميع. وعلى مؤسسات الدولة والمجتمع اكتشاف الموهوبين رياضيا ورعايتهم، واتخاذ ما
يلزم من تدابير لتشجيع ممارسة الرياضة" . الرياضة أصبحت حقا فقط لمن يستطيع
أن يدفع عشرات الآلاف من الجنيهات للاشتراك في الأندية الرياضية، أما "اكتشاف
الموهوبين رياضيا ورعايتهم" فهو نوع من الترف بعد أن خرجنا من دائرة التاريخ،
ولنكتف برعاية الفنانين والفنانات ولتسقط أهداف ثورة 25 يناير في العدالة
الاجتماعية ولتحيا أهداف انقلاب 3 يوليو التي تقسم شعب مصر إلى شعبين.
4)
كما اقترح حذف المادة 16 والتي تنص على التزام الدولة بتنمية
الريف والبادية، ورفع مستوى معيشة أهلها.
5) ولقد هدف دستور 2012 إلى عدم التمييز
بين المواطنين بإلغاء نسبة العمال والفلاحين على أن ينشأ مجلس اقتصادى واجتماعى لدعم
مشاركة فئات المجتمع فى إعداد السياسات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية (50 % من
تشكيله من العمال والفلاحين). ويبدو أن العمال والفلاحون مستهدفون من التعديلات
الدستورية فاقترح إلغاء نسبة التمثيل في المجالس النيابية وإلغاء المجلس الاقتصادى
والاجتماعي (مادة 207) ليخرج العمال والفلاحون صفر اليدين.
6) تعديل المادة (22)
في دستور 2012 التي تنص على أن "الجنسية المصرية حق، وينظمه القانون" بإلغاء
كلمة حق وبالتالي لم تعد الجنسية حقا مكتسبا وأصبح القانون هو الحاكم يمنح ويمنع.
سابعا - إفساد النظام السياسي المصري
1) تعديل المادة (6)
لتنص على: "يقوم النظام السياسى على أساس تعدد الأحزاب، والتداول السلمى للسلطة،
والفصل بين السلطات، فى إطار من المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص
عليها فى هذا الدستور" . ولأن كلمة الشورى تسبب ارتكاريا للبعض يتم حذفها ولا
مانع من حذف الديمقراطية معها خاصة وأن الديمقراطية باتت تتناقض مع الانقلاب. أما
المواطنة فهي الشعار الذي يغازل به الغرب فلا مانع من تصدرها للمادة الأولى
(الواجهة).!!!!.
2) استعادة نظام مبارك
الذي ثار ضده الشعب المصري في ثورة 25 يناير المجيدة، بتوسيع صلاحيات الرئيس مرة
أخرى بعد الحد منها في دستور 2012 وإعادة النظام الرئاسي الشمولي الذي حكمنا لعقود
طويلة، وعدم عزل رئيس الجمهورية نتيجة أية مظاهرات رافضة له مهما كان حجمها
وقوتها، ولعل هذا يفقد انقلاب 3 يوليو الدموي المبرر الذي عزل به الرئيس المنتخب
نتيجة للمظاهرات التي حركها في 30 يونيو.
3) إعادة إنتاج نظام
سياسي فاسد من خلال تحديد النظام الانتخابي بالنظام الفردي الذي يقوم على سطوة
المال والبلطجة مما يقضي علي فكرة تحول مصر إلي دولة برلمانية أو مختلطة ويضعف من
النظام الحزبي.
ثامنا - القوات المسلحة والقضاء فوق الدولة وفوق
القانون
1) وضع القوات المسلحة
فوق الدستور بجعل اختيار وزير الدفاع حقا أصيلا ووحيدا للمجلس العسكري للقوات
المسلحة وهو ما يناقض فكرة الدولة المدنية ويتعارض مع الرغبة الشعبية في التظاهرات
الرافضة لوثيقة الدكتور علي السلمي.
2) تمييز السلطة
القضائية وإخراجها من رقابة الدولة بجعل ميزانيتها رقما وحيدا لتصبح مع الجيش جزرا
منعزلة فوق الدولة وفوق الدستور
3) القضاء علي أوهام
استقلال السلطة القضائية بإعادة تعيين النائب العام من قبل رئيس الجمهورية بعد أن
جعله دستور 2012 من خلال ترشيح مجلس القضاء الأعلى.
*****
خاتمة ليست النهاية فمازال الكابوس مستمرا
لا يزال في جعبة المرارة والأسى الكثير
ومازال كابوس الانقلاب جاثما على صدورنا، ولقد كان بودي استكمال الحديث ولكنني
وجدت أهمية في التلخيص والتبويب، وليكن استكمال الموضوع في أسبوع قادم لنفسح
المجال لموضوع آخر.
الأحد 22 سبتمبر 2013







0 التعليقات:
إرسال تعليق