8/04/2013

بمناسبة الانقلاب العسكري ***** قراءة في "مسافر ليل" ***** دكتور مجدي قرقر



كتب هذا المقال بجريدة "الشعب" في 20 أغسطس 1993 ضد الاستفتاء على ولاية مبارك الثالثة باعتباره ممثلا لحكم العسكر، ونعيد نشره اليوم بعد عشرين عاما بالتمام والكمال في مواجهة الانقلاب العسكري على الشرعية في 3 يوليو 2013
بمناسبة الانقلاب العسكري

قراءة في "مسافر ليل"

دكتور مجدي قرقر
" مسافر ليل " مسرحية شعرية لصلاح عبد الصبور، والمسرحية حوار شعري بين شخصيتين داخل قطار ليل، عامل التذاكر والراكب وشخصية ثالثة هي الراوي، والراوي في هذه المسرحية يوضح ويعلق ويثير، ولكنه لا يشارك في الحوار.
وعامل التذاكر يرمز إلى " الجلاد - العسكر" والراكب يرمز إلى " الضحية - الشعب" ، وإذا شئنا الدقة فإننا نرى "الحاكم" في عامل التذاكر ونرى "المحكوم" في الراكب، أما الراوي فيقف على حافة المسرح ممثلاً لكل من هم خارج المسرح، ومن هم خارج المسرح ليسوا جلادين وليسوا في الوقت ذاته ضحايا ( لوقت ما، ربما، كما يقول صلاح عبد الصبور )..إن الراوي هنا يمثل "الأغلبية الصامتة" التي يتحدثون عنها، الأغلبية التي تضحك وتمرح بالكلمات وتنشر ذكاءها الرخيص، وربما لا تستنكف أن تساعد الجلاد على حمل جثة الضحية، حوار بين الحاكم والمحكوم وضحكات وتعليقات من الأغلبية الصامتة، بهذه الرؤية كانت القراءة في " مسافر ليل"
*********
إستعراض القوى
الراوي : الراكب محموم بالرعب
           يتغير وجهه
           مثل إشارة ضوء
           والإسكندر قد عبأ جيشه
           السوط وأنبوب السم جناح أيمن
           والغدارة والخجر
           فيلقه الأيسر
           لا نجرؤ طبعاً أن نذكر ما في قبعته حتى لا يغضب
الحاكم :  لا يجرؤ أحد أن يعصى أمري
           هل تجرؤ ؟
المحكوم : لا، يا مولاي
            قل لي، بم تأمر
*****


خوف أم نفاق ؟ !
المحكوم : ماذ تبغي مني يا مولاي ؟
            عفواً، مثلك لا يبغي من مثلي شيئاً
            أعني، بم يشملني عطفك ؟
            بم تكرمني ؟
           هل تجعلني سرجاً لجوادك ؟
الحاكم :   ضاقت نفسي بركوب الخيل الآن
المحكوم : هل تجعلني فرشة نعلك ؟
الحاكم :   يندر أن أمشي، يؤلمني اللمباجو
             أتمدد أحياناً في الشمس،
            وآخذ حمام بخار كل صباح.
المحكوم : فلتجعلني فحاما في حمامك
            أعهد لي بمناشفك الوردية.
            أجعلني حامل خفيك الذهبيين
            لكن لا تقتلني، أرجوك
الراوي : ( الحاكم ) يلقى في ضيق أسلحته
           ويمد يديه الفارغتين في كسل نحو ( المحكوم )
المحكوم : تقتلني بيديك ؟..لا..لا..
            أرجوك، جربني في أي مهمة
           أعهد لي بأخس الأشياء أو أعظمها
           أصنع بي ما شئت  لكن لا تقتلني
*****
مبادئ للحوار
الحاكم : فلنتحدث في هذا الموضوع الشائك كصديقين، كرفيقي رحلة
          بدلا من أن نتحدث خصمين كما يفرض هذا الوضع المؤسف.
         وسأخلع سترتي الرسمية حتى لا تخشاني فلدى بعض الناس حساسية ضد اللون الأصفر.
*****
حكم العسكر

الراوي : ( الحاكم ) يخلع سترته الرسمية

            تحت السترة سترة

            ( الحاكم ) يخلع سترته الثانية الرسمية 

            تحت السترة سترة

           مازال اللون الأصفر في أعيننا

           ويذكرني هذا أني أبغى أن ألقى تعليقاً حول اللون الأصفر.

           تنقسم الآراء بشأن اللون الأصفر

           فيراه بعضهمو لون الذهب الوهاج

          ويراه بعضهمو لون الداء

          لون الوجه المعتل

          لون الموت.
*****
ويستمر النفاق
المحكوم : مظلوم، والله، مظلوم مظلوم
             لم أقتل أو أسرق
             أدركني يا عشري السترة
الحاكم :  هل تطلب عشري السترة ؟
المحكوم : عدلك يا عشري السترة
الحاكم : هل تطمع في عدلي ؟
           ماذا تعرف عن عدلي
المحكوم : أنك أعدل من في الأرض.
الحاكم : لا بأس بهذا.
          حدثني عن رفقي بالضعفاء.
المحكوم : فإذا رحمت فأنت أم أو أب
            هذان في الدنيا هم الرحماء.
الحاكم :  هذا أحسن
           حدثني عن جودي
المحكوم : ولو لم يكن في كفه غير روحه
            لجاد بها فليتق الله سائله
الحاكم : لا هذ قول طائش
           فأنا لا أقدر أن أعطي أحداً روحي
           لا ضناً مني أو بخلاً
          بل إشفاقاً أن يختل نظام الكون.
*****
أمريكي
الراوي : ( الحاكم ) يستخرج نجمة مأمور أمريكي من جيبه ويعلقها في صدره
           يتحول عن مقعده حتى يجلس في وجه الراكب يشعل سيجاراً
           يضفر شاربه بلعاب ثناياه
           أو بدهان يستخرجه من جيب السروال الخلفي.
*****
سجون ومعتقلات وتلفيق اتهامات
الحاكم : أحدهم قد سرق بطاقته الشخصية وانتحل وجوده
           قلنا نبحث، لكن في السر
          وبحثنا راجعنا كل ملف
          سجلنا كل مكالمة تليفونية
         صورنا كل خطاب
         أمسكنا بالآلاف
        عذبنا عشرين لحد الموت
        وثلاثين لحد العاهة
        وثمانين لحد الإغماء
        لكن لا جدوى
*****
إعدام برئ
الحاكم : لابد من الحسم
          لو لم أفعل لاختل نظام الوادي
         سأقول لهم في صحف الغد : أنني – أنا نفسي – قد أمسكت الجاني وقتلته
         إنك رجل طيب مخلوق من أنبل طينة
         أهل للتضحية الكبرى
        هب أن أمامك أربع آلات للموت.
*****
السوط - السم - الغدارة - الخنجر
الحاكم : السوط؟!
المحكوم : لا، لا
الحاكم : لا يتفق وذوقك
          ما رأيك في السم ؟
المحكوم: لا يتفق وذوقك، أيضاً ؟
الحاكم   : أنت على حق
          أسلوب متسم بالخسة والغدر
          ما رأيك في الغدارة؟
المحكوم: لا، لا
الحاكم : أنا نفسي لا أهواها
          قتل عن بعد دون ملامسة محمومة
         أسلوب عصري مبتذل، لعب صغار جبناء.
         آه، الخنجر !!!
        الإسكندر، أسلوب الإسكندر !!
        فليمسسك الخنجر
        فليدخلك الخنجر ( يطعنه بالخنجر )
*****
سلبية
الراوي : ( متجهاً إلى الجمهور )
           ماذا أفعل ؟ ماذا أفعل ؟
           في يده خنجر
            وأنا مثلكم أعزل
            لا أملك إلا تعليقاتي
            ماذا أفعل ؟!
           ماذا أفعل ؟!
20 أغسطس 1993



0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن