4/13/2013

إلى من ينكرون وجود معرفة إسلامية: بين الشورى والديمقراطية وبين الشورى والاستشارة

د. مجدي قرقر
 من ترك الشورى من الحكام فعزله واجب دون خلاف
الشورى فريضة إسلامية واجبة على الحكام وعلى المحكومين والبديل هو الرأي الواحد أو الاستبداد
الشورى لا تتعارض مع حقوق المواطنين كافة فالشريعة توفر الحماية للجميع
ابن القيم: أي مسألة خرجت من العدل إلى الجور أو من المصلحة إلى المفسدة، أو من الحكمة إلى العبث، أو من الرحمة إلى ضدها، فليست من الشريعة في شيء
دعوات التسفيه والتقليل من قيمة الشعب بما يسمى بديمقراطية الجرعات هي دعوات باطلة تهدف إلى تكريس الاستبداد
آفة الثورة وحجر عثرتها في المحاصصة الحزبية في اقتسام الغنائم والمناصب
آفة الثورة الثانية هي غياب الشفافية وعدم المصارحة والتستر على قتلة الثوار والمحرضين والمفسدين
*****
تناولنا في مقال الأول من يناير 2013 قضية "الإسلام والتعددية" وأشرنا فيه إلى أن قضية التعددية في الإسلام ترتبط ارتباطا وثيقا بقضية الشورى، وأن التعددية سنة من سنن الله لأن الله سبحانه وتعالى خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا. وأشرنا إلى أن الشرط الذي يضعه الإسلام هو ألا يكون هناك نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة حتى تجوز التعددية في تلك المسألة وألا تتعارض هذه الرؤى مع الثوابت الإسلامية أو ما اصطلح عليه فقهاء الإسلام بما هو معلوم من الدين بالضرورة.
التعددية في الإسلام تعنى أن هناك اجتهادات متعددة أو اختلافات فقهية في مسألة واحدة، والاختلاف الفقهي قد ينشأ عند تنزيل الأحكام الإسلامية على الواقع المعاش، وبالتالي فإن الاجتهاد يتعدد باختلاف عناصر ثلاث متغيرة ( اختلاف الزمان - اختلاف المكان.- اختلاف الحال وهو ما أسميته بالخصوصية الحضارية للمجتمعات).
والمساحة قطعية الثبوت والدلالة في القرآن والسنة لها الأولوية الأولى في الأحكام الفقهية والتي لا تحتمل اللبس ( الفرض – الواجب – الحلال – الحرام – المنهي عنه ) بينما المساحة الظنية فيها ( المستحب – المتشابه – المكروه ).
والمساحة القطعية هي المساحة الأصغر بينما المساحة الظنية هي المساحة الأكبر وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده حيث يتفق الفقهاء في المساحة الصغيرة القطعية الثبوت والدلالة.بينما يرد الخلاف في المساحة الكبيرة الظنية فمن رحمة الله وجود هذه المساحة الظنية الكبيرة والتي تحتمل الاجتهاد والخارجة عن المساحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة.
وفي مقال 26 فبراير 2013 تعرضنا إلى الشبهات التي يثيرها العلمانيون أحيانا والإسلاميون أحيانا أخرى بعنوان " شبهات حول الإسلام والتعددية" وتطرقنا إلى ( شبهة الإسلام لا يحتمل التعددية - شبهة أن الإسلام لا يمكنه التعايش مع الآخر - شبهة أن الإسلام ضد الحزبية - شبهة أن المناداة بالتعددية نوع من مجاراة الواقع) وأوضحنا خطورة رفض التعددية وإخراج المخالفين من الملة وأننا قبل أن نتحدث عن قبول الآخر علينا أن نعذر مخالفينا داخل الصف المسلم حتى يجمعنا الله وإياهم على صحيح إسلامه.
وخلصنا في المقالين إلى أن البديل للتعددية هو الرأي الواحد, والرأي الواحد يؤدي إلى الاستبداد وهو ما يرفض إسلامياً، والدليل على هذا قول إمامنا الفقيه الشافعي أن رأيه صواب يحتمل الخطأ ورأي الآخرين خطأ يحتمل الصواب، إذن التعددية في الفقه والفكر الإسلامي أمر مشتهر ولم يحدث أن أحداً من الفقهاء أقر أن رأيه هو الرأي الوحيد الصواب.
*****
بين الشورى والديمقراطية
إذا انتقلنا إلى قضية (الشورى) نجد أن الآية الكريمة { وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } - الشورى 38 - أي أن دليل الاستجابة لله تعالى (إقامة الصلاة وإعمال مبدأ الشورى والإنفاق في سبيل الله) أي أنه سبحانه ساوى بين الصلاة والإنفاق والشورى وهذا يؤكد أن الشورى أصل إسلامي عظيم وصحيح, ثم أن الأمر القرآني في سورة الشورى للرسول صلى الله عليه وسلم - الذي يوحى إليه - أمر واضح لا يحتمل أي تأويل ولا يحتمل أن يكون ظني الدلالة { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }- آل عمران 159.
يقول الشهيد عبد القادر عودة في كتابه المرجع "الإسلام وأوضاعنا القانونية":"إن نظام الحكم الوحيد الذي يعرفه الإسلام هو الحكم القائم على دعامتين: إحداهما طاعة الله واجتناب نواهيه، والثانية: الشورى، أي أن يكون أمر الناس شورى بينهم، فإذا قام الحكم على هاتين الدعامتين فهو حكم إسلامي خالص، وليُسمَّ بعد ذلك: الخلافة والإمامة. فكل هذه تسميات لا غبار عليها. أما إذا قام على غير هاتين الدعامتين فهو حكم لا ينسب للإسلام"., ورتب العلماء على ذلك أن من ترك الشورى من الحكام فعزله واجب دون خلاف - تفسير القرطبي – جـ 4 & مفاتيح الغيب للرازي
ويضيف الشهيد عبد القادر عودة في كتابه السابق: "الشورى بالنص القرآني فريضة إسلامية واجبة وهي فريضة على الحكام وعلى المحكومين في آن واحد، على الحاكم أن يستشير المحكومين في كافة أمور الحكم والإدارة والسياسة والتشريع وما يتعلق بمصلحة الأفراد أو المصلحة العامة (مصلحة الأمة), وعلى المحكومين أن يشيروا على الحاكم بما يرونه في هذه المسائل كلها, سواء استشارهم الحاكم أو لم يستشرهم" أي أنه على المحكومين أن يقوموا بهذا الدور وإلا أثمت الأمة.
مفاهيم أساسية
1- الشورى سابقة على التشريع: في ندوة للدكتور توفيق الشاوي حول كتابه "فقه الشورى والاستشارة" قال: "مكث الرسول صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاثة عشر عاما وفي المدينة عشرة أعوام، وأغلب الآيات المكية كانت في العقيدة، فما الذي كان يحكم المجتمع المسلم في مكة المكرمة؟ إنها الشورى؛ لأن آيات التشريع في مكة كانت محدودة وقليلة لحكمة قدرها سبحانه وتعالى في التدرج في التشريع، فلقد كانت المهمة الأولى في المجتمع المسلم تثبيت العقيدة، كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابه أو يقر بالعرف الذي لا يتعارض مع الإسلام أي أن الشورى كانت سابقة على التشريع" .
ويمكن أن نستنتج من هذا أن الدساتير والقوانين ليست قرآنا يتلى وإن سكتت عن بعض القضايا أو المسائل فإن الشورى كفيلة بأن تصل إلى الرأي الصواب في هذه القضايا.
2- الاستشارة: الاستشارة غير الشورى, فمن المعروف أن دساتير الدول تعطي لرؤساء الدول صلاحيات محددة وهكذا كان الحال في عهد الخلافة والتي كان لها صلاحيات محددة, فإذا جاء ولي الأمر واستشار البعض من مستشاريه أو غيرهم في أمور تدخل في نطاق صلاحياته فإن هذه استشارة - وهي معلمة للحاكم غير ملزمة - على عكس الشورى التي يشاور فيها ولي الأمر الأمة وهي ملزمة له - فيما هو خارج نطاق صلاحياته التي يقرها له الدستور أو تقرها له البيعة.
وفي هذا الصدد فإن الدستور أعطى لرئيس الجمهورية صلاحيات في حدود معينة، ويمكن للرئيس أن يبت في بعض القضايا في حدود صلاحياته التي كفلها له الدستور والقانون، ولكنه إذا أراد أن يستأنس برأي بعض المستشارين من ذوي الاختصاص فهذا من حقه، ومن حقه أيضا طالما هذا في حدود صلاحياته أن يأخذ برأي هؤلاء المستشارين أو لا يأخذ، فالاستشارة معلمة له غير ملزمة على عكس الشورى التي تقع خارج نطاق صلاحياته والتي تكون ملزمة له.
3- نطاق الشورى: المساحة قطعية الثبوت قطعية الدلالة - والمحددة بالنصوص القطعية والمقاصد الكلية للشريعة والقواعد الشرعية أو الفقهية الحاكمة - لا تحتمل الاجتهاد وبالتالي لا توجد شورى في هذه الدائرة, لكنها قد تحتمل الاجتهاد في التنفيذ, بمعنى أنه من الممكن أن نجتهد في آلية تنفيذ قطعي الثبوت قطعي الدلالة, فالشورى مثلا من الأمور قطعية الثبوت قطعية الدلالة التي لا تحتمل الاجتهاد لكن آلية تنفيذها تحتمل الاجتهاد، آلية إعمال الشورى التي كانت على عهد رسولنا الكريم والخلفاء الراشدين ربما لا تناسبنا الآن كآلية نظرا لزيادة أعداد المسلمين واتساع المجتمع المسلم وتغير الشكل السياسي للدولة المسلمة.
الفروق الجوهرية بين الشورى والديمقراطية
1 - الشورى نظرية وآلية، والديمقراطية كذلك
الشورى والديمقراطية لكل منهما نظرية حاكمة وآلية في التطبيق - إذا جاز أن نستخدم المصطلحات العلمية الحديثة - فالشورى لها بعدها النظري ولها آلية للتطبيق وأيضاً الديمقراطية نظرية ولها آلية للتطبيق.
الديمقراطية كنظرية مُخالِفة لنظرية الشورى كما سنوضح فيما يلي، لكن الديمقراطية كآلية (كصندوق انتخابات أو غيره) هي آلية لا تتعارض مع الشورى ربما تكون مطلوبة لإعمال مبدأ الشورى.
البعض يعتبر أن صندوق الانتخابات هو الشكل الوحيد لإعمال الديمقراطية, ولكنه حتى وإن لم يكن الشكل الوحيد فإنه آلية مهمة لإعمال مبدأ الشورى إلى أن يبدع العقل المسلم أشكال وآليات أخرى قد تكون متوازية مع صندوق الانتخابات وقد تكون متكاملة معه وقد تكون هي البديل, كل هذا في مساحة الاجتهاد الذي يسمح به الإسلام.
وإذا كانت الديمقراطية هي صندوق الانتخاب أو تمثيل الشعب في البرلمان, ففي عهد الرسالة والخلافة كان من الممكن أن يستفتى المسلمون في المساجد أو أن يستشار أهل الحل والعقد, كانت هذه آليات هذا الزمان, وآليات (صندوق الانتخابات أو غيره) هي آليات زماننا هذا، وكل هذا وسائل اجتهادية لتحقيق مقصد شرعي صحيح وهو الشورى
2- الشورى ليست مطلقة على عكس الديمقراطية لأن الشورى مقيدة بنطاق الشورى والذي تحدده نصوص التشريع الإسلامي في المساحة القطعية كما يحدده المقاصد الكلية للشريعة والقواعد الشرعية أو الفقهية الحاكمة, هذه المساحة لا شورى ولا استشارة فيها لأنك لن تستشر فيما فيه نص قطعي الثبوت قطعي الدلالة كما أنه لا يجوز الشورى فيم يخالف المقاصد الكلية للشريعة؛ لأن هذا يخرج عن نطاق البشر فليس فيه مجال للشورى، أي أن الشورى ليست مطلقة، بل هي في المساحة الظنية ولا تتعداها.
على العكس من هذا الديمقراطية: الديمقراطية مطلقة، وتستفتي الناس في كل شيء، وهناك العرف ربما هو الاستثناء أو القواعد الدستورية التي يقولون أنه ليس معها استفتاء, أي أن العرف والقواعد الدستورية يشكلان نطاق الديمقراطية وإن كان نطاقا محدودا جدا ويمكن أن يتغير تبعا لتوازنات القوى في الدولة. فرق كبير بين النطاقين - إذا جاز أن هناك نطاق للديمقراطية - فيمكن أن يكون هناك ممارسة ديمقراطية حول حق الشذوذ أو حق اللواط أو إباحة الإجهاض أو الربا أو التفريط في الأرض لدولة أخرى, هذه الأمور كلها لا يمكن أن تدخل في نطاق الشورى, هل يمكن أن يستفتي الشعب السوري مثلا في التنازل عن الجولان؟ أو هل يمكن أن تستفتي الأمة الإسلامية في التنازل عن القدس باعتبار أن الشورى هي الديمقراطية؟ وبأغلبية الأصوات هل يمكن عمل وحدة مع الكيان الصهيوني؟
هناك نطاق محدد للشورى على عكس الديمقراطية غير المقيدة بأي نطاق, وهذا هو الفارق الجوهري الكبير بين الشورى وبين الديمقراطية.
3 - إقرار مبدأ الشورى ليس مرتبطاً بحال الجماعة أو مدى رقيها أو مدى تقدمها, الشورى لا تعرف ديمقراطية الجرعات, فالشورى كانت في المجتمع المسلم بمكة قبل أن تنزل آيات التشريع كما أشرنا برغم بدائية مجتمع مكة المسلم وضعفه وبرغم تنزل الوحي على رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم, هل منع هذا إعمال مبدأ الشورى؟ كلا لم يمنع هذا إعمال مبدأ الشورى, العكس هو الصحيح إعمال مبدأ الشورى هو الذي يرقى بالمجتمعات ويخلق نوعا من المشاركة والانتماء للوطن والدين، أي أن الشورى والديمقراطية هي التي ترقى بالمجتمعات، أي أن هذه الحجة (ديمقراطية الجرعات) مردود عليها.
ومن هنا فإن دعوات التسفيه والتقليل من قيمة الشعب هي دعوات باطلة تهدف إلى تكريس الاستبداد، وكان أكثر النماذج فجاجة رئيس حكومة الرئيس المخلوع والذي هبط على الحكومة من شبكة المحمول أو أسلاك التليفونات أو اللوحات المعدنية للسيارات / أحمد نظيف الذي تعامل مع الشعب المصري كشعب جاهل فقام بسبه من خلال الصحف الأمريكية أو الأوربية ظنا منه أنه لا يوجد من يمكنه الترجمة لشعبه الأمي !!! ، ففي عام 2005 صرح للصحف الأجنبية بأن الشعب المصري ما زال غير ناضج لتقبل الديمقراطية. ونفس التعبير المسيء صرح به نائب الرئيس المخلوع اللواء عمر سليمان بعد اندلاع الثورة وقبل تنحي أو خلع مبارك. كان هذا رأي أهل الحكم - على عهد المخلوع - في شعب مصر، فإذا بهذا الشعب العظيم يلقنهم درسا لم يتعلموه في كليات الهندسة أو أركان الحرب أو في دول أوربا التي درسوا ومكثرا فيها كثيرا، لقنهم درسا لم يتعلموا مثله وفي أقل مدة زمنية لا تزيد عن ثمانية عشر يوما هي كل عمر ثورة 25 يناير المباركة، والتي استطاع فيها الشعب انتزاع حريته وأن يكون هو مصدر السلطات.
وتكرر الموقف نفسه بعد ثورة 25 يناير وإعلان نتائج الاستفتاءات والانتخابات التي جاءت على غير هوى القوى المعارضة للتيار الإسلامي فلم يمكنهم تفسير نتائج الانتخابات التي لم توافق هواهم إلا باتهام شعب مصر بأنه شعب تتحكم فيه العواطف الدينية وأمية القراءة والكتابة إضافة للأمية السياسية لأن بوصلة الشعب السياسية ليست مع بوصلتهم.
4- ارتباط الديمقراطية بمصلحة الأغلبية وإن جار على حق الأقلية: تهدف الديمقراطية إلى تحقيق مصالح الطرف الأقوى على عكس الشورى التي يجب أن تقوم على الإخلاص والتجرد. المصالح الشخصية يمكن أن تكون في الديمقراطية والتي لا تتناقض مع الميكيافيلية "الغاية تبرر الوسيلة" وهو ما ليس موجودا في الفكر والفقه الإسلامي بل يؤثم من يقوم به، كما أن الشورى في الإسلام يجب ألا تتعارض مع حقوق الأقلية السياسية أو الدينية أو العرقية فالشريعة توفر الحماية للجميع.
يقول ابن القيم في "إعلام الموقِّعين" في فصل سماه فصل وجوب تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والعرف والحال والنيات، إلى آخره، وقال في مقدمة هذا الفصل: اعلم أن الشريعة عدل كلها، رحمة كلها، مصلحة كلها، حكمة كلها، وأي مسألة خرجت فيها من العدل إلى الجور أو من المصلحة إلى المفسدة، أو من الحكمة إلى العبث، أو من الرحمة إلى ضدها، فليست من الشريعة في شيء، وإن أُدخلت فيها بالتأويل.
قواعد حاكمة للشورى
وإذا كنا قد أدركنا الفروق الجوهرية بين الشورى والديمقراطية فإن الشهيد عبد القادر عودة يتعرض في كتابه " الإسلام وأوضاعنا السياسية" إلى بعض القواعد الحاكمة للشورى:
1- قاعدة الشورى حق مقرر للحكام والمحكومين وليس أحد منهم أحق من الآخر فيها:
على كل من الحاكم والأمة السعي لإعمال مبدأ الشورى, فعلى الحاكم أن يستفتي الأمة في كل أمر يهم المسلمين وفيه مصلحة الأمة، والعكس صحيح على كل فرد من الأمة أن يبدي رأيه فيما يتصور أنه يفيد صالح هذه الأمة؛ لأن هذا أمر واجب على الحاكم "وشاورهم في الأمر" فإذا لم يعرض الحاكم الأمر على الأمة فإنه يكون قد أخل بواجباته, وعلى الأمة أن تطلب منه إعمال هذا الحق, وإذا لم يفعل الحاكم هذا الحق يجوز للأمة أن تخرج عليه لأنه لم يلتزم بأمر قرآني صريح وواضح بإعمال مبدأ الشورى.
وتتمة لهذا فإن الأمة يجب أن تعمل مبدأ الشورى إذا لم يقم الحاكم بذلك, ويجب أن توجد الجماعة التي تدعوا لهذا وإلا تأثم الأمة كلها, فإذا كان إعمال الشورى فرض كفاية على الأمة كلها فإنه فرض عين على الجماعة الصغيرة المؤهلة للقيام بمثل هذا الدور، وإذا لم تقم به فهي آثمة لأن ذلك فرض عين عليها وعلى كل فرد عنده إمكانية القيام بهذا الدور.
2- قاعدة وجوب قيام الشورى على الإخلاص لله دون النظر للمصالح الشخصية:
أي أن الشورى يجب أن تتسم بالتجرد؛ لأن هذا إعمال لمبدأ قرآني وإعمال لأمر الله سبحانه وتعالى, والالتزام بالأمر الإلهي يستوجب الإخلاص والتجرد بما يتنافى مع تحقيق أية منافع شخصية, وإن لم يقم الحاكم بها مخلصا ومتجردا فسيأثم وسيسأله الله سبحانه وتعالى.
إن مرضاة الله سبحانه وانتشال الوطن من الهوة السحيقة التي أسقطنا فيها النظام البائد هي الغاية العليا التي نسمو إليها، أما أحزابنا وتنظيماتنا وأشخاصنا فهي وسائل لتحقيق هذه الغاية، ومن هنا فإن من أهم أسباب تعثر الثورة هو التسابق على الغنائم، تماما كما حدث من تسابق الرماة على الغنائم في غزوة أحد، ومن هنا فإن آفة الثورة وحجر عثرتها هو في المحاصصة الحزبية في اقتسام الغنائم والمناصب سواء من بعض القوى والأحزاب الإسلامية أو من بعض القوى المناوئة لها. (الصراع على: نسب التمثيل في مؤسسة الرئاسة ومستشاري الرئيس - تشكيل الحكومة - المحافظين ومستشاريهم .... الخ).
3- قاعدة أن الشورى لا يمكن أن تقوم على كذب أو غش أو خداع:
وإذا قامت على ذلك فهي باطلة, فإذا أعملت الشورى واستندت إلى غش أو خداع أو كذب تصبح باطلة، فمثلا إسقاط حزب النظام البائد لمخالفات وغرامات المباني في مواسم الانتخابات بهدف شراء الأصوات نوع من الرشوة, أيضا تزوير الانتخابات من أقصى مراتب الغش والخداع, ولا يصح أن يكون هذا في الشورى لأن هذه الأشياء محرمة لذاتها في الإسلام, فالغش والتزوير والكذب حرام في ذاته فما بالنا إذا اقترن بالشورى فإن ذلك نوع من الخيانة للأمانة، فإضافة إلى أن من يقوم بذلك كاذب وغشاش ومخادع فهو خائن أيضاً لأنها خيانة للأمانة التي على المسلم أن يؤديها.
ومن هنا فإن آفة الثورة الثانية هي غياب الشفافية وعدم المصارحة والتستر على قتلة الثوار والمحرضين والمفسدين بما جعل الشعب مغيبا عن هوية هؤلاء من أعداء الثورة.
هنا قد يردد البعض أن الديمقراطية في الغرب لا تعرف الغش والتزوير والخداع, نذكر هؤلاء بفضيحة ووترجيت على عهد نيكسون وفضيحة تزوير الانتخابات لبوش الابن في مواجهة آلجور, فحديث تزوير الانتخابات في الغرب أمر مشتهر ولا يخفف منه سوي التزوير الفاضح الذي قام به الحكام المستبدون في عالمنا العربي والإسلامي قبل ثورات الربيع العربي.
وعكس الكذب والغش والخداع أن يستفتى الناس على بينة ووضوح, فإذا كان للمسألة جانب تخصصي فمن الواجب استشارة المتخصصين وتقليب الأمر على وجوهه المختلفة وعرض كل ذلك على الأمة, وبعد ذلك تستشار الأمة ويعمل مبدأ الشورى وما تجمع عليه الأغلبية يؤخذ به.
4- قاعدة أن الغالب في رأي الأغلبية أن يكون هو الرأي الصواب والواجب الاتباع:
ليس من الضروري أن يجمع أهل الرأي على رأي واحد، وإنما الرأي ما اتفقت عليه أكثرية المشيرين بعد تقليب وجوه الرأي ومناقشة المسألة المعروضة من كـل وجوهها، وربما صح عقلا أن يأتي رأي الأكثرين خاطئا ورأي الأقلين صوابا ولكن هذا نادر، والنادر لا حكم له وخير مثال على ذلك ما حدث في غزوة "أحد" , فالرسول صلى الله عليه وسلم كان مع موقف الأقلية التي رفضت الخروج من المدينة ولكنه عندما أعمل مبدأ الشورى كانت الأغلبية مع الخروج, والتزم الرسول صلى الله عليه وسلم برأي الأغلبية وخرج المسلمون على الرغم من أن رأي الأغلبية لم يكن هو الرأي الصواب.
وحديث رسولنا الكريم عن بن عمر رضي الله عنهما في سنن الترمزي (‏إن الله لا يجمع أمتي‏ ‏أو قال أمة ‏‏محمد ‏صلى الله عليه وسلم ‏‏على ضلالة ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ ‏إلى النار) يشير إلى أهمية إعمال رأي الأغلبية فغالباً ما يكون رأي الأغلبية هو الرأي الصواب طالما أن الأغلبية على الفطرة, ولكن عندما يتم غسيل مخ الأغلبية بأجهزة الإعلام والفيديو كليب والكاسيت الذي ينحط بالذوق العام وأفلام المقاولات – والذي لا يغيب دور الحلف الصهيوني الأمريكي فيه - فأين الفطرة هنا؟ الفطرة تكون قد ضاعت, فعندما تستفتي هؤلاء الناس اللذين شوهت فطرتهم فلا يشترط هنا أن يكون رأي الأغلبية هو الرأي الصواب، طالما أن الفطرة ليست الفطرة السليمة وإن كان هذا لا يبرر عدم احترام رأي الأغلبية فاحترام رأي الأغلبية واجب.
هذه المسألة فيها رواية مشهورة عن الدكتور حسن الترابي وقت أن كان مشاركا في حكومة الرئيس النميري والتقى الرئيس الأمريكي كارتر والذي فاوض الشيخ الترابي: ما رأيك في أن نحل مشكلة جنوب السودان على أن تصرفوا النظر عن قضية تطبيق الشريعة؟ ورغم أن المفاوضة فيما لا يجوز التفاوض فيه حيث أنه من المعلوم من الدين بضرورة إلا أن الترابي أجابه بذكاء: أنت رئيس أكبر دولة ديمقراطية في العالم,ما رأيكم في أن نستفتي الناس في مبدأ تطبيق الشريعة؟ فإذا قالوا نطبق الشريعة نلتزم برأي الأغلبية، وإذا قالوا لا نطبقها ننظر إلى مسألة جنوب السودان ونحن سنحترم رأي الغالبية وإن خالفنا, لأن ذلك يعني أننا لم نستطع تربية الناس وعلينا أن نعود إلى المساجد مرة أخرى حتى نحسن التربية.
5- قاعدة أن تكون الأقلية التي لم يؤخذ برأيها هي أول من يسارع إلى تنفيذ رأي الأكثرية:
وخير مثال على ذلك كما أشرنا هو ما حدث في غزوة "أحد", فرغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مع موقف الأقلية التي رفضت الخروج من المدينة إلا أنه التزم برأي الأغلبية على الرغم من أن رأي الأغلبية لم يكن هو الرأي الصواب.
طال المقال أو الدراسة كعادته أو عادتي ويبقى للحديث بقية حول بعض الشبهات التي يثيرها خصوم الإسلام حول تطبيق الشورى، والحمد لله رب العالمين

السبت 6 إبريل 2013

1 التعليقات:

ريوبى يقول...

موضوع ممتاز
ryobi

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن