2/15/2013

توثيقا للتاريخ قبل تزييفه (3)



حزب العمل وإرهاصات الثورة (3)
دكتور مجدي قرقر
تناولنا في المقالين السابقين دور حزب العمل في التمهيد لثورة 25 يناير المباركة، وأشرنا إلى إن هذه الثورة كانت امتداد لنضال سنوات طويلة تزيد على الثلاثة عقود، توجت بنضال شامل ومتواصل في السنوات السبع الأخيرة بعد سقوط مبارك أثناء إلقاء خطاب العرش أمام مجلسي الشعب والشورى في نوفمبر 2003
وأشرنا إلى الوثيقة التي حررها المجاهد مجدي أحمد حسين عام 2002 والدكتور صلاح صادق - رحمه الله - والتي تطالب برحيل مبارك، وتشكيل "الجبهة الوطنية للتغيير" مع بدايات 2004 مع الكثير من القوى الوطنية ثم المشاركة في تأسيس الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) ثم انتفاضة القضاة 2006 عقب تزوير انتخابات 2005 وانتفاضة إبريل 2008 وفي القلب منها انتفاضة عمال المحلة الكبرى ثم الحركات الاحتجاجية التي اجتاحت ربوع مصر ولم تهدأ إلا بانخراطها في ثورة 25 يناير 2011 .
وأشرنا إلى معارك جريدة الشعب منذ عام 1981 والتي خاضتها ضد التبعية والاستبداد والفساد والظلم الاجتماعي وتضييع الهوية وكان رأس الحربة رئيس تحريرها - قبل إغلاقها - الأستاذ مجدي أحمد حسين والذي قدم من حياته سنوات وسنوات قضاها في سجون مبارك. وكانت المعركة الأكبر في قضية التطبيع الزراعي والتي اشتهرت بـ "قضية الخيانة" وكانت السبب الرئيسي في تجميد نشاط الحزب وإغلاق جريدته في مايو عام 2000، وإن كان النظام قد أبى علينا أن يعطينا هذا الشرف فجاء التجميد والإغلاق بعد معركة الجريدة الخاصة برواية "وليمة لأعشاب البحر"
ورغم تجميد نشاط الحزب وإغلاق جريدته إلا أن قيادات وأعضاء وكوادر الحزب رفضوا قرار التجميد جعلوا من بيوتهم مقارا للحزب وجعلوا من الشوارع والمساجد قاعات للحزب يعقدون فيها مؤتمراتهم وفعالياتهم.
سنعرض هنا للفعاليات السياسية التي قام بها الحزب في عامين من جملة 34 عاما هي عمر الحزب، نعرض لعامي 2002 - 2003 رغم أن نشاط الحزب كان فيه مجمدا وجريدته مغلقة.

*****

التظاهرات
سنعرض هنا لبعض الفعاليات التي نظمتها القوى الوطنية وكان في القلب منها حزب العمل.

عقب الاجتياح الصهيوني للأراضي الفلسطينية كان يوم الاثنين الأول من إبريل 2002 يوما للغضب في القاهرة، حيث دعت القيادات الوطنية بكل أطيافها السياسية لتظاهرة أمام جامعة القاهرة لتتوجه إلى مقر السفارة الصهيونية بالقرب من الجامعة، وبالفعل فقد تجمعت القيادات السياسية الفاعلة أمام جامعة القاهرة ونجحت في إخراج طلاب الجامعة خارج أسوارها ليلتحموا في أكبر مظاهرة شهدتها مدينة القاهرة منذ العدوان الأمريكي على العراق في بداية التسعينات وتدخـلت قوات الأمن لمنع آلاف المتظاهرين من الوصول إلي السفارة الصهيونية وأطلقت الشرطة قنابل الغاز الخانق وفرقت جموع الغاضبين المشاركين في المسيرة وعبر المتظاهرون عن غضبهم وطالبوا الجيوش العربية بالتحرك ورددوا الهتافات ضد الرئيس الأمريكي والإدارة الأمريكية والأنظمة العربية وطالبوا بطرد السفير الصهيوني من مصر وإغلاق سفارة العدو. حمل المشاركون في المظاهرة الأعلام الفلسطينية واللافتات التي تندد بالمذابح التي يرتكبها الجيش الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، وردد المتظاهرون هتافات ضد المطبعين وطالبوا بإقالة المسئولين المتعاونين مع العدو .
وفشلت قوات الأمن في فضها حتى السابعة مساء حيث التحم طلاب المدارس - بما فيها المدارس الابتدائية بمنطقة بين السرايات الشعبية ومنطقة الدقي المحسوبة على المناطق الراقية - بطلبة الجامعات والقيادات السياسية .. ولم توقف القنابل المتظاهرين حيث قام طلاب جامعة القاهرة بمواصلة الهتاف واشتبكوا مع القوات التي حاولت الاعتداء عليهم .. وانتقلت المظاهرات إلي منطقة بين السرايات وهاجموا مطعم ماكدونالدز الأمريكي ودمروه وتوجه بعض الطلاب إلي الدقي حيث التحموا مع تلاميذ المدارس في مظاهرة حاشدة وحاولوا التوجه إلي ميدان التحرير إلا أن قوات الأمن اعترضت طريقهم .. لقد كان يوما للغضب لم تشهده القاهرة منذ فترة طويلة .
وفي نفس التوقيت خرج مئات الطلبة عنوة من بوابات الجامعة الأمريكية في قلب القاهرة بمسيرة إلى السفارة الأمريكية للاحتجاج على انحياز أمريكا للكيان الصهيوني قبل أن تطوقهم قوات الأمن وتمنعهم من التقدم. وكذا في جامعة الإسكندرية وفي مدينة الإسماعيلية تظاهر مئات المحامين داخل مبنى مجمع المحاكم بمشاركة المئات من موظفي المجمع والمواطنين . وفي مدينة العريش خرج ما يزيد عن خمسة آلاف من طلاب المدارس الابتدائية والإعدادية في مظاهرات طافت شوارع المدينة وحمل الطلاب الأعلام المصرية والفلسطينية وطالبوا بالتوجه إلى رفح المصرية لمساندة الفلسطينيين.
واستمرت هذه الفعاليات حتى 15 مايو 2002 ذكرى النكبة، في الجامعات والمساجد وكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة وفي كافة المدن المصرية.
الثلاثاء 18 يونيو 2002 : تظاهر صحفيو وكتاب جريدة الشعب أمام المبني الجديد لنقابة الصحفيين بوسط القاهرة شارع عبد الخالق ثروت - علي هامش الاحتفال بيوم الصحفي احتجاجا علي استمرار إغلاق جريدتهم للعام الثاني علي التوالي وهتفوا ضد المتعاونين مع الكيان الصهيوني في السلطة و الذين يحولون دون عودتها رغم صدور 13 حكما قضائيا بعودتها بالمخالفة للدستور واستقبلوا بهذه التظاهرة ضيوف النقابة من الصحفيين ووزراء الإعلام العرب الذين حضروا الاحتفال وشرحوا لهم جريمة إغلاق الجريدة وأظهروا لهم كيف ان الحكومة كسرت 70 قلما وليس قلما واحدا إرضاء للكيان الصهيوني والحليف الأمريكي. وارتدى صحفيو الشعب وشاحات سوداء باسم الجريدة استنكارا لموقف النظام ورفعوا لافتات أمام باب النقابة تفضح حكومة مصر التي سمحت لجريدة النبأ الجنسية بالصدور وأصرت علي منع جريدة الشعب من الصدور ووزعوا بيانا وقعه رئيس تحرير الجريدة.
السبت 15 فبراير 2003 وفي أجازة عيد الأضحى المبارك دعا حزب العمل إلى سلسلة بشرية تعلن عن غضبها على كورنيش النيل أمام فندق شبرد بالقاهرة في مواجهة السفارتين الأمريكية والبريطانية
الخميس 27/2/2003 : أكبر تظاهرة شهدتها مصر طوال العقود السابقة إذ احتشد ما يزيد على المائتين ألف مواطن بإستاد القاهرة الرياضي تنديدا بالعدوان الأمريكي المتوقع على العراق وشارك في التظاهرة كافة القوى والأحزاب السياسية إضافة إلى النقابات المهنية والعمالية ولجان دعم الانتفاضة ومناصرة الشعبين الفلسطيني والعراقي 0
الجمعة 14 مارس 2003 : مسيرة شعبية من عشرين ألف متظاهر تتحرك عقب صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريف إلى حديقة الخالدين بالدراسة يعقبها مؤتمر شعبي مفتوح بتقاطعي شارع الأزهر وصلاح سالم
الخميس 20 مارس 2003 : بدء العدوان الأمريكي الهمجي على العراق وبعده بساعة أو ساعتين تحتل جماهير مصر أكبر ميادين القاهرة تنديدا بالعدوان وبتخاذل الحكام العرب ويستمر التظاهر إلى ما بعد منتصف الليل. أحاطت قوات الأمن بحي جاردن سيتي وخاصة الشوارع المحيطة بالسفارتين الأمريكية والبريطانية لمنع وصول الجماهير الغاضبة إليها، تحدث بعض المصادمات مع الجماهير التي تحاول الوصول للسفارتين خاصة بعد أن شاركهم طلاب الجامعة الأمريكية تظاهراتهم
الجمعة 21 مارس 2003 : الغضب الشعبي يعم كل مساجد مصر وفي المقدمة منها الجامع الأزهر الشريف وبعد الصلاة يتحرك عشرات الآلاف وفي مقدمتهم قيادات وكوادر حزب العمل في مسيرة حاشدة باتجاه ميدان التحرير. تتصدى قوات الأمن للمتظاهرين ويستمر الصدام حتى الليل وتعتقل ما تسمى بقوات مكافحة الشغب مئات المتظاهرين.
الثلاثاء 20 مايو 2003 : الثامنة مساء .. نظم حزب العمل مع لجنة الحريات بنقابة الصحفيين - والتي كان يرأسها وقتئذ الأستاذ مجدي أحمد حسين - ندوة تحدث فيها شيخ قضاة مصر المستشار يحيي الرفاعي - رحمه الله - حول " الإصلاح السياسي والقضائي المطلوب لإنقاذ مصر من الانهيار" أشار فيها إلى الحكم التاريخي الذي فضح ادعاءات النظام وعدم مشروعية هذا النظام القائم علي تزوير الانتخابات وإفساد القضاء حيث قضت محكمة النقض ببطلان كل الانتخابات التي شارك في الإشراف عليها موظفو هيئة قضايا الدولة والنيابة الإدارية التابعين للسلطة التنفيذية واستنكرت المحكمة " عدم الالتزام بالدستور والقانون الذي جعل هذه المهمة مقصورة علي القضاة فقط ".. وأكد الرفاعي على إفساد المجلس الأعلى للهيئات القضائية بإقحام غير القضاة ليكون لهم الأغلبية كما أن استخدام موظفي هيئة قضايا الدولة و النيابة الإدارية يعد عدوانا علي استقلال القضاء .. وأشار إلى أن الدولة التي ترفض تنفيذ الأحكام تفقد مشروعية وجودها وعليها أن تعلن أنها مستعمرة لا تؤمن بالقرآن ولا تحكم بدستور ولا قانون .
الثلاثاء 3 يونيو 2003 : نظمت القوى الوطنية والشعبية والديمقراطية وفدا شعبيا حاشدا توجه لمجلس الشعب المصري لتسليم بيان احتجاج على زيارة مجرم الحرب جورج بوش واجتماعه بالرئيس المصري
28 سبتمبر 2003 : تظاهرة بميدان التحرير في الذكرى الثالثة لانتفاضة الأقصى الباسلة
*****
الجامع الأزهر الشريف وباقي مساجد مصر
دعا أمين عام حزب العمل إلى مؤتمر حاشد لمناصرة الشعوب الإسلامية يعقد بالجامع الأزهر عقب صلاة الجمعة 8 مارس 2002 واستجابت القوى القومية والإسلامية لهذه الدعوة لنصرة انتفاضة تحرير فلسطين السليبة من الكيان الصهيوني الغاصب ومساندة العراق ضد التهديدات الأمريكية والتي طالت أيضا إيران وأفغانستان، وامتدت الاستجابة إلى شيخ الأزهر الشيخ سيد طنطاوي -رغم مواقفه المترددة - الذي أعلن موقفا واضحا ضد العدوان الصهيوني مؤكدا على حق الشعب الفلسطيني في الكفاح والاستشهاد لتحرير أرضه السليبة.
بلغت هذه المؤتمرات والتظاهرات ذروتها في الأسابيع التالية عقب الاجتياح الصهيوني للأراضي الفلسطينية في الأول من إبريل 2002
ومنذ هذا اليوم لم يتوقف حزب العمل عن حشد أعضائه مع الآلاف من أبناء مصر في صلاة الجمعة، ورغم إغلاق قوات الأمن لشارع الأزهر من ميدان الأوبرا وحتى طريق صلاح سالم بطول ثلاثة كيلومترات لتقليل أعداد المصلين وإرهابهم، رغم هذا يحتشد الآلاف من أبناء مصر في صلاة الجمعة لحضور المؤتمر الأسبوعي بالجامع الأزهر الشريف والتظاهر في صحن المسجد حيث تمنع قوات الأمن المدججة بالسلاح الجماهير من الخروج خارج المسجد . كما تمنع العناصر النشطة منهم من دخول المسجد وإرهابهم لعدم المشاركة في أنشطة الحزب.
وما أن عقدت هذه المؤتمرات والتظاهرات بساحة الأزهر الشريف حتى انطلقت في كافة مساجد مصر وخاصة الكبيرة منها
واستمرت مؤتمرات وتظاهرات حزب العمل بالجامع الأزهر الشريف أسبوعيا وطوال ست سنوات حتى أصدر مجلس شعب الحزب الوطني قانونا يستهدف به حزب العمل بمنع التظاهر في دور العبادة. ست سنوات، أي ما يزيد على 312 أسبوعا لم يهدأ فيها حزب العمل في مواجهة تبعية وفساد واستبداد النظام البائد.
وعلى سبيل المثال فلقد شهد صحن وساحة الجامع الأزهر الشريف ظهر يوم 26 يوليو تظاهرة ضخمة بعد صلاة الجمعة نددت بالمذبحة التي قام بها السفاحون الصهاينة في مدينة غزة والتي نفذها جيش الكيان الصهيوني باستخدام آلة الحرب الأمريكية، وما أن انتهى المصلون من الصلاة حتى ارتفعت الهتافات في كافة أرجاء المسجد منددة بالتحالف الصهيوني الأمريكي وبالتآمر الدولي ضد فلسطين ومتوعدة الصهاينة والأمريكان بالانتقام، حاول شيخ الأزهر تهدئة جموع المصلين في كلمة له بعد الصلاة ولكن دون جدوى ولم يصمت المتظاهرون إلا بعد عقد مؤتمرها الحاشد .. حاول الأمن منع المؤتمر بإطفاء الأنوار ووقف مراوح الهواء عن العمل .. ورغم حرارة الجو وسخونته ورغم منع الميكرفون عن المتحدثين استمرت جماهير المصلين لما يزيد عن الساعة بعد الصلاة للاستماع إلى كلمات المتحدثين التي تخللتها الهتافات . تحدث أمين عام حزب العمل وبعض القيادات السياسية والإسلامية ونددوا في كلماتهم باللقاءات مع المسئولين الصهاينة وبالمباحثات الأمنية مع العدو الصهيوني وأشاروا إلى ضرورة الجهاد بالنفس والمال وكلمة الحق وإلى ضرورة دعم إخواننا في فلسطين وعدم موالاة الكافرين.
وفي الجمعة التالية واصلت جموع المصلين بالأزهر الشريف هتافاتها عقب صلاة الجمعة معربين عن استنكارهم لخطاب بوش وتأييدهم للمقاومة الفلسطينية وللعمليات الإستشهادية وداعين لدعم الجهاد ولاستخدام سلاح المقاطعة ضد السلع الأمريكية والصهيونية، وفى ظل تلك الهتافات ألقى الأستاذ مجدي حسين كلمته التي استنكر فيها خطاب بوش وتطاوله على أمتنا وتبنى كامل لكل ما يتطلع إليه الصهاينة، واستنكر تدخل بوش في الشأن الداخلي الفلسطيني والدعوة للقضاء على المنظمات الجهادية وتحريض الأنظمة العربية لمراقبة أجهزة الإعلام وإيقاف كل ما يمكن أن يدعم المقاومة مضيفا أن هذا الخطاب عرى الوجه الأمريكي وكشف حقيقته وأكد على أن أمريكا لا يمكن أن تكون وسيطا فهي عدو أصيل.
نشرت قناة السي إن إن تقريرا مصورا للكاتب والصحفي الصهيوني توماس فريدمان من داخل الأزهر الشريف يقول فيه "أخذت إذنا بدخول الجامع الأزهر وقت صلاة الجمعة واستمعت فيه إلى خطبة روحية عظيمة من شيخ الجامع الأزهر، وما أن انتهى شيخ الجامع من خطبته حتى استولى المتطرفون على المسجد ثم عرض صورة لمؤتمر الحزب داخل المسجد"
طال المقال للمرة الثالثة ولم يكتمل فنستأذنكم في مقال أو مقالين آخرين.

اللهم اجعل سائر عملنا خالصا لوجهك ولخير هذا الوطن والحمد لله من قبل ومن بعد.

0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن