1/25/2013

26 - الرافضون للحوار ومبرراتهم


دكتور مجدي قرقر

بعد انتهاء أحد البرامج الحوارية في مواجهة أحد الأصدقاء الليبراليين، قالت لي مقدمة البرنامج "لقد احترت في أمرك، هل أنت تيار إسلامي أم معارضة ؟" وهي لا تقصد شخصي بقدر ما تقصد حزب العمل، وهي محقة في تساؤلها !!! فالتيار الإسلامي يأخذ موقف الدفاع والتبرير أغلب الوقت ولا يرى إلا اللونين الأبيض والوردي، وفي المقابل فالتيار العلماني المعارض لا يرى إلا اللون الأسود ولا يكف عن الهدم والتفسير التآمري، فكيف يجتمع التيار الإسلامي مع المعارضة في فصيل واحد ؟!! .
إن البوصلة التي تحكمنا هي مصلحة الوطن فإن كانت مع أهل الحكم فنحن معهم، وإن كانت باتجاه المعارضة فنحن مع المعارضة. الموضوعية والصدق مع النفس والاستقامة دون شك تهدينا إلى الطريق الصواب، ومن قبل كل هذا إرادة الله سبحانه.
*****
لنعد إلى موضوع المقال الذي كان موضوع البرنامج وبنت عليه مقدمته استنتاجها، "الرافضون للحوار ومبرراتهم" .
يبني الرافضون للحوار الوطني رفضهم على سبعة أسباب:
1)   عدم تلقيهم دعوة رسمية
2)   عدم وضوح أجندة الحوار
3)   اتباع الرئيس لأسلوب الأمر الواقع
4)   عدم الثقة لعدم الالتزام بالتعهدات السابقة
5)   عدم الاتفاق على كيفية التوافق داخل الحوار
6)   عدم الشفافية في مراقبة الرأي العام للحوار
7)   عدم تحديد آلية للالتزام بما ينتهي إليه الحوار


في القضية الأولى: قام مكتب نائب رئيس الجمهورية السابق المستشار محمود مكي بالاتصال بكافة القوى السياسية، وتابع مكتب الدكتورة باكينام الشرقاوي الاتصال بعد إقرار الدستور واستقالة نائب الرئيس، وقبل الحوار قام المهندس أبو العلا ماضي كمنسق للحوار بتكثيف الاتصال مع القوى الرافضة. وفي الاجتماع الخامس للحوار منذ أكثر من أسبوعين كلف الاجتماع المهندس إبراهيم المعلم والأستاذ محمد أنور السادات والدكتور سامح فوزي بمتابعة الاتصال مع القوى الرافضة وقام المستشار محمود مكي بالاتصال بالدكتور البرادعي وحتى الآن لم تسفر كل هذه الاتصالات عن نتائج.
هل بعد كل هذا يكون الاتهام بأن القوى الرافضة لم تتلقى دعوة رسمية؟ . في الاجتماع الأول الذي حضره 54 شخصية عامة وسياسية مثلت القوى العلمانية حوالي 20 % من الحضور. وفي الاجتماعات التالية شارك مشاركون جدد من القوى الرافضة وكانت المشاركة الأكبر لممثلي الكنائس والشخصيات العامة من الأقباط وارتفعت نسبة المشاركة من القوى الرافضة للحوار سابقا إلى ما يقرب من الثلث.
ورغم عدم مشاركة جبهة الإنقاذ في الحوار حتى الآن إلا أنها أرسلت مذكرة برؤيتها حول قانون ممارسة الحقوق السياسية أعدها عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبي المشارك في الجبهة، كما أرسلت بعض أحزاب الجبهة رؤيتها واقتراحاتها في مواد الدستور التي ترى تعديلها. كما أرسلت الجبهة بعض الترشيحات من الفقهاء القانونيين لضمهم إلى اللجنة القانونية بلجنة الحوار ووافق اجتماع الجولة السابعة من جلسات الحوار الوطني على ضم اثنين منهما للجنة القانونية وهما المستشار محمد أمين المهدي والدكتور فتحي فكري بناء على ترشيح اسميهما من القوى الغائبة عن الحوار إلى المشاركين بالحوار على لسان المهندس إبراهيم المعلم
في القضية الثانية الخاصة بعدم وضوح أجندة الحوار فهذا غير دقيق لأن السيد الرئيس قد أعلن في خطابه السابق لجلسة الحوار الأولى أن موضوعها هو مناقشة الاعلان الدستوري الصادر في نوفمبر 2012. ولقد افتتح الرئيس هذه الجلسة وأعلن أن كل شيء قابل للحوار والذي يمكن تتويجه بوضع خارطة طريق لمصر في المرحلة القادمة. وفي الاجتماع التالي تحددت أجندة الحوار بوضوح أكبر في خمس نقاط ( تعديل الإعلان الدستوري وهو ما كان قد تم الانتهاء منه - تزكية الأحزاب والقوى السياسية لبعض المرشحين للتعيين بمجلس الشورى - تعديل قانون انتخاب مجلس النواب - مراجعة المواد المختلف عليها في الدستور وإصدار وثيقة بتعديلات المواد المقترحة تكون ملزمة للجميع وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية - وضع خارطة طريق للمرحلة القادمة)
في القضية الثالثة الخاصة بإتباع الرئيس لأسلوب الأمر الواقع يشير الرافضون للحوار بأن السيد الرئيس يباغت الجميع ويفرض الأمر الواقع ثم يدعو للحوار في ظل هذا الواقع، وفي ذلك نقول ما للرئيس وما عليه. أخذ السيد الرئيس بأسلوب المباغتة في إقالة المشير طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان وفي هذا ما يبرره، ولكن إعادة مجلس الشعب للانعقاد وإصدار الإعلان الدستوري قبل الأخير بطريقة مباغتة ودون تهيئة للرأي العام لم يكن لهما ما يبررهما، ولو تم تهيئة الرأي العام بخروج الرئيس على الشعب وشرح مبررات القرار لكان تقبل الرأي العام ولكانت النتائج أفضل. وهنا يشير الرافضون إلى أن الرئيس حصن نتائج الإعلان الدستوري الذي تم رفضه، ونقول أن النتائج التي حصنت هي إقالة النائب العام السابق الذي رفضته جماهير الثورة منذ بدايتها وكذا ما ترتب عليه من إعادة محاكمة قتلة الثوار، أما باقي بنود الإعلان الدستوري فسقطت بما فيها تحصين مجلس الشورى.
وفي نفس الإطار يقولون أن الرئيس دعا للحوار بعد أن حدد موعدا للاستفتاء فانتفى مبرر الحوار، صحيح هذا وكان من الممكن في جلسة الحوار الأولى المطالبة بتأجيل الاستفتاء لمدة قصيرة حتى يتم رفع مستوى التوافق حول بعض مواد الدستور، ولقد طلب من نائب الرئيس ذلك إلا أنه تحفظ لأن لا أحد يضمن أن يتم الطعن على الدستور إذا تم التأجيل، فسأل: ولكن الرئيس كان قد مد شهرين للجمعية التأسيسية، فأجاب: إن هذه مادة تم الاستفتاء عليها من الشعب وسلطة الشعب أعلى من سلطة الرئيس وبالتالي لا يمكن تأجيل الاستفتاء ولا ليوم واحد. أعلم أن الرافضين للحوار لديهم رأي قانوني آخر بأن هذا موعد تنظيمي، ولو حضروا يومها ربما انتصروا لرأيهم ولكن هذا لم يحدث فضيعوا فرصة وضيعوا بعدها فرصا أخرى.
في القضية الرابعة الخاصة بعدم الثقة لعدم الالتزام بالتعهدات السابقة، أقول إن الالتزام بالتعهدات أمر واجب ولكن في نفس الوقت ليس من شيمة الكرام أخذ التعهدات من أحد وقت حاجته إليك، ومن بين هذه التعهدات ما لم يتمكن الدكتور مرسي من تنفيذه، فلقد طلب منه تعيين خمسة نواب فعين أربعة مساعدين، طلب منه إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية - كل هذا قبل انتخابات الإعادة لرئيس الجمهورية - فلم يتمكن فعين أمانة فنية تعاون الجمعية التأسيسية متوافق عليه وشارك بعض الرافضين بعد هذا في الجمعية التأسيسية.
في القضية الخامسة الخاصة بعدم الاتفاق على كيفية التوافق داخل الحوار، فهذا وضع للعربة قبل الحصان لأن الاتفاق على كيفية التوافق يجب أن يتم داخل قاعة الحوار وليس خارجها لأنها حق لجميع المتحاورين وليس للبعض منهم دون البعض الآخر.
في القضية السادسة الخاصة بعدم الشفافية في مراقبة الرأي العام للحوار، طالب الرافضون بأن يكون الحوار علنيا ومذاعا على شاشات التليفزيون حتى يضمنوا الشفافية ويحكموا الرأي العام، وهذا توجه غير موضوعي لأن البث المباشر يفتح بابا واسعا للمزايدة في قضايا شديدة الحساسية، ثم أن أبواب الفضائيات مفتوحة على مصراعيها في المساء للتيار العلماني أكثر من التيار الإسلامي.
في القضية السابعة الخاصة بعدم تحديد آلية للالتزام بما ينتهي إليه الحوار، فإن السيد الرئيس التزم بالاستجابة لما ينتهي إليه الحوار في جلسته الأولى وانتهى الحوار إلى إلغاء الإعلان الدستوري والتزم الرئيس، ووعد بألا يتدخل في الأسماء المزكاة لمجلس الشورى والتزم الرئيس، ووعد بألا يتدخل في مشروع قانون انتخاب مجلس النواب الذي ينتهي إليه الحوار والتزم الرئيس. ثم أن هناك التزام معلن ومشتهر من الرئيس بأن يتم إصدار وثيقة بتعديلات المواد المقترحة تكون ملزمة للجميع وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية تعرض على مجلس النواب الجديد فور انعقاده.
إن ما يحدث الآن يعكس عدم الثقة بين كافة الأطراف ، فالجبهة الوطنية تشكك فى جدوى الحوار الوطنى وتتهم الرئيس بعدم الالتزام بتعهداته وتكتفي بالفضائيات لتمرير رسائلها ومبادراتها لمؤسسة الرئاسة، وفي المقابل فإن التيار الإسلامي يرى أن جبهة الإنقاذ تحشد الجماهير مطالبة بإسقاط شرعية الرئيس بل ويشارك البعض من قادتها في مؤامرة لإسقاط السيد الرئيس.
*****
أكرر ما ذهبت إليه في مقال سابق بأن الحوار الوطني الجاد مسئولية الجميع، وأننا نشعر بأسف شديد لامتناع بعض القوى السياسية الوطنية عن المشاركة في الحوار الذي دعا إليه السيد رئيس الجمهورية لأن الخاسر في ذلك هو مصر. ومن هنا أدعوهم مرة أخرى لتحكيم ضمائرهم وإعادة النظر في قرار المقاطعة وأزعم أنهم لو شاركوا في الجلسات السابقة لحققوا الكثير في الإعلان الدستوري البديل، وفي تعيين الكثير منهم في مجلس الشورى بما يمكنهم من المشاركة في مهمة التشريع في الشهور القادمة، وفي المشاركة في قانون انتخابات مجلس النواب الذي أعلنوا أنهم سيخوضون انتخاباته. وفي الجلسات القادمة يمكنهم طرح المواد المختلف عليها في الدستور الجديد ليتم تعديلها مع انعقاد مجلس النواب وطرحها للاستفتاء على الشعب.
وكما أشرنا فلقد كانت دعوة الرئيس الأخيرة في افتتاح دور الانعقاد الجديد لمجلس الشورى بإنشاء مجلس للتنمية الاقتصادية تابع لرئاسة الجمهورية، لتلبية احتياجات المواطنين وتخفيف الأعباء عنهم فرصة جديدة لمشاركة المخلصين من أبناء هذه الأمة للخروج بها من كبوتها أتي أوقعها فيها النظام البائد.
إن مصر ملك للجميع فليجتمع الجميع على كلمة سواء لنحقق الاستقرار ولنجعل قضية التنمية هي قضيتنا الأولى والأساسية لخير مصر وخير شعبها العظيم.
*****
رحم الله الأستاذ الدكتور صلاح صادق
هذه سنة الحياة، البقاء لله - تعالى - وحده ، لله ما أخذ ولله ما أعطى ، إنّا لله وإنّا إليه راجعون، نسأل الله تعالى أن يتغمّد الأستاذ الدكتور صلاح صادق بواسع رحمته وأن يتقبله قبولا حسنا و أن يسكنه فسيح جنّاته، وأن ينقيه من الذنوب و الخطايا كما ينقّى الثوب الأبيض من الدنس، وأن يحشره مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، اللهم أغفر له وأرحمه وأعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله ، وأن يطيب ثراه ويكرم مثواه ويجعل الجنة مستقره ومأواه.
ربع قرن من الزمان عرفناه فيها لم يتغير ولم يتبدل، كنا نحسب عليه ويحسب علينا ، وطنيا مخلصا مدافعا عن الشعب ، دافع عن قضايا الوطن أكثر مما دافع عن القضايا الخاصة لمكتبه، اللهم الهم آله وذويه الصبر والسلوان.

14 يناير 2013


0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن