8/31/2009

آليات تقويض الحرية النقابية في النقابات المهنية


المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
حقوق الإنسان في مصر على مشارف القرن الحادي والعشرين

آليات تقويض الحرية النقابية في النقابات المهنية
دكتور مجدي قرقر*

يحتل المهنيون موقع العقل والقلب والريادة واليد الفاعلة من الأمة فهم المنوط بهم تقدمها وحضارتها داخل الوطن وعلى المستوى العربي والإقليمي والدولي 00 وإذا كانت الإشارة إلى دور المهنيين في السلم تعد من نافلة القول فإن دورهم في الحرب والتصدي للعدو الخارجي لا يقل أهمية وكلنا نذكر دورهم الفاعل مع إخوانهم من رجالات القوات المسلحة للخروج من جب الهزيمة إلى عزة الانتصار في زمن قياسي لم يتعد الست سنوات 0
إن دور المهنيين لا يمكن أن يكون فاعلا ومؤثرا دون أن تكون هناك نقابات مهنية قوية ومستقلة تعبر عنهم 00 يمارسون فيها دورهم المهني والاجتماعي والوطني بحرية دون أي قيود أو ضوابط تفرض عليهم من خارج نقاباتهم 00 بدون هذه النقابات التي تجمع جهود المهنيين تحقيقا لمصالحهم وخدمة لمهنهم ووطنهم يكون دورهم شتات محدود التأثير 00 ومن هنا كانت هذه الورقة التي تتعرض لآليات تقويض الحرية النقابية في النقابات المهنية 0
***
الحقوق والحريات التي كفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية
قبل أن نعرض للآليات التي تقوض الحرية النقابية نعرض للحقوق التي كفلها الدستور المصري والمواثيق الدولية :

1 - الدستور المصري :
ينص الدستور المصري على " إنشاء النقابات والاتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون وتكون لها شخصيتها الاعتبارية وينظم القانون مساهمة النقابات والاتحادات في تنفيذ الخطط والبرامج الاجتماعية وفي رفع مستوى الكفاية ودعم السلوك الاشتراكي بين أعضائها وحماية أموالها " 00 " وهي ملزمة بمسائلة أعضائها عن سلوكهم في ممارسة نشاطهم وفق مواثيق شرف أخلاقية وبالدفاع عن الحقوق والحريات المقررة قانونا لأعضائها " 0

2 - الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :
نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الأمم المتحدة في 10 ديسمبر عام 1948 ووقعت عليه مصر على أنه " لكل شخص الحق في أن ينشئ وينضم إلى نقابات حمايـة لمصلحته "

3 - اتفاقيات منظمة العمل الدولية :
تقرر الاتفاقية رقم 87 لسنة 1948 " حرية العمال وأصحاب الأعمال في تكوين منظمات بمحض إرادتهم ودون ترخيص ووضع لوائح النظام وإجراء الانتخابات دون تدخل من الدولة أو أي أطراف أخرى " 0
وقد صدقت مصر على هذه الاتفاقية عام 1957 وأصبحت أحكامها ملزمة لها 0

4 - اتفاقيات الأمم المتحدة :
‌أ) الاتفاقية الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية : قررت حق كل فرد في تشكيل النقابات والانضمام إليها وعدم جواز وضع قيود تشمل هذا الحق وحق النقابات في تكوين اتحادات والانضمام إلى منظمات دولية والحق في الإضراب 0
وقد صدقت مصر على هذه الاتفاقية عام 1981 ونشرت بالجريدة الرسمية في 18 إبريل 1982 وأصبح لها قوة القانون منذ ذلك التاريخ ، وقد كان هذا هو السند الذي استندت إليه المحكمة في تبرئة عمال السكك الحديدية عندما قدمتهم النيابة للمحاكمة عام 1986 بتهمة الإضراب وأشارت المحكمة إلى أن تصديق مصر على الاتفاقية يلغي كل المواد التي تحرم الإضراب في القوانين 0
‌ب) العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية : والذي صدر عن الأمم المتحدة في 16 ديسمبر 1966 وبدأ تنفيذه في 23 مارس 1976 00 وتضمن نصا يقرر حرية كل فرد في تشكيل النقابات والانضمام إليها وتحرم أي تقييد لهذا الحق 0
‌ج) الاتفاقية الدولية لإزالة كافة أشكال التمييز العنصري : والتي صدرت في 31 ديسمبر 1965 وبدأ في تنفيذها في 4 يناير 1969 ونصت على " الحريات الديمقراطية للنقابات وحرية التجمع لكل العمال بما في ذلك التفاوض جماعيا والإضراب 000 "
***
آليات تقويض الحريات النقابية
يمكن إجمال الآليات التي تقوض الحرية النقابية في عاملين رئيسيين تندرج تحتهما كافة العوامل الأخرى :
• التدخل السلطوي للدولة في شئون النقابات المهنية 0
• عدم السعي الجاد للمهنيين في تحقيق الحرية النقابية والحرص عليها 0

***
التدخل السلطوي للدولة في شئون النقابات المهنية

1 - التضييق على إنشاء نقابات مهنية جديدة دون موافقة الدولة :
رغم حق إنشاء النقابات المهنية الذي كفله الدستور والمواثيق والعهود والاتفاقيات الدولية فإن الدولة تضع الكثير من القيود على إنشاء نقابات مهنية جديدة والتي تصل إلى حد المنع بالمخالفة لهذه المواثيق

2 – جواز الجمع بين منصب الوزير والنقيب المنتخب وتوسيع سلطات الوزراء المختصين :
يجيز القانون الجمع بين منصبي الوزير وموقع النقيب رغم التعارض بين الموقعين في الكثير من الأحيان وبما قد يشوبه من فرض وصاية الدولة أو هيمنتها على النقابات المهنية 0
ويحول القانون ( 5 ) لسنة 1995 النقابات إلى مصالح تابعة للوزراء المختصين بإعطائهم الحق في التدخل والاعتراض على قرارات مجلس النقابة 0

3 - التدخل بحل مجالس إدارات النقابات المهنية :
بغض النظر عما إذا كان القانون يعطي الحق للسلطة التنفيذية في حل مجالس إدارات النقابات المهنية فإنها قد لجأت إلى هذا في حالات كثيرة :
‌أ) بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952 اتخذت نقابة المحامين موقفا مؤيدا لها ولكن في عام 1954 ومع استمرار قيام النظام العسكري بمهام الحكم وعدم نقل السلطة للمدنيين اجتمع مجلس النقابة وأصدر بيانا شديد اللهجة رفض فيه الحكم العسكري وطالب بحكومة مدنية فكان رد مجلس قيادة الثورة في 22 ديسمبر 1954 بإصدار القانون رقم 709 الذي حل مجلس النقابة وعين لجنة مؤقتة برئاسة عبد الرحمن الرافعي 0
‌ب) بعد حركة 15 مايو 1971 رفضت نقابة المحامين تأييد الرئيس السادات فتم حل مجلسها في 5 يونيو 1971 ثم جرت انتخابات جديدة بعد ثلاثة أسابيع نتج عنها عودة معظم أعضاء مجلس النقابة الذي تم حله 0
‌ج) تم حل مجلس النقابة عام 1981 بعد معارضته الشديدة لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل بموجب القانون 125 لسنة 1981 وقضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا القانون باعتباره اعتداء على الحرية النقابية ولكن قبل أن تصدر المحكمة الدستورية حكمها كان المجلس التشريعي قد فرض قانون آخر من صنعه - قانون 17 لسنة 1983 - دون الرجوع إلى الجمعية العمومية لنقابة المحامين ومازال هذا القانون معمولا به إلى الآن 0
‌د) تدخلت الدولة بحل الكثير من مجالس إدارات أندية أعضاء هيئة التدريس وإن كانت هذه النوادي تخضع للقوانين المنظمة لعمل الجمعيات لا النقابات 0

4 - اغتصاب حق اشتراك الجمعيات العمومية للنقابات في التشريع الخاص بها :
على الرغم من سن تشريع ينظم كل مهنة في نقابة معينة إلا أن النقابات المهنية ولدت بأداة تشريعية من صنع السلطة التنفيذية التي تملك الأغلبية في المجالس النيابية فتدخل التشريع في فرض طريقة البنيان النقابي وأهدافه وتكوين مستوياته وتشكيلاته واختصاصاته والشروط الخاصة بعضوية المنظمات النقابية 00 أكثر من هذا لقد وصل الحد إلى مصادرة حق النقابات في تنظيم شئون المهنة وإصدار لوائح عملها 00 وبالتالي فإن الجمعيات العمومية للنقابات المهنية وهي الجهة الأصيلة بتحديد الاختصاصات المشار إليها محرومة من تعديل أي من الحقوق المشار إليها سلفا 0
إثر تواجد لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء في المواقع المنكوبة فور حدوث زلزال أكتوبر 1992 - وقبل تواجد الأجهزة الحكومية - و ما تلي ذلك من فوز بعض المحامين المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين بأغلبية محدودة في مجلس نقابتهم - 14 مقعد من جملة 24 مقعد - ثارت ثائرة الحكومة وبعض الصحف المعبرة عنها ومررت القانون 100 لسنة 1993 – بليل وبسرعة البرق - دون استشارة المهنيين بهدف إعادة هيكلة مجالس إدارات النقابات مما مثل تهديدا صارخا للحريات النقابية 00 وعندما فشل القانون في تحقيق أهداف الحكومة بإجراء انتخابات تفرز مجالس نقابية تابعة لها أصدرت قانونا معدلا ومكملا له - قانون 5 لسنة 1995 - لتضيف له المزيد من السوءات ويمكن إجمال مثالب هذا القانون وتعديلاته فيما يلي :
• إن صدور قانون موحد لكافة النقابات المهنية يتعارض مع خصوصية كل نقابة على حدة وظروف تكوينها وعدد أعضائها وخلفياتهم العلمية وظروف عملهم وعدد مقارها الفرعية وأماكن تواجدها 0000 الخ 0
• صعوبة عقد جمعيات عمومية للانتخابات خاصة في النقابات ذات الأعداد الكبيرة حيث فرض القانون شرط تعجيزي لانعقادها بحضور 50 % من الناخبين وإذا لم يكتمل النصاب تعاد الانتخابات بعد أسبوعين بحضور 30 % وهو ما يتجاوز المائة ألف في نقاباتي التجاريين والمهندسين على سبيل المثال 0
• إعطاء سلطات واسعة للجان القضائية المنوط بها إجراء الانتخابات وتراخي هذه السلطات عن إجرائها مما أدى إلى انتهاء مدد مجالس النقابات في الكثير منها 00 وبهذا أصبح القانون 100 لسنة 93 المسمى بـ " قانون ضمان الحريات والديمقراطية في النقابات المهنية " وسيلة لضرب الديمقراطية ونزاهة الانتخابات وتعطيلها كما استهدفت الحكومة 0
• استهدف القانون إلغاء الدور القومي للنقابات عندما فوض اللجان القضائية في إدارة شئون النقابات المهنية عند الفشل في اكتمال النصاب اللازم للانتخابات - وهو الغالب - لأن العمل القومي عمل سياسي والقضاة المشكلون لهذه اللجان ممنوعون من الاشتغال بالسياسة 0

5 - انتهاء مدد المجالس المنتخبة وعدم إجراء انتخابات جديدة :
كانت النتيجة الطبيعية لفشل القانون 100 لسنة 1993 وتعديلاته في إجراء الانتخابات أن انتهت مدد مجالس النقابات وشلت حركتها إما لسفر أو موت البعض أو اعتقال وحبس البعض الآخر أو لفتور همة البقية الباقية فلا يمكن أن يتصور تجميد تشكيل بعض مجالس النقابات ما يقرب من العشر سنوات في حين أن المفترض إعادة تشكيل هذه المجالس كل أربع سنوات أو تجديدها نصفيا كل سنتين 00 ومنذ صدور القانون 100 لسنة 1993 واللجان القضائية تتراخى في إجراء الانتخابات رغم انتهاء الكثير من النقابات من إعداد الكشوف الانتخابية منذ سنوات 0
ونشير هنا إلى تعطيل إجراء انتخابات نقابة المهندسين سبع مرات في الفترة من مارس 1993 حتى مارس 1995 0
6 - التدخل بالحراسة :
في ظل الأزمة المترتبة على القانون 100 لسنة 95 بتقويض الحريات النقابية انتهز بعض المهنيين الفرصة - ولأغراض شخصية أو سياسية بحتة - برفع دعاوى فرض حراسة على نقاباتهم بدلا من طرح تحفظاتهم ومحاولة حلها - إن وجدت - داخل البيت النقابي 0
‌أ) تم فرض الحراسة على نقابة المهندسين في الثاني من يونيو 1995 بالمخالفة للإجراءات القانونية الصحيحة وفرض حارس من غير أعضاء النقابة – حارس الجدول صاحب الدور - بالقوة ، وعهد الحكم إلى الحارس – المحامي – باستلام مبنى نقابة المهندسين بما فيه من أثاث وسجلات وأموال لإدارة شئونها واتخاذ الإجراءات لإجراء انتخابات مجلس النقابة الجديد 00 وبهذا أعطى الحكم للحارس دور النقيب ودور مجلس النقابة 0
‌ب) وفي عام 1995 أقام بعض المحامين دعوى مستعجلة بفرض الحراسة القضائية على النقابة العامة للمحامين وصدر الحكم في يناير 1996 بتعيين ثلاثة حراس قضائيين لاستلام أموال النقابة وأصولها الثابتة وحساباتها وودائعها لدى البنوك وإدارة هذه الأموال في وجهتها الصحيحة 00 إلا أن الحراسة تجاوزت منطوق الحكم بإدارة شئون النقابة كلها مما أدى إلى تقديم العديد من الطعون مستندة إلى منطوق الحكم وإلى مفهوم نظام الحراسة المتعارف عليه قانونا 0
‌ج) تم فرض الحراسة على نقابة الأطباء الفرعية بالإسكندرية - بعد القبض على أمينها العام - دون الرجوع إلى النقابة العامة صاحبة الحق في مراجعة شئون النقابات الفرعية 0
‌د) تنظر محكمة القاهرة للأمور المستعجلة الدعوى رقم 190 لسنة 1998 لفرض الحراسة على النقابة العامة للمعلمين وفروعها بالمحافظات 00 وكانت محكمة شبين الكوم الابتدائية للأمور المستعجلة قد أصدرت حكمها في الدعوى رقم 75 لسنة 1996 بفرض الحراسة على نقابة المعلمين بالمنوفية لوجود مخالفات مالية 0
‌ه) شهد عام 1998 ستة دعاوى قضائية أمام محكمة عابدين للأمور المستعجلة بفرض الحراسة على نقابة التشكيليين بعد قيام مائة عضو بالدعوة إلى عقد جمعية عمومية غير عادية تم فيها عزل المجلس والنقيب والذي قام بدوره بتحويل عدد من هؤلاء الأعضاء إلى مجلس التأديب 0
وترى المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن دعاوى فرض الحراسة بما أسفرت عنه من تعطيل للانتخابات وتهميش دور النقابات المهنية هي أحد الأدوات المستخدمة للقضاء نشاط مؤسسات المجتمع المدني في مصر حيث أصيبت النقابات التي فرضت عليها الحراسة بالشلل ووقعت في قبضة السلطة 0
وبالتالي فقد ترتب على فرض الحراسة على نقابتي المهندسين والمحامين تقويض للحريات النقابية إضافة إلى العديد من الآثار السلبية نجملها فيما يلي :
• تجاوز مفهوم الحراسة من الإدارة المالية للنقابات تحت الحراسة إلى إدارة نشاط هذه النقابات كلية ( مهنيا وخدميا ولا مانع من القيام بأدوار سياسية ولا نقول وطنية تخدم أهداف الحراسة كما حدث في بعض الإعلانات التي نشرتها الصحف منسوبة إلى الحارس الأول على نقابة المهندسـين ) 0
• مد فرض الحراسة إلى النقابات الفرعية وتعيين لجان حراسة لتسييرها رغم أن أحكام الحراسة صدرت ضد النقابات العامة ( المهندسين - المحامين ) 0
• تبديد أموال النقابات تحت الحراسة وتدهور خدماتها وتدني مستوى المهنة 0

ويثير وضع بعض النقابات المهنية - الفاعلة والكبيرة - تحت الحراسة العديد من الإشكاليات القانونية والعملية :
• مدى مشروعية فرض الحراسة على النقابات المهنية خاصة وأن الجمعيات العمومية للنقابات هي صاحبة الحق في مسائلة مجالس إداراتها 0
• مدى مشروعية القرارات الصادرة عن الحراس القضائيين في غير المسائل المالية خاصة في المجال المهني مثل اعتماد جداول قيد المحامين والمهندسين واعتماد المحامين أمام المحاكم في حالة نقابة المحامين واعتماد المهندسين الاستشاريين والاعتراف بخريجي بعض المعاهد الفنية الخاصة كأعضاء في حالة نقابة المهندسين 0
• من الذي يملك حق الدعوة للجمعية العمومية ؟ 00 الحراس القضائيين ذوي السلطات المحدودة قانونا أم مجالس الإدارة الشرعية المحجوبة عن إدارة شئون نقاباتها أم مجالس الإدارة التي انتهت مدتها ؟ 00 أم الوزير المسئول عن النقابة المهنية ؟!

7 - التضييق على الدور القومي للنقابات :
إثر تواجد لجنة الإغاثة بنقابة الأطباء في المواقع المنكوبة فور حدوث زلزال أكتوبر 1992 - وقبل تواجد الأجهزة الحكومية - وتفويض نقابة المهندسين للاستشاريين المقيدين بها بحصر العقارات التي تأثرت بالزلزال وتقدير أمان هذه العقارات من عدمه واقتراح أسلوب العلاج أو الترميم اللازم إذا دعت الضرورة 00 صدر قرار الحاكم العسكري بتجريم جمع التبرعات من خلال أي من تنظيمات المجتمع المدني وأن تكون جمعية الهلال الأحمر هي الوحيدة المسئولة عن جمع أي تبرعات 0
وفي حين تسمح الحكومة بالعديد من الندوات والمؤتمرات ذات الطابع القومي إلا أن الحصول على إذن من أمن الدولة أو إخطاره شرط ضروري وفي حالة تعارض موضوع الندوة مع توجه الحكومة فإنها كثيرا ما تتدخل بالمنع 00 فإذا أخذنا نقابة المهندسين كمثال فإنه يمكن الإشارة إلى ما يلي :
• منع ندوة " من أجل مصر 00 جميعا ضد التعذيب " بالقوة بعد حصار النقابة يوم الاثنين 9 أكتوبر 1989 0
• منع ندوة عن " البوسنة " في نقابة المهندسين بالبحيرة بالتعاون مع نقابة المحامين بالقوة والاعتداء على المشاركين فيها رغم الاتفاق مع أجهزة الأمن على الندوة يوم 16 يوليو 1993 0

8 - التدخل في تشكيل عضوية النقابات :
ورغم أن الجمعيات العمومية للنقابات المهنية هي صاحبة الحق الوحيد في تحديد شروط العضوية بها إلا أن الدولة كثيرا ما تتدخل وتفرض شروطا معينة لاعتبارات سياسية أو اجتماعية معينة كثيرا ما تكون بعيدة عن صالح المهنة والمهنيين العاملين بها مثل قبول الحاصلين على دبلومي الزراعة والتجارة بنقابتي الزراعيين والتجاريين على الترتيب ، ومثل الموافقة على قيد خريجي المعاهد الصناعية في الستينات بنقابة المهندسين ، كما تم الاعتراف بخريجي معهدي بنها والعاشر من رمضان بنقابة المهندسين بموافقة الحارس القضائي لنقابة المهندسين – من غير أبناء المهنة !! - وتنازله عن القضية المرفوعة بهذا الشأن 0
وتتدخل الدولة كثيرا في هيكلة عضوية النقابات المهنية عن طريق حشد المهنيين الحكوميين ( حالة مهندسي وزارة الري والقطاع العام في نقابة المهندسين ومحامي القطاع العام في نقابة المحامين ) والمهنيين العسكريين ويصل الأمر أحيانا إلى تسديد قيمة اشتراكاتهم لضمان التأثير في نتائج الانتخابات المهنية 0
كما أن الدولة لا تأخذ بوجهة نظر النقابات في تحديد أعداد الخريجين ومدى حاجة سوق العمل لهم ، ولقد لاقى الأستاذ الدكتور / حمدي السيد نقيب الأطباء عنتا شديدا في محاولته لتحجيم الأعداد الكبيرة من خريجي كليات الطب بما يؤثر على مستوى الخريجين والمهنة بالتالي 00 كما لاقى نفس العنت في تصديه لإنشاء كليات الطب الخاصة دون أن تستكمل المقومات اللازمة لهذه الكليات 0


9 – تعطيل حق الإضراب والاعتصام :
إن الحريات النقابية الخاصة بممارسة حق الإضراب والاعتصام معطلة رغم اعتراف مصر بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يبيح هذه الحريات ورغم صدور أحكام قضائيـة تثبت هذه الحق 00 وغالبا مالا تتعرض الحكومة لحق الاعتصام إذا كان بأعداد محدودة وداخل أسوار النقابات – وإن وضعته تحت رقابة أمن الدولة – ولكنها لا تسمح به إذا زادت الأعداد أو تجاوزت الأسوار 0

10 - إهدار حق التعدد النقابي :
تم إهدار حق التعدد النقابي على مستوى النقابات العمالية والمهنية على السواء ، مما يحرم العمال والمهنيين المنضمين لتلك النقابات من حق اختيار النقابة التي ينضمون لها وتدافع عنهم وتقدم لهم أفضل المميزات نتيجة لانعدام المنافسة بين النقابات ، مما جعلها ، وبخاصة النقابات المهنية أقرب ما تكون إلى روابط للخريجين منها للنقابات 0

11 - اشتراط عضوية الاتحاد الاشتراكي لصحة عضوية النقابات المهنية :
في ظل نظام الحزب الواحد كان من الطبيعي أن تكون النقابات المهنية امتدادا لهذا الحزب والنظام السياسي التابع له فلم يكن يسمح بالترشيح لمجالس النقابات المهنية إلا للأعضاء العاملين في الاتحاد الاشتراكي ورغم أن النظام السياسي المصري تحول إلى التعددية الحزبية عام 1978 إلا أن هذا النص مازال قائما !! 0

12 - تدخل المدعي العام الاشتراكي في صحة الترشيح لمجالس النقابات المهنية :
رغم الطبيعة الإدارية والتبعية الواضحة للمدعي العام الاشتراكي للسلطتين التشريعية والتنفيذية إلا أن القانون أعطاه اختصاصات هي من صميم أعمال السلطة القضائية بما يعد افتاءات عليها وبما يهدر من مبدأ الفصل بين السلطات 00 ولقد أعطى القانون للمدعي العام الاشتراكي الحق في حرمان المواطنين من الترشيح للمجالس النيابية أو المحلية أو التنظيمات النقابية طبقا للمادة 2 من قانون 73 لسنة 1956 الخاص بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية 00 ولقد تصدت نقابة المحامين لقانون المدعي العام الاشتراكي الذي اشترط الموافقة على قائمة المرشحين لانتخابات النقابة ورفضت الاعتراف به ، وفي الانتخابات النقابية عام 1978 رفضت النقابة تقديم قائمة المرشحين للمدعي الاشتراكي واضطرت السلطة إلى التسليم بحق المحامين وأجريت الانتخابات دون تقديم القائمة للمدعي الاشتراكي 0

13 - اعتقال وحبس المهنيين في قضايا مهنية ومحاكمتهم أمام المحاكم العسكرية :
نشير هنا إلى اعتقال عدد من المهندسين منهم أمين نقابة البحيرة بعد تدخل الأمن بالقوة ومنعه لندوة " البوسنة " السابق الإشارة إليها 0
كما نشير بالقطع إلى القضايا التي زج فيها بالقيادات النقابية طوال عام 1995 وفي شهر أكتوبر من عام 1999 بتهمة الإعداد لخوض الانتخابات المهنية بهدف اختراقها ثم محاكمتهم أمام محاكم عسكرية لتصدر هذه المحاكم أحكامها التي تراوحت بين الثلاث سنوات والخمس سنوات رغم أن الدستور ينص على أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي 00 هذا في القضايا العادية فما بالنا بالقبض على مهنيين يمارسون حقوقهم النقابية ثم يتم تحويلهم للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية ؟! 0

14 – التعسف في استخدام القرارات الإدارية ضد المهنيين طبقا للتقارير الأمنية :
والنموذج الصارخ على هذا في وزارة التعليم والتي حولت ما يزيد على الثلاثة آلاف معلم إلى وظائف إدارية بقرارات إدارية تعسفية تتعارض مع أبسط حقوق الإنسان 0

***
عدم السعي الجاد للمهنيين في تحقيق الحرية النقابية والحرص عليها
ورغم أن تسلط الدولة يلعب الدور الأكبر في تقويض الحريات النقابية إلا أن المهنيين أنفسهم ومجالس نقاباتهم قد يلعبون دورا في هذا الاتجاه وإن كان أقل كثيرا من دور الدولة في تقويض هذه الحريات 0

1- عدم السعي لإيجاد أسلوب انتخابي يضمن تمثيل واحترام إرادة كافة الأعضاء :
إن أساس نجاح التنظيم النقابي أن يتم انتخاب مجالس النقابات بأسلوب ديمقراطي وفي مناخ صحي يسمح بتشكيل مجلس نقابي ( يعبر عن كافة القوى المهنية والسياسية الموجودة & ويحترم إرادة أعضائها في آن واحد ) ودون تدخل من أي طرف ثان 00 وإذا انتفى أي من الهدفين بغلبة تيار سياسي أو مهني بجل مقاعد مجلس النقابة أو أن يكون المجلس مخالفا لإرادة الناخبين فإن خللا ما يكون حادثا ويجب تداركه 00 وإذا تحقق الهدفان تجاوب أعضاء النقابة وأقبلوا على انتخاباتها وارتضوا نتيجتها ودافعوا عن قرارات النقابة ومصالح أعضائها 0

2 - عدم تكاتف المهنيين في الدفاع عن مصالحهم :
بصدور القانون 100 لسنة 93 انتفض المهنيون رافضين للقانون وشهدت بعض النقابات الاعتصامات الرافضة للقانون كما شهدت جمعيات عمومية حاشدة تجاوزت الخمسة عشر ألفا ( نقابة المهندسين ) إلا أن هذه الانتفاضة لم تدم طويلا وقبلت بعض النقابات الفاعلة الدخول في التحدي مع قانون معيب غير قابل للتطبيق بشراء مقار نقابية جديدة والتجهيز لانتخابات جديدة وفق هذا القانون المعيب 0
إن وقفة صحفيي مصر الشرفاء وتكاتفهم جميعا بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية كان له أبلغ الأثر في وئد القانون 93 لسنة 1995 الشهير بـ " قانون اغتيال الصحافة " ، كما أن رفض عمال مصر لقانون العمل الموحد أجل صدور القانون لسنوات وتم مناقشته على نطاق واسع ومازال يتعثر حتى الآن ، نخلص من هذا أن المهنيين عند تكاتفهم يمكن أن يسقطوا القوانين التي تضر بمصالحهم وتحد من حريتهم 00 وإذا كان الصحفيون قد أسقطوا القانون 93 لسنة 95 وإذا كان المحامون قد نجحوا في إسقاط القانون 125 لسنة 1981 بنضالهم المنفرد ففي مكنة المهنيين اليوم بنضالهم المشترك إسقاط القانون 100 لسنة 1993 0

3 - ميثاق الشرف المهني :
إن أعضاء النقابات المهنية ومجالسها قد قصروا بدرجة كبيرة في أغلب النقابات عن صياغة ميثاق للشرف المهني يعبر عن آداب وسلوكيات ولوائح المهنة ويعطي الحق للنقابات في مسائلة أعضائها دون أي جور على حق المجتمع لأن النقابة هي الأقدر على مسائلة أعضائها في قضايا المهنة 0

4 - إهمال حقوق المهنيين العاملين خارج الوطن :
لا توجد آلية منظمة في معظم النقابات المهنية للتواصل مع المهنيين العاملين في خارج الوطن في حين يطالب هؤلاء الأعضاء بالقيام بكافة التزاماتهم ودفع الغرامات اللازمة عند تأخرهم في سداد هذه الالتزامات 0
***
مقترحات
• إن قضية النقابات المهنية قضية سياسية ومهنية في آن واحد وبالتالي فإن الخروج من أزمة هذه النقابات يجب أن يكون بيد المهنيين أنفسهم ومن داخل نقاباتهم المهنية وبمشاركة الحكومة - العنصر الفاعل والمؤثر والمتسبب في أزمة النقابات - 00 لذا تقترح الورقة عقد مؤتمرات عامة للحوار للنقابات المهنية كلا على حدة تشارك فيها كافة التيارات المهنية الفاعلة بغض النظر عن انتماءاتها السياسية وبمشاركة الحكومة يعقبها عقد جمعيات عمومية للنقابات المهنية تضع أمامها ما انتهت إليه هذه المؤتمرات بهدف الوصول إلى نداء مشترك ينشد التلاقي عند كلمة سواء لكافة الأطراف 0
• ربما ينبثق عن الجمعيات العمومية السابقة اختيار مجالس مؤقتة للنقابات تعبر عن كافة الاتجاهات ومشهود لها بالأمانة والنزاهة والموضوعية بهدف إجراء الانتخابات النقابية لانتخاب مجالس إدارات تعبر عن كافة القوى المهنية والسياسية الموجودة بهذه النقابات وتعبر عن إرادة أعضائها دون أي تزييف 0
• إن جهدا كبيرا يجب أن يبذل في اختيار الأسلوب الانتخابي الأمثل الذي يسمح بتشكيل مجلس نقابي ( يعبر عن كافة القوى المهنية والسياسية الموجودة & ويحترم إرادة أعضائها في آن واحـد ) ودون تدخل من أي طرف ثان والعمل على تجاوز المشكلات المترتبة على العضوية الكبيرة لبعض النقابات :
 الانتخاب على مستويات ( الانتخاب غير المباشر على مستوى المركز والمحافظة ثم على المستوى المركزي كما في حالة نقابة المعلمين 00 وفي نفس الوقت على مستوى القطاعات كما في حالة نقابة المحامين ) مع العمل على تجاوز مثالب هذا الأسلوب من واقع تجربة النقابات المشار إليها 00 وهذا الأسلوب يضمن معرفة الناخب لكافة المرشحين والاختيار بينهم بموضوعية بما يحقق مصلحة المهنة والمهنيين 0
 دراسة إمكانية إجراء الانتخابات المركزية بأسلوب القائمة النسبية غير المشروطــــة ( بالحصول على نسبة معينة من الأصوات أو أن تكون القائمة كاملة مستوفاة لكافة المقاعد المطلوب الانتخاب عليها ) 00 وهذا الأسلوب يعطي الفرصة لمشاركة الكثير من التيارات في مجالس النقابات بغض النظر عن ثقلها الانتخابي 00 وغالبا ما تكون قوائم المهنيين على أساس مهني أكثر منها على أساس حزبي أو سياسي 0
• ولقد سعت مجموعة من المهنيين ممثلين للعديد من النقابات المهنية وممثلين لكافة التيارات السياسية الفاعلة ووقعوا على بيان تأسيسي لإعلان قيام " لجنة الدفاع عن استقلال النقابـات المهنية " سعيا لعودة النقابات للمهنيين أنفسهم لاختيار ممثليهم الذين يعبرون عن إرادتهم الحرة لإدارة شئون نقابتهم 00 ولقد تبنت المنظمة المصرية الاجتماع التأسيسي لهذه اللجنة القومية من خلال اجتماعين عقدا بها يومي 21 إبريل 1998 & 25 مايو 1998 واختار المؤسسون الأستاذ عبد العزيز محمد المحامي رئيس المنظمة رئيسا للجنة
وفي إطار الهدف الأسمى السابق الإشارة إليه فإن اللجنة تسعى إلى تحقيق الأهداف التالية والتي نظنها صالحة لتلاقي المهنيين على كلمة سواء :
1. العمل على تحقيق القناعة والتراضي والوفاق بين كافة الأطراف في أن تعبر النقابات ديمقراطيا عن مجموع المهنيين بجميع اتجاهاتهم وانتماءاتهم تعبيرا نقابيا ووطنيا متوازنا 0
2. تبني الدعوة إلى عدم احتكار أي تيار سياسي لمجالس إدارات النقابات 0
3. العمل على ألا تكون النقابات محلا لتصفية أية حسابات سياسية 0
4. السعي لتحديد سقف زمني لإجراء انتخابات نزيهة لانتخاب مجالس نقابات تأخذ على عاتقها صياغة القانون الخاص بها بعد الرجوع لجمعياتها العمومية 0
5. كشف الممارسات التي تقوم بها الحراسة على النقابات المهنية تحت الحراسة وتوضيح خطورة القرارات التي تصدر عنها وتصفية هذه الحراسات في أسرع وقت ممكن 0
6. العمل على عودة النقابات لأداء دورها الوطني المنوطة به 0
7. العمل على إلغاء القانون 100 لسنة 1993 وتعديلاته الصادرة بالقانون 5 لسنة 1995 على أن يصدر قانون جديد – لكل نقابة على حدة – عن المهنيين أنفسهم يضمن احترام إرادتهم 0

إن مهنيي مصر هم أملها وعدتها في تحقيق حلمها في غد أفضل تتبوأ به مكانتها الجديرة بها بين الأمم 0

تلك بعض الأفكار التي حاولت بها تغطية " آليات تقويض الحرية النقابية على مشارف القرن الحادي والعشرين " 00 إنه جهد المقل الواثق من أن تعقيب الحضور سيثري الورقة ويضيف إليها 00 أدعو الله أن يكون سائر عملنا خالصا لوجهه 00 سائلا إياه " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين " 00 صدق الله العظيم

0 التعليقات:

إرسال تعليق

د. مجدي قرقر © 2008 | تصميم وتطوير حسن